بيئة العمل الإيجابية
عند ملاحظة عدد الساعات اليومية، التي نمضيها في أعمالنا سواء أكانت حكومية أم كانت خاصة، لأدركنا بأننا نمضي عديدًا من الساعات في العمل مقارنة بما نمضيه في بيوتنا من دون احتساب ساعات النوم. لذلك من الضرورة والأهمية وجود بيئة عمل صحية، مغرية وجذابة، يستطيع الموظف فيها مهما كانت وظيفته ومسؤولياته، أن يقدم أفضل ما في وسعه وما لديه من مهارات وخبرات.
وهناك عديد من الأمور يمكن للمسؤولين فعلها لجعل بيئة العمل الخاصة بمؤسساتهم إيجابية وممتعة، ونظيفة ومشرقة وجذابة، يسودها الشعور بالإخلاص والتعاون والعمل الجماعي والفرح بين الموظفين. أهم هذه الأمور هي:
بنـاء الثـقــة
الثقة النقطة الأساسية للعلاقات جميعها، إذ إن بناء مناخ من الثقة يُعد خلق بيئة عمل إيجابية. فعندما تكون الكلمات متطابقة مع السلوك يتحقق بذلك تعزيز الثقة بين المسؤولين وموظفيهم، رغم أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت للموظفين لمعرفة مصداقية مسؤوليهم. فإذا رأوا أن مسؤوليهم ثابتين فسوف تُبنى الثقة، لكن إذا رأوا كلمات مسؤوليهم لا تتطابق مع السلوكيات الخاصة بهم فثقتهم ستُدمر تدريجيًا، وأحيانًا مباشرة من سلوك واحد.
الشيء المؤسف بخصوص الثقة أن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا لبنائها، لكنها هشة جدًا، وتكسر بسهولة ويسر. إعادة بنائها غالبًا تستغرق وقتًا طويلًا لاستعادة الثقة مرة أخرى وأحيانًا لا يمكن إعادة بنائها بالكامل. لذلك، فإنه من الضروري أن يكون المسؤولون على بينة مما يبذلونه كله من الكلمات والسلوكيات حتى يكونوا جديرين بثقة موظفيهم.
التواصـل بإيجابيـة وانفتـاح
من أجل خلق بيئة عمل إيجابية يحتاج الموظفون الشعور بالاحترام بإعطائهم الوقت الكافي في الاستماع والإصغاء لما يقولونه، وتكريمهم إذا تطلب ذلك رغبة في تحفيزهم في إبداء آرائهم والاستفادة منها في تطوير العمل ورقيه. أحد الجوانب المهمة في التواصل علنًا من الالتقاء بالموظفين مناقشة فلسفة الإدارة والقيم والرسالة والأهداف الخاصة بها.
كذلك السؤال عن أفكارهم وآرائهم نحو ذلك، من الممكن خلق فريق أو مجموعة عمل لمناقشة الطرق التي يمكن بها تحقيق التطلعات والنتائج. مشاركة الجميع يجب أن تبنى على أساس أن الجميع متساوون وعلى المستوى نفسه، بدلًا من خلق هرم، بحيث يكون المشرفون والإداريون في الجزء العلوي، والموظفون في الأسفل، لأن كل وظيفة لا تقل أهمية في تحقيق مهمة المؤسسة.
توقـع الأفضـل من الموظفيـن
إذا كان هناك توقعات عالية من الموظفين في أدائهم وقدراتهم، يجب معاملتهم كما لو أنهم قادرون على تحقيق ذلك، لأن ذلك من شأنه أن يشجعهم على هذا النحو، ومن ثم سيرتفعون إلى مستوى الحدث ويكونون ممتازين وأكفاء يستطيعون تحقيق التحديات متى ما منحت لهم الفرصة في ذلك. هنا يجب تواضع المسؤولين والعمل على تحفيز الموظفين، وبذل روح التحدي والمقدرة في التغلب على التحديات.
في حالة استحالة تحقيق ذلك لأي سبب كان لا يمكن الإجهاز عليهم والبدء في لومهم والإساءة إليهم، بل العكس، المسؤولون يجب أن يكونوا متواضعين وصبورين ويمنحون موظفيهم الثقة بأنفسهم لأن من شأن هذا السلوك منح روح الأمل في تجاوز التحديات المستقبلية.
خلـق روح الفريـق
أحد أهم احتياجات الموظفين الأساسية الشعور بالانتماء إلى شيء أكبر من أنفسهم، ويتحقق ذلك من الشعور أنهم جزء من مجموعة عمل داعمة وقوية. المطلوب من المسؤولين –كونه جزءًا مهمًا من عملهم– خلق شعور الفريق الواحد بين موظفيهم الذي يساعدهم على الشعور بالتقدير والانتماء.
نتيجة لذلك فإن أعضاء الفريق جميعهم سيرغبون بتأدية دور مهم وبارز في هذا العمل. أهمية الانتماء والمشاركة بالطبع ستحفز الموظفين على الجدية في العمل على تحقيق الهدف المرتقب منهم، ونتيجة لذلك سيكون التأخر والتغيب ضئيلًا للغاية، وسوف يعمل الفريق بجدية ويسر، ومن ثم تمكين المؤسسة أن تكون قادرة على تنفيذ مهامها وأهدافها بنجاح واقتدار.
استخدام الثناء والتقـدير
توفير التقدير للموظفين مهم جدًا، إذ إن كلمات بسيطة يثني بها المسؤولون على موظفيهم سيكون لها الأثر الكبير من رفع معنوياتهم وتشجيعهم على التميز والإبداع كلٌ في مجاله. ومن المهم ذكر الموظفين بأسمائهم عند تقديرهم أي أن يكون تقديرًا شخصيًا، بدلًا من أن يكون عامًا.
أيضًا من الضروري تحديد الموقف أو العمل الذي أنجزه الموظف. مثال ذلك: “الأخ محمد، شكرًا لك على البقاء في الشركة بالأمس والعمل لساعات إضافية، أنا حقًا أقدر لك ذلك”. إظهار التقدير لمثل هذه الأمور يعد في غاية الأهمية رغم بساطته، لأنه يقطع شوطًا طويلًا نحو جعل الموظفين يشعرون بأنهم جزء من التقدير والاحترام لفريق المؤسسة.
إعطاء مزيد من المصداقية وتحمل المسؤولية
من المهم جدًا دائمًا إعطاء الفضل في نجاح أي عمل للموظفين، وتحمل المسؤولين المسؤولية عندما تكون الأمور ليست كما تجب أو لا تسير على ما يرام. على المسؤولين التأكد من أن الموظفين مدربون تدريبًا جيدًا ويملكون المهارة والقدرة والكفاءة في تقديم أفضل ما لديهم.
وإذا كان هناك سبب ما قد يؤثر على أداء وظائفهم على النحو المتوقع من الكفاءة، عندئذ من مهمة المسؤولين التأكد من تقديمهم مزيدًا من التوجيه والتدريب بحيث يصبح أداء موظفيهم في أفضل حال من الكفاءة رغبة للوصول لأفضل المعايير.
سهولة التواصل مع الآخرين
من الضروري دائمًا سهولة تواصل المسؤولين مع الموظفين والعملاء، وإظهار الرغبة في ذلك بنزولهم إلى ميادين العمل، والتحدث مع الآخرين باختلاف المواقف والظروف وباختلاف مستوياتهم الوظيفية والثقافية.
يجب أن تكون للمسؤولين قابلية الاستماع للموظفين والعملاء والتأكد من سماع ملاحظاتهم وشكاواهم، وإعلامهم النظر في الأمور المطروحة والعمل على حلها بأسرع وقت. النزول إلى ميادين العمل يجب أن يكون مهمة يومية، بقدر المستطاع، مليئة بالود والابتسامة والاهتمام بالآخرين وبما يجري من إنجازات أو ملاحظات. أيضًا، من الأهمية اتباع سياسة الباب المفتوح، إذ يمكن لأي شخص في أي مستوى الحضور والتحدث عند الشعور بالحاجة إلى ذلك.
كذلك من الأفضل في أثناء الحديث مع الآخرين عدم الجلوس خلف المكتب بل الجلوس في الجزء الأمامي من المكتب ومواجهة الآخرين حتى لا يكون هناك أي حاجز في أثناء الحديث معهم، إذ يشير ذلك إلى الاهتمام بهم واحترامهم.
جعل التقييمات للموظفين تجربة إيجابية
العمل على تقييم الموظفين يعد واحدًا من الواجبات المهمة للمسؤولين، لذا ينبغي أن يكون الموظفون على دراية بنتيجة تقييمهم بمقابلتهم، التي يجب أن تكون تجربة إيجابية للموظفين وفرصة طيبة لشكرهم والثناء على روحهم التعاونية وتقدير جهودهم في الأعمال المتميزة، ومشاركتهم في نمو العمل وتطوره بتسخير مواهبهم في خدمة جهة مؤسستهم.
حتى إذا كانت هناك حاجة إلى مناقشة بعض المجالات التي يحتاج الموظفون فيها إلى تحسين، من الممكن عرض هذه النقاط بأسلوب إيجابي عن طريق التركيز على فوائد التحسين ونتائجه على الموظفين والمؤسسة، وتقديم اقتراحات بأسلوب بناء ومشجع.
أحيانًا قد يكون التقييم ذا اتجاهين، أي أنها فرصة للموظفين لتقييم أنفسهم، وكذلك تقييمهم لمسؤوليهم بسؤالهم عن مستوى رضاهم العملي، ولو كان ذلك سؤالًا غير مباشر.
إذًا، خلق بيئة عمل صحية وجذابة من شأنها توفير إحساس المرح والسعادة والراحة للموظفين، ورغبتهم الشغوفة في المجيء إلى المؤسسة والعمل بجد وإخلاص وتسخير كفاءاتهم وخبراتهم كلها للرقي بالمؤسسة لتحقيق أهدافها ورسالتها بأكمل وجه. بالطبع هذا من شأنه التأثير الإيجابي على المصلحة العامة لدولتنا الغالية، إذ إن نجاح مؤسساتها وتفوقها يعني الوصول إلى أعلى القمم عن طريق همة المسؤولين وفرق عملهم، ومن ثم الاستدامة في التفوق والتميز في شتى المجالات والقطاعات.
مقالات ذات صلة:
العلاقة بين السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا