مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

بين الغنى والفقر .. الفقير وحسن التفكير!

نشأنا فوجدنا أنفسنا في طبقات، منا من وجد نفسه في أسرة ميسورة الحال ومنا من وجد نفسه في أسرة متوسطة ومنا الفقير ، وهو ما يعرف بطبقات المجتمع وتوزيعها.
ولكن هل تلك القسمة تجعلنا ننبذ غيرنا ونحتقر من ليس داخل طبقتنا؟ هل ذلك التوزيع يجعل الفقير يحمل في نفسه شرارة الحقد والانتقام من أصحاب الطبقة الغنية؟ هل من حق الفقير أن يعتقد أن ما لدى جميع الأغنياء هو ملك للفقير وسلب منه لصالح الغني؟
وهل من حق الغني أن يستوحش الفقير ويعامله معاملة الدونية ويضعه في تصنيف لا يعلو عنه؟

ولماذا لا نسأل أنفسنا ما الهدف الأساسي خلف ذلك التوزيع؟ ألكي نعيش في صراع طبقي دائم وندنو من مرتبة الحيوانات ونتقاتل جميعا، أم الهدف هو أسمى من ذلك، يكمن في اختبار بواطن النفس والقيم المتكسبة من محاربة الإنسان لشهواته، وما مدى التمسك بالمبادئ والأخلاق الحميدة التي يدعي التحلي بها، وأيضا فرصة في أن يعرف الفرد نفسه ويدرك مجال سعيه وينظر في تحركاته اليومية واختياراته اللحظية، هل ستصبح اختيارات لسد فجوة الفقر أو العمل من أجل الحصول على كثير من المال ليزداد غنى ويكون الفرد مجرد ترس في آلة عمل كبيرة.

وبين ذوي الطبقة الفقيرة : ليت الأمر يقتصر على الانغماس في جمع المال؛ فمن الشائع أن يتجه هؤلاء ممن لم يهذبوا أنفسهم، بل وتنازلوا عن مبادئهم لاكتساب الأموال بطرق غير مشروعة بعد إحباطهم وغلبتهم ويأسهم من الوقت وسرعتهم في الغنى بأي وسيلة في أقل وقت، والآفة هنا ليست في شهوة المال فقط، بل في فقد الإنسان لخيرته وتدعيم وتعزيز شره وتمكن غرائزه منه وضعفه أمام العثرات التي كانت بمثابة كشف لحقيقة نفسه التي تتعرى أمامه بمرور المواقف التي تحفز استجاباته الخبيثة؛ فتأسره ذاته تجاه ما يحقق أهواءه فقط، ويكون ذلك هوالحافز لإشباع جميع احتياجاته دون مراعاة لإنسانيته، فهو يسلك سلوك الطاغوت لا يهمه إلى أين وعلى حساب من! ولكن شاغله الأنا دوما.

هل يشعر من غلبته حيوانته بما يفعل؟
المحزن أنه بشكل كبير يشعر ويعطي المبررات لنفسه كي يستكمل ذلك بأريحية، فيبتكر يوميا حيلاً دفاعية جديدة ليستمر فيما بدأ فيه، فمنها أن ذلك من حقه وما يفعله ما هو إلا استرداد لما حاز عليه غيره، ومنها أن هؤلاء سرقوا حقوقه فلماذا لا يسرقهم؟!
يذكرني ذلك بالسارق الذي يسرق من أموال الأغنياء ثم يتقاسمها ويوزعها على أصحاب الطبقة الفقيرة، وأيضا تاجر المخدرات الذي يوزع سمومه لأبناء الطبقة العليا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فهؤلاء تكون دوافعهم الحقيقية ليس كما يزعمون من تسوية للحقوق، بل إخفاء لما في دواخلهم من انتقام وطمع ومشاعر سلبية تجاه تصوراتهم نحو أصحاب الطبقات العليا، وهم أصحاب النفوس الضعيفة الذين تخلوا عن غاية وجودهم، وتجلى سعيهم في تصحيح مسارات ليست من شؤونهم. والمشكلة ليست في سعيهم الخاطئ بل في إدراكهم العبثي؛ لأنهم لو آمنوا بوجود إله عادل موزع للحقوق على أكمل وجه، وأن الإله أعطى الغني لكي يرى ماذا هو فاعل بغناه، وحرم الفقير من المال ووهبه نعماً أخرى كي يسخرها في طرق تعينه على صلاحه، لعلموا أنها مجرد معادلة يمكن الوصول لجذورها من خلال التمعن والتدبر في ذلك التوزيع الطبقي. وأن الرضا مع العمل المثابر هو السبيل للصبر على مشقة الفقر، وأن القناعة مع تيقن عدل الإله هي شفاء للنفس من نيران الغل.

حكمة
“لا الفقر يستطيع إذلال النفوس القوية ولا الثروة تستطيع أن ترفع النفوس الدنيئة”  (فوفنارغ)

# من أجل نفوس قوية
# الفقر لا يعيب إلا النفوس الضعيفة

اقرأ أيضاً:

أخلاق الفرد وتأثيرها على نفسه وعلى مجتمعه – هل الأمر مؤثر فعلاً ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحرية الشخصية بين التحرر والاستعباد.. ماذا يعني أن أكون حراً ؟

سلسة شرح الفلسفة السياسية ( الجزء الأول ) : المقدمة

 

 

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

 

 

خلود أشرف

طالبة بكلية العلوم جامعة القاهرة

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة