اليوتوبيا، جنة على الأرض، هي خالية من أي عيوب، فهل يمكن تحقيقها؟
اليوتوبيا والمجتمع الفاضل
أبحرت إحدى السفن لاستكشاف العالم الجديد، وفي طريق إبحارها اكتشفت جزيرة نائية لم يكتشفها أحد من قبل! كانت تلك الجزيرة لها نظام خاص حيث تسود المساواة على نطاق واسع بين قاطنيها، لا يوجد غني أو فقير، الكل سواسية. وتلك الجزيرة يحكمها ويقوم على إدارة النظام بها مجموعة من الحكماء يقومون على سن القوانين الصارمة الملزمة للجميع وكل خرق لأي قانون يتم توقيع عقوبات قاسية على فاعله، وفي ظلها كان الجميع سعداء!
تلك كانت يوتوبيا . الجزيرة التي قام عليها الفردوس الأرضي والتي كانت محور كتاب توماس مور الكاتب الإنجليزي الذي عاش في القرن السادس عشر وهو كان أول من صاغ مصطلح اليوتوبيا.
فما هي اليوتوبيا ؟
اليوتوبيا فكرتها الأساسية تقوم على المجتمع المثالي ويعرفها الفيلسوف البولندي ليشك كولاكفسكي بأنها “الحلم الاجتماعي” فهي الجمهورية التي حلم بها أفلاطون ووضع لها التصور الذي تقوم عليه، وفكرتها الضمنية هي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والمتطلع والمدقق في تلك الجملة يجد أن معظم الفساد والخيانة الحادثة في الأمم والحضارات والمسبب الرئيس للتخلف والجهل هو وضع غير المؤهلين لشغل المناصب، و اليوتوبيا هي المدينة الفاضلة التي داعبت وجدان وفكر الفارابي وفكر الكثير من الفلاسفة والأدباء، وفي ذلك يقول أوسكار وايلد “أي خريطة للعالم لا تضم (يوتوبيا) لا تستحق مجرد التطلع إليها؛ إذ أنها تغفل البلد الوحيد الذي تستقر فيه الإنسانية دائماً.وعندما تستقر الإنسانية هناك فإنها تنظر خارجاً، وعندما تجد بلدا أفضل تنطلق إليه؛ فالتقدم هو تحقيق اليوتوبيات على أرض الواقع.
فاليوتوبيا والمجتمع المثالي بنظرة واقعية لن يوجد على تلك البسيطة بكامل مثاليتها فالمتتبع لما يحدث من حروب وفتن ومجاعات على مستوى العالم أجمع لن يصدق ولن يقتنع باليوتوبيا والمجتمع المثالي، لكن وجود معيار للمثالية والمجتمع الفاضل يمكن اعتباره مؤشراً ودليلاً نسير على دربه حتى ولو لم نصل إلى المثالية الكاملة، لكن بالسير تجاه هذا المجتمع الفاضل نكون على الدرب الصحيح الذي إن وصلنا إلى جزء منه نكون قد حصلنا على جزء ولو يسير من المثالية، وما لا يدرك جله لا يترك كله.
المجتمع الفاضل
والمجتمع الفاضل هو المجتمع الذي تحترم فيه القيم والأخلاق فالقيم أضحت شيئاً نادر الوجود فنحن نفتقد الكثير من القيم في مجتمعاتنا، فقيمة الأمانة والتي تعني تحكيم الضمير في كل صغيرة وكبيرة من أفعالنا وأقوالنا باتت مفتقدة، فلا أمانة في البيع والشراء ولا أمانة في نقل المعلومات، فها هو الجهاز الإعلامي غارق ليل نهار في أكاذيب يتم تردديها وها هو التدليس والغش في البضائع واختلاق الأزمات لجني الأرباح، وحدث ولا حرج على قيم كثيرة نفتقدها من عدل ورحمة وتكافل، كل ما سبق قيم مفقودة نتمنى أن نستعيدها مرة أخرى، فالإنسان بدون قيم وأخلاق يفتقر إلى جانب هام في حياته وهو الجانب الروحي؛ فالغلو في المادية النفعية تهلك وتدمر الجانب الروحي.
والإنسانية لكي نكون جديرين بها يجب علينا تفعيل العقلانية وتفعيل الأخلاق والقيم، فإن فقدنا أحدهما فقدنا مفهوم الإنسانية ووقعنا في شرك الحيوانية الشهوانية، فالذي يحيك الدسائس والحروب ويهلك الحرث والنسل! هل هذا يمكن أن نسميه إنساناً؟! ففي انتسابه للإنسانية ظلم وغبن لمعنى الإنسانية، وحتى ولو نعتناه بالحيوانية فهو ظلم للحيوان فالحيوانات في الفصيل الواحد لا يطغى بعضه على بعض.
حلم الفضيلة يمكن تحقيقه
الحلم بالفضيلة والمجتمع الفاضل يمكن أن نقترب منه، فكل منا يمكن أن يقيم هذا المجتمع الفاضل في وجدانه، يمكن أن نقيمه في محيطنا الأسري، يمكن أن نكتسب ونستعيد الكثير من القيم المفقودة مرة أخرى في تعاملاتنا مع بعضنا البعض فقيمة حب الخير وفعله والحفاظ على بيئتنا وعلى التخلق بالخلق الحسن… كل ذلك ممكن. فلنبدأ بتحقيق مجتمع فاضل داخل النفس الفردية أولا.
فلنغير أنفسنا أولا لكي نرى التغيير في الخارج فمن يرى الجمال في نفسه سيرى الجمال في كل ما يحيط به، وعندما أتعامل مع الآخر على أنه أنا عندها ستتحقق الفضيلة بيننا، فالأصل البشري واحد، الكل من أصل واحد، قد نختلف وقد تتباين الوجوه لكن الأصل والجوهر واحد فلنتأمل معاملاتنا من هذا المنظور ونعامل الآخرين كما نحب أن يعاملونا، عندها سنقترب من مجتمعنا الفاضل.
اقرأ أيضاً:
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب