بطل المشهد… كيف يُوجه الإعلام العقل الجمعي؟
الرؤية من خلال نظارة الإعلام
في كل مرة نشاهد فيها فيلمًا، ربما يُقتل أو يُظلم فيه الكثير من الأشخاص العابرين أصحاب الأدوار الهامشية في المشهد التمثيلي، ولكننا لا نحزن عليهم ولا نأسى لفقدهم إلا بشكل عابر؛ لأن المخرج فقط جعلهم مهمشين، بينما أقل ظلم يتعرض له بطل الفيلم يجعلنا نشعر ببالغ الأسى والحزن! وربما ننتهي من مشاهدة الفيلم ونحن نشعر ببالغ السعادة لأن البطل نجا بحياته ووصل إلى ما يريد، بينما ننسى أو نتناسى كل المهمشين الذين ظُلموا أو قُتلوا أثناء العرض!
وبالطريقة ذاتها، تُعرض الأحداث والقضايا في الوسائل الإعلامية، فتُعامل بعض القضايا وكأنها”بطل المشهد” وتندثر بعض القضايا الأخرى كـ “أصحاب الأدوار الهامشية” بغض النظر عن المضمون أو الحدث الذي يلحق بهم جميعًا، ولكن الأضواء قد لا تُلقى إلا على قضايا معينة دون غيرها وتجعلنا نتعاطف معها ونتابع بانتباه ما يحدث فيها! فهل الوسائل الإعلامية تفعل بنا ذلك ونحن ندركه؟ أم أننا مع الوقت صرنا لا نتعاطف إلا مع القضايا المراد لنا أن نتفاعل معها دون غيرها ومن دون وعي!
هذا المقال محاولة لفهم كيف يمكن أن نتفاعل ونتعاطف مع الأحداث بدرجة لا تتناسب مع حجم الأحداث، وكيف قد يوجه الإعلام العقل الجمعي “للجماهير” لتتعاطف مع أحداث وأشخاص، ولا تنتبه لأحداث وأشخاص آخرين يمرون بنفس الظروف.
الإعلام والرأي العام… كيف تتبدل الأدوار!
لا يمكن إنكار أهمية الإعلام والدور الذي يقوم به من جعلنا نخرج من حدود ذواتنا وعائلاتنا ومعارفنا، لنعرف ما يجري ويدور خارجنا، وما يحدث لآخرين لهم عوالم أخرى وكيف يعيشون وكيف يعانون أحيانًا، ولنعيش الكثير من الأحداث البعيدة عنا، ولنُشكل معرفة كلية للعالم الذي نعيش فيه ونعرف ما يدور به، والمفترض أن الإعلام هو “وسيلة” يتم من خلالها إعلام الجماهير بمجريات الأمور والأحداث المحيطة بهم في العالم، فهو وسيلة في يد الرأي العام “الجماهير” ينشرون من خلالها ما يحدث معهم ولهم وما قد يعانون منه، وينشرون آراءهم في ما يعايشونه كل يوم.
تكمن المشكلة عندما تتبدل الأدوار فلا يصبح الإعلام وسيلة للرأي العام للتعبير عن أنفسهم بل يحدث العكس!
المفترض أن يُوجه الرأي العام”الجماهير” الإعلام! ولكن عندما يُوجه الإعلام الرأي العام، نصبح نحن كمشاهدين ومتابعين لوسائل الإعلام “وسيلة” له، فنتعاطف مع ما يتم عرضه بشكل استعراضي لهدف ما ونتجاهل ما هو أهم لأنه ليس له مكان على شاشة العرض!
ففي كل مرة تشاهد نشرات الأخبار والأحداث، اسأل نفسك حتى تتعاطف مع الأمور بالحجم الطبيعي ولا تفقد تفكيرك المنطقي في تحليلها بطريقة موضوعية، هل كان الإعلام وسيلة لنقل الحدث أم أن الحدث قد أصبح “وسيلة” للإعلام؟!
الخبر الوحيد الأوحد:
شاشات العرض ليس لديها غير خبر واحد، تقوم بإذاعته صباح مساء ولمدة أيام وأسابيع أحيانًا، وكأن العالم لم يحدث فيه غير هذا الأمر، تفتح إذاعة ما تجد خبر كذا، تنتقل إلى إذاعة أخرى لتجد نفس الكذا… وطوال اليوم يستمر نفس العرض على أغلب وسائل الإعلام.
وطريقة الخبر الوحيد الأوحد هي من أهم الطرق التي تستخدم لجعل الحدث وسيلة للإعلام، أياًّ كان ما هو الهدف من ذلك ولصالح من هذا الهدف، بينما تُهمش الآلاف من الأحداث التي تحدث في نفس ذات الوقت وقد تبلغ أهميتها مقداراً أكبر من ذلك الحدث الأوحد التي لا تتحدث وسائل الإعلام عن سواه!
قرابين تذكرة اللجوء:
ككل المهمشين الذين تلفظهم أوطانهم فيبحثون عن ملجأ أو أرض لتسعهم بعد أن ضاقت بهم أرضهم، فيطلبون اللجوء لبلد آخر ليَسلموا من الاضطهاد أو القتل المعرضين له، ففي وقتنا الحالي هناك الكثير من اللاجئين والمهمشين والمطاردين في بلادهم، الواقفين على الحدود فلربما تقبلهم بلاد أخرى وربما تزهدهم!
وفي قضايا اللجوء الأخيرة على الساحة نجد تلك الفتاة السعودية التي ذكرت أنها تعرضت للعنف والتهميش من قبل عائلتها ووطنها فطلبت اللجوء لبلد أجنبي، وبالفعل تمت الموافقة على طلبها، وقام مسؤولون من تلك الدولة باستقبالها، وبالطبع قد يحمل ذلك الأمر مقداراً من الإنسانية، بغض النظر عن الظروف والملابسات التي لم تعرض على الشاشات ولا نعرفها.
تكمن المشكلة هنا في تحويل الإعلام لهذا الحدث الوحيد الأوحد “كوسيلة” وتعميم لفكرة كيف تتعامل البلاد الأجنبية مع كل اللاجئيين!
بينما هناك الآلاف من اللاجئين والمهمشين الذين لم تسعهم شاشة العرض ليظهروا بها، وقتلهم البرد على الحدود لأنهم كانوا من أصحاب الأدوار الهامشية بالنسبة لمن يتحكم في العرض!
اقرأ أيضا:
الحقيقة البشعة – هل حقاً الإعلام صادق في نقله لمشاكل وأحداث الواقع ؟
الإعلام وأشباح الكهف ..ماذا يقدم لنا الإعلام ؟ وما دوره في ترسيخ الأفكار والقيم ؟
هاري بوتر والجمل الطيب .. تأثير الإعلام والأضرار التي يقدمها لأطفالنا الصغار