مقالاتقضايا شبابية - مقالات

“إن مصر هي أم الدنيا، فهي ذات حضارة تمتد لسبعة آلاف سنة!” – ما الفرق بين الانتماء والتعصب؟

تعلمنا منذ الصغر أهمية الانتماء ، وأن مصر هى أم الدنيا، وأن الانتماء لهذا البلد نعمة عظيمة، وأن حضارتنا هى أم الحضارات وأنها تمتد لسبعة ألاف سنة، وأن أجدادنا كانوا وكانوا…، وأن النيل هو مهد الحضارة ومنبع الحياة وأن مصر هى هبة النيل. وأحسسنا بالفخر والعزة و الانتماء الحسن والجميل. لكن المشكلة أن البعض تمادى في  الفخر حتى وصل إلى حد الغرور والعصبية.

ولكنه ليس الغرور بالأمجاد التى ما نفتئ نصنعها، ولكن غرور من اتخذ الكبر وسيلة ليخفى كسله ويتعذر به عن إخفاقه فى ملاحقة أمجاده وأمجاد أجداده. فاكتفينا بذكر آثارهم ورضينا  بالمدح فى مناقبهم و الانتماء لهم فقط فوصلنا لما نحن عليه اليوم من حال.

صراعات وانقسامات

وعندما دخلنا إلى عصر العولمة وقررنا خوض هذه التجربة مع دول العالم المتقدم (أو هذا ما يدّعونه)، اكتشفنا أن لكل دولة شعبًا يظن أيضا أن بلده هى أم الدنيا وهى أيضا مهد الحضارات ومنبع التاريخ.

فتفاقمت الصراعات عوضًا أن تتضاءل، فتصارع الهندى مع الباكستانى ليثبت كل منهما أحقيته فى الأرض والتاريخ، وما كانا إلا أمة واحدة مشتركة فى كل شىء حتى إنك لترى الآن كيف أنهما متطابقان فى الملبس والمأكل والصفات حتى وإن اختلفت أراضيهم ومعتقداتهم.

ومن ثم تفاخر الأبيض على الأسود بلونه وعلمه، وقررت كتالونيا أنها ليست جزءًا من أسبانيا بعد الآن مع إنهم يتحدثون نفس اللغة ويدرسون فى نفس المدارس ويذهبون إلى نفس دور العبادة، وأصبح لدينا السودان الشمالية والسودان الجنوبية وهَلُمَّ جَرًّا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما من ليس له تاريخ من الدول فقرر فرض سيطرته على الدول التى لها تاريخ، فإما يخضعها لسلطانه وإما يدمرها ويدمر تاريخها عن بكرة أبيها حتى يظفر وحده بالتاريخ والمستقبل معا.

وتعالت الأصوات فهذا يقول نحن معنا الحق المطلق، وهذا يكفر ذاك، ويأتى من أقصى الأرض صوتًا آخر يقول إما معى أو ضدى وكأنه خليفة الله فى الأرض يحكم فيها كيفما يشاء.

وانقسم العالم من جديد بعد أن ظن كلٌّ منا أنه أصبح قرية واحدة مترابطة علميًا وأخلاقيًا وثقافيًا، يحس كل منا بالآخر، ونحترم ثقافات بعضنا البعض ونتقبلها. وأنه إذا ما حدث خطب فى كوريا فى الشرق سيسمع صداه فى أمريكا فى الغرب، وأن سكان أوروبا فى الشمال يتضورون جوعًا لأجل المجاعات التى تحدث فى صحارى إفريقيا فى الجنوب.

ولكن ليس الخيال دائمًا كالواقع، وليس الحلم كالكابوس. فقد استيقظنا على كابوس، واكتشفنا أنه ما التفت أحدٌ لما يحدث لأطفال سوريا وما فرط أحد منا فى وجبة عشائه الدافئة لأجل أطفال الصومال واثيوبيا.

ومنها أدركنا أن هذه القرية الصغيرة ما هى إلا خرائط وحدود رسمت فى قلوبنا قبل أن ترسم على المخطوطات. قسمتنا وفرقتنا إلى أحقاد وضغائن قبل أن تقسمنا إلى شعوب وقبائل، ونسينا أو بالأحرى تناسينا قول الله تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم إن اللّه عليم خبير}. فما كان الغرض من التقسيم إلى شعوب وقبائل إلا لتمام المعرفة وإكمال كل منا احتياجه للآخر وليس الاستيلاء على حق بعضنا البعض.

والآن حقًّا أتساءل أهذا هو الانتماء أم أن هذه عصبية؟!

وإذا ما أقنعت نفسى أنه انتماء للأهل والوطن وحمية للأرض والعرض، فكيف أفسر ما يحدث داخل وطنى وما بين أهلى؟!

كيف أفسر أن الطفل يظن منذ صغره أن نادى الكرة الذى يشجعه هو ملك الدورى ولن يقبل غيره، وأن الشاب يسجن أو يقتل من أجل أنه يظن أن حزبه الذى ينتمى إليه هو أبو الأحزاب وقائدهم وما دونه باطل وما غيره نفاق.

أهذا أيضا انتماء أم عصبية؟!!

ما الحل؟

ليست المسألة فيمن هي أم الدنيا ومن أبوها؛ إن العالم أرض واسعة ونحن مخلوقون فيها ولنا دور في بناء أنفسنا وتشييد المجتمعات والأوطان ولكن بشكل يحفظ للجميع إنسانيته ويحفظ للأرض عمارها ونموها والمحافظة على كل ما فيها من خيرات وثروات باتت للأسف مملوكة لمجموعات صغيرة تتحكم فيها وفي توزيعها السيء على الدول والمجتمعات والأفراد.

وقد يتهمني البعض بالسلبية عندما أقول أن كل الأحزاب عندى سواء فمن عدل منهم فله الحق فى الحكم حتى لو كنا نبغضه ومن جار منهم فعليه جوره حتى وإن تعاطفنا معه. ولكنى أعلم دومًا أنى سأكون متهمة فى أنظار البعض لأنى أتساءل “هل ما نحن فيه الآن انتماء أم عصبية؟”

سأكون متهمة لأنى أؤمن أن الوقت قد آن لنعلم أولادنا –بجانب حب الوطن– حب الشعوب والمجتمعات الأخرى، وطرق التفاعل الحضاري والثقافي والإنساني مع الجميع، منذ صغرهم أن العالم كله هو أرض الله الواسعة، بل ولماذا لا تكون مناهج التاريخ والتربية الوطنية التى كنا ندرسها فى صغارنا يسعها الحديث عن حضارات وتاريخ الأمم الأخرى التى نعيش ونتعايش معهم الآن؟

سأكون متهمة لأنى أطالب كما علمنا أولادنا اللغة العربية وقلنا لهم أنها أعظم اللغات لأنها لغة القرآن وخاصته، يجب أيضًا أن نعلمهم لغات أخرى بها يستطيعون أن يتواصلوا مع الأمم الأخرى..

إن كان سؤالى اتهامًا فليكن، ولكنى سأظل أسأله حتى أجد له من جوابا: “أهو حقًا انتماء أم هى عصبية قبلية؟!

اقرأ أيضًا: العدو واحد .. فمن هو؟ وما سبب تلك العداوة؟ 

اقرأ أيضًا: الكوميديا ودورها في الغزو الثقافي.

اقرأ أيضًا:  أنا مين فيهم.. أفكاري وليدة الظروف والبيئة أم وليدة الوعي والفهم ؟

اقرأ أيضًا:  أين أجد إجابات للأسئلة المصيرية ؟ وكيف يتم التوافق ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

شيماء أمين

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ الإسكندرية