تتحرك على قدر ما تتحرَّق
تتقدم المادة على البشر، يعلو صخب الدبابات على نزيف الدم.
الحسابات باردة لا تعبأ إلا بالأرقام، حتى البشر يصيروا رقما ربما لا تتجاوز قيمته بضع كلمات على الأوراق.
حدثا واحدا قد يذهب بمئات الناس وربما الملايين.
حياتك أنت قد أتت رأسا على عقب في جولة واحدة من حياتك، تلتفت فتجد أن حياتك تدور في كثير من جوانبها في فَلَك هذه الجولة.
فعل الحدث في قلبك كبير.
تجد نفسك في عالم المؤسسات وعالم المادة بلا وزن ولا قيمة، من أنت ليهتز العالم لتعذيبك أو انتهاك حقوقك أو سرقة أرضك ووطنك أو حتى قتلك!؟
من أنت ليبالى غيرك بمشاكلك وحزنك ويلحظ انطفائك؟!
تشعر بالعجز أمام الكثير من الظروف والمشكلات والضغوط، ما باليد حيلة!
وربما يكون العجز في نظر بعض التحليلات والرؤى أو معظمها معناه النهاية ويصير التقاعس فطنة والركون للظالمين حكمة، واليأس حتمية.
حينها تتجلى نعمة التوحيد؛ التوحيد الذى يجعلك تعرف وتدرك أنك فى معية خالق حكيم عالم تستمطر مدده فى كل خلجة وحركة ومعنى؛ التوحيد الذى يجعل قلبك يحيا لغاية هى ملجأه عند كل محنة وهى اللطف فى كل بلاء، التوحيد الذى يجعلك تُبصر المهمة التى أنبتك الله لأجلها ويجعلك تسعى لتتمها على أكمل وجه تستطيعه.
فإذا كنت صفرًا فى نظر التحليلات المادية ففى عالم الحق والخير عملك عظيم، فالعبرة هنا لا تقاس بالنتائج وحدها، فهناك البذل وإن لم نر أثره، هناك نصرة الحق وإن كان الثمن أغلى الأشياء والأشخاص، هناك أن توجه فعلك لغاية سليمة؛ فالفعل يستمد نوره من الغاية التى تم لأجلها لا من النتيجة الملموسة التى يأتى بها، فحولنا الكثير من النتائج والتى بسبب الغايات التى حركتها كانت سببًا فى الظلم والخراب والعدوان.
وقد يحدث وتأسرنا التحليلات الكثيرة فى اللحظة الراهنة، اللحظة الشديدة، لحظة المصاب.
فهل تنطفئ تلك النفوس المشتعلة المفعمة بالأمل يوما ما ؟!
وهل تمر تلك النفوس بمراحل تكون أقصى آمالها فيها أن تقوم بنفسها وهي التي كانت دومًا تسعى للنهوض بنفسها ومجتمعها ؟؟
نعم قد يحدث، ولكن التماس العذر للنفس عند عثراتها هو ما يعين على استكمال الدرب، وقد يكون التصالح مع العثرة هو ما تقطع به أولى الخطوات.
فلا تأسرنا اللحظة الراهنة، ولا يهزمنا الخوف من الوهم.
ثم علينا أن نعين أنفسنا، لعلها تتدبر حالها وما أوصلها إلى هناك؛ فتُعيد صياغة تصوراتها ومفاهيمها، وتُهذب سلوكها وُتقوِّمه، وتتزود بالمعنى الذي تنهزم أمامه التخوفات من الإخفاقات.
والحكيم من يشحذ نفسه ويعبئها ولكن نحو غاية سليمة، تكون طيبة النية والبنية، ويستحث نفسه دومًا بالمعنى قبل الحركة.