داخل علمي رياضة ولا علمي علوم؟ إيه ده أدبي؟! دي بتاعت حفظ
التطور و العلوم
انه حين نتحدث عن المستقبل سرعان ما يتبادر الى اذهاننا مبان ضخمه وتكنولوجيا عملاقة وتطور رهيب في تكنولوجيا المعلومات، وإذا ما أردنا ان يصبح مستقبل امتنا أكثر تقدما وتطورا فإننا نفكر في كيفية تطوير العلوم التجريبية والتكنولوجية بقدر الامكان ونسعى جاهدين لإدخال ابنائنا في هذه الدائرة حتى يتمكنوا من مسايرة العصر وهذا يظهر بوضوح في اختيار الاباء والابناء للقسم العلمي في الثانوية العامة ليتمكنوا من الوصول الى كليات القمة فهم اصحاب العقول الفذة.
اما الطلاب اصحاب القدرة الضعيفة في الفهم ” كما يقال ” فعليهم اختيار القسم الأدبي، فالعلوم الموجودة في ذلك القسم لا تحتاج الى الكثير من التفكير والفهم فهي تقتصر على “الحفظ ” على حد تعبيرهم.
لماذا اصبحت العلوم التجريبية والمادية “طب، هندسة، كمياء، فيزياء. إلخ “في تلك المكانة والاهمية في حين أن العلوم الانسانية والعقلية “الفلسفة، علم النفس، المنطق، علم الاجتماع، التاريخ. إلخ ” يتم النظر اليها كعلوم هامشية يقوم بدراستها اصحاب العقول الضعيفة.
اعتقد ان الاجابة على هذا السؤال هي “كم سيحصل المفكر او الفيلسوف او عالم الاجتماع من مقابل مادي مقابل فكره؟ وكم سيحصل الفيزيائي او المهندس او الطبيب مقابل عمله او اختراعه؟ ما هي مكانة المفكر او الفيلسوف الاجتماعية في نظرة المجتمع في مقابل الطبيب او المهندس؟
اليس هذا هو المعيار الحالي لقياس اهمية العلم والعمل، فالسؤال الرائج حاليا عندما نقوم بعمل أي شيء او نحاول تعلم أي شيء هو ” ما هو العائد المادي الذي سنجنيه مما نتعلم اومن العمل الذي نقوم به وما هي المكانة الاجتماعية التي سأحصل عليها.
ولكن هل هذا حقا هو معيار ما نتعلمه من علوم؟ وهل العلم حقا مجرد مصدر لجمع المال والحصول على مكانة اجتماعية؟ هل المجتمع لا يحتاج الى العلوم الانسانية والعقلية لان العلوم المادية هي السبيل الوحيد للتقدم والتطور؟
لا يمكننا انكار دور الطبيب الهام في المحافظة على صحة الانسان، ودور الكيمائي في اكتشاف دواء جديد للأمراض المتزايدة باستمرار، ودور المهندس في بناء المبان والكباري والشركات والمصانع بشكل امن يلبى احتياجات كل مستخدم لها ودور العالم في اختراع واكتشاف المزيد من الاختراعات الهامة التي ستساعد في تطور البشرية وراحتها ولكن ماذا سيحدث إذا لم تكن هناك اخلاقيات وقواعد تنظم طريقة عمل الطبيب والكيمائي والمهندس والعالم؟
دور العلوم العقلية والفكرية
ماذا إذا كان تفكير كل منهم ينصب على مصالحهم الشخصية والمادية ومكانتهم الاجتماعية؟ اعتقد ان النتيجة ستكون كارثية وهذا يتضح جليا في معظم مظاهر الحياة العملية كما نرى تقصير العامل في عمله واصحاب الحرف في مختلف المجالات الذين لا يتقنون عملهم والاطباء الذين لا يحترمون الانسان ويتاجرون به كسلعة والمهندسين الغير ملتزمين بالمعايير الضرورية لأمان المنشئات والمبان على سبيل المثال.
هنا يأتي دور العلوم العقلية والانسانية التي تختص بتنظيم علاقات البشر وتحليل سلوكهم وما ينبغي على الانسان ان يفعل في كل مظاهر الحياة وكيفية التمييز بين التفكير الصحيح والتفكير الغير صحيح، ولنتخذ الفلسفة كمثال لهذه العلوم وهذا لأهميتها البالغة في هذا الشأن.
“لقد شاع في عقول العامة أن الفلسفة تعبر عن كل شيء مبهم و غامض مما لا سبيل إلى فهمه و لا جدوى من الاشتغال به, و من هنا فإن العامة عندما يسمعون أحدا يقول كلاما غير مفهوم يعلقون على ذلك بقولهم: إنه يتفلسف.”
الدين والفلسفة والتنوير ص 10
ويشبه البعض عمل الفيلسوف بمن يبحث في حجرة مظلمة عن قطة سوداء لا وجود لها.
والسبب في هذا الخلط هو عدم استخدام الالقيم منطق السليم في البحث وجمع المعلومات وتعريف ماهية الفلسفة الحقيقية والذي ادى بدورة الى حكم غير سليم عليها او كما يقول د/ محمود حمدي زقزوق ان هناك عاملين هم الاساس في هذا الخلط:
-انعدام التحديد الدقيق والرؤية الواضحة الواعية لمفهوم الفلسفة في أذهان الكثيرين.
-الميل الى اصدار الاحكام المطلقة على المذاهب الفلسفية المختلفة وتعميم هذا الحكم على الفلسفة من حيث هي فلسفة.
الدين و الفلسفة و التنوير ص 12.
عندما حاولنا البحث عن تعريف للفلسفة وجدنا عدة تعريفات لها ننقل منها الاتي:
إن المادة الأساسية للفلسفة مادة واسعة ومتشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم وربما بكل جوانب الحياة، ومع ذلك تبقى الفلسفة متفردة عن بقية العلوم والتخصصات.
او كما قال عنها ارسطو انها درس المَبادئ الأولى وتَفْسير المَعْرفة تَفْسيرًا عَقْليًّا. وكانت تشمل العُلوم جميعًا، واقتصرت في هذا العَصْر على المَنْطق والأَخلاق وعِلْم الجمال وما وراء الطَّبيعة.
او في ابسط تعريف لها هي معرفة الموجود بما هو موجود
أقسام الفلسفة
وللفلسفة ثلاثة مباحث:
الأول-مبحث الوجود الذي يهتم بهذه الاسئلة ” من اين وفي اين والى اين.
ثانيا-مبحث المعرفة الذي يهتم بمعرفة هل هناك واقع ام لا وكيف يمكن ادراكه وما هي الادوات التي يمكن من خلالها قراءة الواقع.
مبحث القيم الذي يهتم بسلوك الانسان ويبحث فيما ينبغي ان يكون.
ثالثا – “إن المدينة المعاصرة في اشد الحاجة لدراسة الفلسفة من جديد, فلقد اعطاها العلم المادي قوة الية جبارة، ولدينا كافة الوسائل السلمية السليمة، التي تجعل البشرية اكثر امنا و سلاما، والحياة اكبر سعادة, ولكنا نستخدم امكانيات العلم في الترف المفسد او الحروب المدمرة ، و كلاهما يقضى على المدنية الحقيقية, ويجعل الحياة اشد بؤس و شقاء ، أجل لدينا القوة ولكن تعوزنا الحكمة.
.
وبغير الفلسفة وبغير النظرة الكاملة المتكاملة للحياة التي توحد اهدافنا وتحدد رغباتنا وتضبط اهواءنا، سنبدد تراثنا الاجتماعي، ونسوق أنفسنا بأيدينا الى الانتحار والحروب الأهلية والانهيار الاقتصادي
إن الناس جميعا ينادون بالحرية وتقرير المصير و حقوق الانسان ويحاولون تحقيق ذلك في افكارهم و سلوكهم و حياتهم ، مؤمنين بالضمانات القانونية و المبادئ الدولية , ولكن قلعة الحرية التي يتوهمون انهم حماتها خاوية على عروشها لان حياتهم ليس لها فلسفة و تفكيرهم ليس فيه منطق و سلوكهم ليس له ضابط, ولا سبيل لكل هذا غير الفلسفة ، فهي ستعلمنا السياسة النزيهة ، و نظام الحكم الواقعي ، وصفات الدولة العادلة.
لكي نتقدم فعلا
وعناصر القوة في شخصياتنا كيف ننميها، والحياة الصالحة كيف نحياها ، و القيم الاخلاقية التي تسمو على القيم المادية . تعلمنا كل هذا بفكر رصين، ومنطق سليم، وإشباع وامتاع، وتجعلنا في أخر الامر كاملين، بقدر ما يمكن ان يصل اليه البشر من كمال. جمهورية افلاطون ص 55، مؤلف: نظله الحكيم
وكما يؤكد على شريعتي في كتابه “مسؤولية المثقف” أن التقدم والإنتاج الاقتصادي والحضاري لا بد وأن يسبقه إنتاج متقدم على مستوى الأفكار والثقافة، وهو هنا يجادل تحديدا ضد النزعة الحركية التي تقول إنه قد انتهى وقت الكلام وحان وقت العمل.
فلكي نتقدم لا يمكننا الاعتماد على العلم المادي والتكنولوجيا الحديثة فقط دون الاهتمام اولا بالفكر والقيم والعلوم العقلية والانسانية التي تضبط تفكير الانسان لتجعله منطقيا وتمكنه من تكوين فلسفة شاملة لجميع جوانب الحياة ومن ثم يصبح سلوكه منضبطا واستخدامه لما يملك من موارد وقدرات بشرية واقعي ومثمر.
اقرأ أيضا:
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.
