يمكن واحدة من أعظم الأحلام اللي بيحلم بيها البشر إن هم يومًا ما يقدروا يوصلوا للنجوم، ويشوفوها بعيونهم من غير تليسكوبات ولا مناظير.
بس دايمًا، وطول التاريخ العلمي للبشر من ساعة ما بدأت معرفتنا بقوانين الفيزياء الكونية، ومن ساعة ما جه أينشتاين في بدايات القرن العشرين وابتكر نظرية النسبية، كنا عارفين ومتأكدين إن ده مجرد حلم بعيد، وأقرب للاستحالة، وده عشان سرعة الضوء دي هي السرعة القصوى اللي بتسمح بيها قواعد الفيزياء في الكون، ومستحيل على أي شيء إنه يقرب منها أو يتجاوزها، وإلا هيتدمر ويتحول لطاقة.
بس عشان البشر دايمًا طموحين، وكل اللي بيعتبره بعضهم مستحيل هو بالنسبة للبعض الآخر مش أكتر من مجرد اكتشاف وابتكار علمي مذهل مستني حد يوصله، فسرعة الضوء دي فضلت تحت الاختبار، وعلماء كتير جدًا كانوا بيحاولوا يوصلوا لطرق مبتكرة عشان يتجاوزوها ويكسروها.
من ضمن العلماء دول، في عالم فيزيائي عبقري قدر أخيرًا يوصل لفكرة خلته قادر على ابتكار محرك لسفينة فضاء يقدر يوصلها لسرعة الضوء من غير ما يحتاج وقود من الأساس!
إزاي؟! هو ده موضوعنا اللي هنتكلم فيه، فاربط حزامك واستعد، وهات كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، وتعالى بقى معايا النهارده أحكيلك عن الكشف المذهل، والفكرة العلمية العظيمة دي.
هل يمكن السفر إلى الفضاء؟
فكرة السفر في الفضاء بسرعة أكبر من الضوء، والوصول لكواكب ومجرات تانية بسهولة، كانت دايمًا حاجة بتداعب خيال الجنس البشري، وكتب عنها معظم كتاب الخيال العلمي روايات وأفلام لا تعد ولا تحصى.
مجرد فكرة إنك تركب سفينتك الفضائية، وتسافر عشان تستكشف الكون الواسع الغامض ده، وتنور الضلمة اللي فيه، كانت دايمًا عبارة عن حاجة أقوى من الخيال، حاجة ممكن تخلي قلبك يتحرك من مكانه لو حد جه وقالك إنها ممكن فعلًا تتحقق وإنت عايش.
لفترة طويلة جدًا من الزمن، محدش كان متخيل إن الحلم ده ممكن يتحقق فعلًا، لحد ما جه العالم العظيم اللي هنتكلم عنه ده.
اقرأ أيضاً: انفجار النجم بيتلجوس
تأثير وودوارد
العالم ده يا سيدي اسمه جيم وودوارد (Jim Woodward)، الأستاذ الفخري للفيزياء النظرية بجامعة كاليفورنيا أو اللي بيسموها (Fullerton)، وهو في الواقع بقاله أكتر من ٣٠ سنة شغال على الفكرة الثورية بتاعته اللي هنحكي عنها حالًا دي، بس خليني الأول أقولك حاجة هتذهلك.
الراجل ده عايز أقولك إنه حاليًا عمره تقريبًا 82 سنة، وإنه في فترة من حياته جاله سرطان رئة، وفضل يتعالج منه لحد ما خف بطريقة غريبة، بعد ما دخل في علاج تجريبي غريب، مكنش حد متوقعه، وبرغم كده رجعله تاني سرطان الغدد اللمفاوية وبيتعالج منه حاليًا وسط ما هو شغال على فكرته.
الفكرة العظيمة اللي عنده، اللي هو كان شغال عليها طول السنين دي، هي إنه هيستعمل تأثير غريب ابتكره أينشتاين نفسه، وده جزء من نظرية النسبية العامة (General Relativity)، اسمه مبدأ ماخ (Mach’s Principle)، في إنه يوصل لسرعة الضوء بدون استعمال طاقة من الأساس!
طب واحدة واحدة بس كده، هو إيه مبدأ ماخ ده؟!
مبدأ ماخ
المبدأ ده يا صديقي استلهمه أينشتاين من فيزيائي شهير كان عايش في القرن الـ١٩، اسمه إرنست ماخ، وهو بيتكلم باختصار عن حاجة في الفيزياء اسمها القصور الذاتي أو العطالة (Inertia)، والقصور الذاتي ده هو مصطلح فيزيائي بيعبر عن مقاومة الجسم الساكن للحركة ومقاومة الجسم المتحرك لأي حركة أخرى، ما لم تؤثر عليه قوة خارجية بتزوده بعجلة ثابتة أو تغير اتجاهه.
يعني بتعبير مبسط، القصور الذاتي هو سبب إن الأجسام الساكنة بتفضل ساكنة في مكانها، وسبب إن الأجسام اللي بتتحرك في الفضاء، بتفضل تتحرك، ما دام مفيش قوة تانية بتأثر عليها، والتفسير ده جاي من الأساسيات الرياضية اللي وضعها العالم إسحق نيوتن (Isaac Newton) لما اكتشف قوانين الجاذبية الكلاسيكية من زمن طويل.
المهم إن العالم إرنست ماخ ده بقى جه وقالك إن القصور الذاتي ده في الواقع بينتج من تفاعلات جذبوية أو (Gravitational Interactions) ما بين كل الأجسام اللي موجودة في الكون مع بعضها، يعني المقاومة اللي بتقاومها الأجسام اللي في الأرض عندنا هنا لأي حركة خارجية، دي في الواقع بتحصل بسبب تأثيرات الأجسام الفضائية الضخمة اللي في الفضاء عليها.
طب ثانية بقى عشان الكلام ده كبير أوي ومجعلص وتقيل، ومش فاهمين حاجة.
تعرف على: قصة الرجل الذي نسيه الروس في الفضاء
تأثير القصور الذاتي
بص، لو عايز تفهم الموضوع، ممكن تتخيله بمثال بسيط، تخيل إنك عندك حوض مية، وهنتخيل إن حوض المية ده هو الفضاء، والحوض ده إنت حاطط فيه بطة صغيرة لعبة، وإنها ساكنة في مكانها مبتتحركش.
إنت بقى لو جيت وحطيت بطة تانية في المية، وحركتها، فهتلاحظ إن النسيج بتاع المية نفسه بيحصل فيه تموجات بسيطة، وبتسبب في النهاية إن البطة التانية تتحرك بردو.
لو طبقت ده على الفضاء، هتلاقي إن حركة الأجرام السماوية العظيمة زي النجوم والكواكب والمجرات، بتأثر في نسيج الكون نفسه، وبتسبب تأثيرات القصور الذاتي اللي إحنا كبشر بنشوفها في كل مكان في الكون، كأن الكون كله هو حوض مية فيه لعب بتتحرك، وكلها بتأثر على بعضها.
أينشتاين بقى كان منبهر بالفكرة دي جدًا، وحطها في نظريته الأشهر في التاريخ، اللي هي النسبية، وقالك إن لما طاقة أي جسم بتتغير، فالكتلة بتاعت الجسم ده بتتغير معاها، وده طبقًا للمعادلة المشهورة بتاعته اللي هي E=MC².
والفكرة إن تغير كتلة وطاقة الأجسام ده بيسبب تغير في شكل نسيج الكون كله حواليها.
استخدام الأقراص الكهروضغطية
فبناءً بقى على الكلام اللي فات ده، جه جيم وودوارد، وقالك إنه باستعمال تأثير ماخ ده، هيقدر يصمم محرك لسفينة فضائية، يقدر يوصلها لتقريبًا 99.9% من سرعة الضوء، بطريقة غريبة شوية.
طب إيه الطريقة دي؟!
شوف يا عم، هو عايز يستغل تأثير ماخ ده، ومعاه قانون القصور الذاتي والتسارع الحركي بتاع نيوتن، في إنه يخلق حركة صغيرة في المحرك بتاعه، بدون استعمال أي وقود، كل اللي هيعمله هو إنه مجرد هيجيب كريستالات صغيرة جدًا، بيسميها أقراص كهروضغطية أو (piezoelectric disks)، ويمرر فيها تيار كهربي.
التيار الكهربي ده هيفضل يغير طاقتها وكتلتها مع بعض بشكل مستمر، وبسبب ده، فهو هيخليها تتمدد وتنكمش، وبالتالي تتحرك، حركة صغيرة وضئيلة جدًا، بتبدأ تزيد مع الوقت لحد ما بتوصل لسرعات خيالية لا يمكن استيعابها!
اقرأ أيضاً: هل سنسافر يوما عبر التاريخ؟
محرك لسفينة فضائية بدون وقود
لو هبسطلك الموضوع، هقولك إن الموضوع أشبه بمركب بيسبح في بحر، واللي راكبه بيجدف بالمجاديف بتاعته في المية، هو هيخلي الكريستالات الصغيرة اللي بيعدي فيها طاقة كهربية دي تبقى زي المجاديف دي بالظبط، هتقعد تتمدد وتنكمش، وطاقتها وكتلها تزيد وتقل، بس مش مرة واحدة ولا اتنين، لأ، دي آلاف المرات في الثانية الواحدة، ونتيجة لده فالمحرك هيخلي السفينة الفضائية تتحرك بالراحة في الفضاء، كأنك بتجدف بالمركب بالضبط.
طبعًا في الأول هتبقى الحركة بطيئة وصعبة، لكن بعدها هتبدأ الحركة تتسارع وتزيد بشكل مدهش، وبسبب كون الفضاء هو عبارة عن فراغ ومفيهوش أي حاجة تعمل قوة احتكاك بالسفينة الفضائية ولا تأثر عليها، فالسرعة هتزيد مع الوقت لحد ما في وقت قصير هتعدي كل الحدود الل وصلنا لها في تاريخنا كله.
عارف المبهر في الموضوع ده كله إيه؟! المبهر هو إن المحرك ده حتى مش هيحتاج وقود أصلا!
كل اللي هيحتاجه هو شوية تيار كهربي، سهل جدًا يتم توفيره في أي سفينة فضائية، بمفاعل نووي صغير في حجم أوضة صغيرة، يتبني جوه السفينة، عشان يوفر تيار كهربي مستمر ومتجدد، يفضل شغال لعشرات السنين.
محرك ميجا القادر على السفر بسرعة الضوء
إنت متخيل عظمة الفكرة، وقد إيه هي ممكن تغير شكل الحضارة البشرية، وتفتح الطريق قدام البشر لاستيطان الكواكب التانية، وتبدأ عصر فضاء جديد حرفيًا؟!
المحرك اللي هو شغال عليه حاليًا ده اسمه محرك ميجا (MEGA)، وهو اختصار من جملة (Mach-effect gravitational assist)، وهو خد بالفعل كذا منحة من وكالة ناسا N.A.S.A القومية الأمريكية لأبحاث الفضاء، أول واحدة كانت بـ١٠٠ ألف دولار، والتانية خدها في سنة ٢٠١٩، وكانت بنص مليون دولار.
بالفعل نتايج المحرك عماله تتحسن وتتحسن، والحركة عمالة كل شوية تبان ملحوظة أكتر، الجهاز من الواضح إنه بيسبب حركة تقدر بملليمترات صغيرة. بس مع الوقت، معدل الحركة ده هيعلى ويزيد، والتيار الكهربي المستمر هيخلي الحركة تتسارع لحد ما توصل لقريب من سرعة الضوء.
اقرأ أيضاً: المصعد الفضائي ومستقبل السفر للفضاء
نقلة حقيقية في تاريخ تكنولوجيا الفضاء
طبعًا الموضوع وفكرة تصميم المحرك معقد أكتر من كده، وفيه تفاصيل علمية وفيزيائية كتير أنا بسطتها لك هنا عشان هي محتاجة شرح أكبر وأعقد شوية، بس المهم إن بالفعل جيمس وودوارد هو وصديقه اللي بيتعاون معاه في المشروع هال فيرن (Hal Fearn)، صمموا مركبة شكلها غريب، اسمها SSI Lambda، جواها أكتر من ١٥٠٠ محرك ميجا MEGA Drive صغير، ومنتظرين عشان يجربوها قريب في المدار بتاع كوكب الأرض ويشوفوا مدى فاعليتها.
غير كده كمان، فالمشروع بتاعهم راح لعلماء فيزياء تطبيقية عشان يصمموا عليه تجارب ويتأكدوا من مدى كفاءته وفاعليته، وهل هو فعلًا بيعمل اللي بيقوله ولا لأ، وبيتعمل عليه حاليًا عشرات الأوراق العلمية اللي بتناقش مدى إمكانية تنفيذ فكرته.
لو ده حصل، فدي هتبقى نقلة حقيقية في تاريخ تكنولوجيا الفضاء! نقلة لازم هتفكرك بالنقلة اللي حصلت لما تم اختراع العربيات والقطارات البخارية كده بالظبط.
النقلة دي هتدخلنا في عصر جديد مكناش نحلم بيه، عصر يقدر فيه رائد فضاء بمركبة واحدة من غير وقود أصلًا، إنه يوصل لنظام شمسي تاني، في سنين قليلة، وخلال فترة حياتي وحياتك!
هي دي عظمة علم الفيزياء اللي مالهاش حدود.
المصادر
https://futurism.com/nasa-funded-scientist-new-thruster-light-speed
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا