مقالات

انهيار الاتحاد السوفييتي .. قصة عجيبة

في القرن التاسع عشر تكونت في العالم ثلاث إمبراطوريات وتراجعت إمبراطوريتين، تكونت الإمبراطورية الروسية والبريطانية والفرنسية، بينما تراجعت الإمبراطورية العثمانية والنمساوية.

مع الحرب العالمية الأولى انهارت الإمبراطورية العثمانية والنمساوية، وتحولت كلتا الإمبراطوريتين إلى مجرد دول صغيرة تابعة، واستمرت الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والروسية.

لكن بعد الحرب العالمية الثانية، انهارت الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية وفقدتا مستعمراتهما، بينما استمرت الإمبراطورية الروسية، تحت اسم الاتحاد السوفييتي.

رغم تعرض الإمبراطورية الروسية لكوارث عديدة، منها الحكم الشيوعي والثورة البلشفية (في أول القرن العشرين)، وما يسمى انهيار الاتحاد السوفييتي سنة 1991، فقد استمرت الإمبراطورية الروسية تحكم أكبر مساحة أرض في العالم، ولم تفقد مستعمراتها التي تمتد من المحيط الهادي إلى شمال أوروبا، وتمتد من حدود اليابان والصين إلى حدود بولندا وألمانيا والسويد والنرويج!

لكن لماذا فقدت إنجلترا وفرنسا المستعمرات بينما لم تفقدها روسيا رغم الكوارث الرهيبة؟! وهي كوارث أكبر بكثير من الكوارث أو المشاكل التي أصابت فرنسا وإنجلترا (حتى الآن على الأقل)!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ببساطة بسبب الجغرافيا، لأن مستعمرات فرنسا وإنجلترا منفصلة عن البلد المستعمر بكثير من البحار والموانع الجغرافية، بينما مستعمرات روسيا في الشرق (شمال ووسط وشرق آسيا) متصلة جغرافيًا بالبلد المحتل (روسيا) التي تقع في شرق أوروبا، تربطها طرق برية وقطارات واتصال جغرافي يسمح للجيوش والسكان بالتحرك بسهولة عبر السهول والوديان دون موانع جغرافية صعبة.

سر قوة روسيا كما يقول بعض المؤرخين أن الشعب الروسي يقدم نفسه على أنه أوروبي في آسيا وآسيوي في أوروبا، أنه يقدم نفسه على أنه ثقافة خليط تجمع بين تراث الشرق وثقافته مثل التتار ووسط آسيا، وبين الغرب مثل ثقافة الكنيسة البيزنطية ووسط أوروبا.

هذه طبعًا نقطة قوة لأي شعب، أن يجمع بين ثقافات وحضارات متعددة، يأخذ منها ويبدع، تمامًا كما أبدع العالم الإسلامي والحضارة الإسلامية بالجمع بين عدة حضارات سابقة، مثل حضارات الفرس والهند والروم واليونان وما بين النهرين والفراعنة، ثم قام بتطوير حضارة متميزة تربط الشرق بالغرب.

قصة انهيار الاتحاد السوفييتي قصة عجيبة، كيف تنهار دولة عظمى وتتفكك في بضعة أشهر؟! بعد كل هذه السيطرة والقوة والسلاح النووي، والتقدم العلمي والعلماء والتنافس مع أمريكا والغرب، والسيطرة على مساحة كبيرة من الأرض والثروات وتحالفات ودول تابعة، وشعارات الاشتراكية والشيوعية التي تبعها ملايين حول العالم من المنبهرين بالاتحاد السوفييتي وقوته!

كيف ينهار كل هذا في بضعة أشهر؟ كانت مفاجأة لأغلب الناس حول العالم في سنة 1991، كيف تحولت دولة عظمى إلى دولة فاشلة ومجاعة وفقر في بضعة أشهر؟!

يقول أحد المؤرخين الروس، أنه عرف أن الاتحاد السوفييتي سوف ينهار –بل تأكد من هذا– قبل الانهيار بست سنوات سنة 1985! كيف؟!

يقول أنه ذهب إلى السينما في موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي لمشاهدة فيلم أمريكي، فيلم روكي 4، في هذا الفيلم كان البطل الملاكم الأمريكي ينافس ملاكمًا آخر من روسيا، في الفيلم الأمريكي طبعًا ينتصر الملاكم الأمريكي في النهاية على الملاكم الروسي (السوفييتي).

ما لفت نظر المؤرخ أن الشباب الروس الذين كانوا يشاهدون الفيلم كانوا يشجعون ويتعاطفون مع الملاكم الأمريكي ضد الملاكم الروسي! تأثروا بالفيلم لدرجة أنهم يشجعون العدو أن ينتصر عليهم!

هنا عرف أن هؤلاء الشباب، جيل المستقبل قد مُسِحت هويتهم وعقولهم ليتحولوا إلى تابعين للعدو، بلا ثمن ولا مقابل، يتنافسون على شراء بنطلون جينز أمريكي قبيح، ويشترون وجبة هامبرجر طعمها رديء من مكدونالدز!

هنا عرف أن أمريكا قد انتصرت في الحرب الباردة على روسيا، بالدعاية وغسيل العقول والإعلام، رغم ثروات روسيا، واتساع مساحتها، وقوة جيشها واقتصادها وتقدمها العلمي.

فعلًا بعدها بست سنوات تحولت روسيا (الاتحاد السوفييتي) إلى بلد فاشل يعاني شعبه الجوع والفقر، ويعيش على المساعدات والديون، وأصبح علماء روسيا يبحثون عن عمل في مؤسسات غرب أوروبا وأمريكا.

استمر الحال هكذا لما يقرب من عشرين سنة، إلى أن جاء حكم بوتين الذي يحاول اليوم استعادة مكانة الإمبراطورية الروسية ولا نعلم هل سينجح أم لا!

كذلك حين ترى الشباب العربي والمسلم يتابع بحماس في الأفلام البطل الأمريكي الرائع الخارق، يحارب ويقتل المسلمين العرب الإرهابيين المتطرفين، ويصفقون ويتعاطفون مع الأمريكي الطيب الخارق ضد المسلم الشرير!

يجب أن تعرف أن هذا الجيل من الشباب سيكون جيلًا فاشلًا، جيل يسعى ليكون مجرد عبد عند أسياده الأمريكيين، يقلدهم ويسعى لخدمتهم والانبهار بهم، إلى أن تقدم له الصين أو الهند أفلامًا أخرى عن أسياده الجدد!

أفلام السينما الأجنبية في بلادنا تصنع أجيالًا من العبيد، عبيد العقول ومن ثم يتحولون إلى ضحايا لعبودية الأجساد.

البداية تكون بتحرير العقول من العبودية، باستقلال العقول عن الاستعمار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مقالات ذات صلة:

أحداث العدوان

هل تدمر أمريكا الصين كما دمرت أوروبا؟

نحو بناء حضارة عربية جديدة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس