اهتمامٌ ببناءِ البنيانِ وإهمالُ بناء الإنسانِ
وفي إحدى الليالي العاتية كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكُفَّ عن مضايقتِه، وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تَحْوي خريطةَ العالم، ومزَّقها إلى قطعٍ صغيرة، وقدَّمَها لابنه، وطلب منه إعادةَ تجميعِ الخريطة، ثم عاد لقراءةِ صحيفتِه ظانًا أنّ الطفلَ سيبقى مشغولًا بقيةَ اليومِ،
إلا إنه لم تمر خمسُ عشرةَ دقيقةٍ حتى عاد الابنُ إليه وقد أعاد ترتيبَ الخريطة، فتساءل الأبُ مذهولًا: “هل كانت أمك تعلمُكَ الجغرافيا؟!”، رد الطفل قائلًا: “لا، لكن كانت هناك صورةٌ لإنسانٍ على الوجهِ الآخرِ من الورقة، وعندما أعدتُ بناء الإنسان، أعدتُ بناء العالم”،
هل توجد جريمةٌ أبشعُ من انتهاكِ حُرمات العقل البشري؟
هكذا نشر الكاتبُ البرازيلي الكبير باولو كويلو هذه القصة القصيرة بما تحويه من معانٍ غفِلَ عنها المجتمع إبان تلك المُعتَركات السياسية، فانصَبَّ العالم بأسْرِه نحو تكنولوجيا الحياة محاولًا استبدال الإنسان بقطعٍ حديدية.
وهل توجد جريمةٌ أبشعُ من انتهاكِ حُرمات العقل البشري ووضعه في خانةِ الانتظار التي تودي به في بحرٍ عميقٍ من الدمارِ الداخلي؟ فلا يصحو العالم إلا حينما يُهوَى بهِ في قاع ممرٍ ضيقٍ لا يستطيعُ المرور منه،
آهٍ وألف آه من فلسفيات الإنسان، والخوارزميات غير المنطقية لديه قد أنهكَته فلم يَعُد يُدرك الصواب، ولكنِّي أردت التفكيرَ بصوتٍ عالٍ ونثرَ بعضِ الأسئلةِ على ورقٍ لعلِّي أجدُ خيوطًا تُمَكِّنُني من الوصول..
كيفَ يُهمَلُ بناء الإنسان؟ وما دليلك على هذا؟
ماذا سيحدث إذا أُهمِلَ الإنسان؟
ما الحل المُنقِذُ في حالة تدهور البناءِ البشري؟
تعالَ سنقْتَسم المنطق سويًا وندع العقولَ تتحدث ونُخْرِس تلك الألسِنة اللعينة التي أخذتْنا غدرًا..
اهتم بصلاحي داخليًا لترى مظهرًا مُبهِجًا
-يُهمَلُ الإنسانُ باستبدالهِ وعدم تَطَرُق الهيئات له، فقد توجهنا إلى بناء أعلى البناءات ولكن لم نَتَطَرَّق إلى من يسْكُنُها، أفخمُ المساجد ولم نعتَني بالساجدِ، أجملُ الكنائس وأهمَلنا العابدَ، يا سيدي فكيف ستُصْلِح العبادةَ طالما لم يُصْلَحُ العابدُ؟
أصلحني داخليًا اهتم بمن سيجلس ليس فقط بأين سيجلس، لا أودُ إخبارك بأننا أكبرُ عدوٍ لنا، أتعلم ما المُضحِك في الأمر؟! أننا نريد استبدالِ الإنسان، نريدُ الاستغناءَ عن العقلِ الذي ميَّزَنا به اللهُ سبحانه وتعالى عن باقي المخلوقات، نعم أرى السؤال في عينيك: “ماذا سيحدث نِتَاج ذلك؟”، فقط أعرني مَسْمَعَك واتكئ على جنبيك وأجبني..
ماذا إذا أعددْتَ سيارةً بها كُل مقوماتِ التكنولوجيا ثم وهبتها لأحدٍ لم يَقُدْ سيارةً من قبل؟ جيدٌ جدًا “سيدمِرُها في أولِ مرةٍ يقودُها”، مسرورٌ لأنّك تسيرُ معي على نفسِ الخُطى، كذلك نحنُ مَن نقودُ الحياةَ فإن لم تعتنِ بنا سنُدمِّرُها، سنعبثُ بكلِ ما هو جميلٌ فيقبح، كل ما هو جيدٌ فيردأ، كل ما هو قيمٌ فيبْخَس،
سنعيثُ في الأرضِ فسادًا وذلك بسبب سوءِ الاستخدام، ولا أُخفيك سرًا أن ما يحدث الآن هو من أعراضِ ذلك، ما تراه من انحطاطٍ أخلاقي وترَهُّلٍ في القيم، فقد أشعَلَتْ وسائلُ التواصلِ الاجتماعي شُعْلَةَ الحربِ على الأخلاقِ والمبادئ فقَلَّ المُصلِحون وكَثُرَ المُفْسِدون، ولكن ما الحل؟
قد بات جليًا، أعرْني اهتماما لأُعيرَكَ الصوابَ فيما بعد، ازرع في أرضنا ثمرةً لتقطفها لاحقًا، اهتم بصلاحي داخليًا لترى مظهرًا مُبهِجًا، أصلح النفوس بتحسين المحتوى العلمي والديني وإبداء الاهتمام، وترسيخ المبادئ لدى الشباب لتَشِبَّ على نهجٍ صحيحٍ بدلًا من الضياعِ المُبَكِّر.
اقرأ أيضاً:
ظاهرة التأثير والتأثر في الفكر الإنساني
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.