إدمان الحياة المادية
على الرغم من ذهاب علماء الاجتماع إلى أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه إلا أن علماء النفس يذهبون إلى حاجة الإنسان للاختلاء بنفسه بعض من الوقت كفرصة للتأمل وتجميع شتات نفسه لمواجهة أعباء الحياة وضغوطها التى لا تنتهي، ولكن بعد ظهور وباء كورونا والذي اعتبرته فرصة للإنسان المعاصر لينفصل عن حياته المادية والتقاط أنفاسه، من الواضح أن النمط المادي للحياة أحكم الطوق على رقبة الإنسان فلا يستطيع العيش خارجها.
عندما فرضت الحكومات وبالأخص الغربية إجراءات الحظر على مواطنيها بضرورة التزام المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، وتبع ذلك قفل المتاجر والمطاعم والحانات والنوادي وكل ماله علاقة بالحياة المادية، ونتج عن ذلك تأثر الإنسان النفسي بإصابته بالاكتئاب لمجرد إنفصاله بعض من الوقت عما تعود عليه من نمط حياة معين،
وفوجئنا بمظاهرات عدة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وغيرها من البلدان رافضة لهذه الإجراءات بدعوى أنها حرمتهم من التمتع بالحياة وكأن كفة رفاهتهم وتمتعهم بالحياة رجحت عندهم على كفة سلامة أرواحهم من الهلاك .
إيطاليا مثالا
حدثت مظاهرات في إيطاليا بعد إعادة فرض إجراءات الحظر ومنها إغلاق المطاعم؛ فما كان من الإيطاليين إلا أنهم خرجوا في الشوارع معترضين لأن ذلك يحرمهم من عادة العشاء في المطاعم وهي عادة يحترمونها ويقدسونها ويعتبرونها عادة تشعرهم بالحياة، وهي إحدى طرقهم الخاصة للتمتع بالحياة .
الإنسان ذلك المجهول
ظهرت دراسات عديدة أن الإنسان يصاب بأمراض نفسية كثيرة نتيجة الضغوط الحياتية ومشاكلها وأن العيادات النفسية ممتلئة بالمرضى النفسيين ضحايا الحياة المادية، ولكن عندما اضطرته ظروف الحياة الحالية وانتشار الوباء لأن يمكث في البيت وينعزل عن هذه الحياة والتي هي أصل البلاء حرصًا على سلامته؛
ما كان من الإنسان إلا الضجر والاكتئاب وظهور الاختلافات والعنف الأسري. كل ذلك مصدره الحرمان من الحياة المادية؛ ليكون إنسان هذا الزمان الإنسان المجهول غير المفهوم سلوكه وتصرفاته؛ الذي يحمل كم من التناقضات العصيّة على الفهم والتفسير؛ أسير الحياة المادية أصبح فيه يقود نفسه طوعًا لآسره؛ بل ويضج من أي محاولات لتحريره وإعادته إلى جانبه الإنساني المعنوي.