مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

الواجب الأخلاقي ودلالاته عند إيمانويل كانط وانعكاساته على الواقع المعيش

بداية فلسفة الأخلاق تبحث فيما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان، فسؤال فيلسوف الأخلاق ما الضوابط والمعايير التي تضبط سلوك الإنسان أخلاقيا؟

الإنسان بما هو كذلك الذي يجمع بين جانبين أحدهما مادي، يحب أن يمارس نشاطاته الحياتية من مأكل ومشرب وملبس وتكاثر وهذه أمور مقومة ورئيسة لحياته.

والجانب الآخر الجانب المعنوي الذي يحلق به في فضاء رحب واسع بعيدا عن نزعاته المادية، عالم يريد من خلاله أن يحقق ذاته يحقق إنسانيته جانب يعلي فيه قيمه الروحية التي تجعله يحيى سعيدا منشرح الصدر متصالحا مع ذاته، بل وينعكس ذلك على تعامله مع محيطه وبيئته التي يعيش فيها.

مفهوم الواجب الأخلاقي عند كانط

ذهب كانط في تعريفه للواجب إلى القول أن الواجب الأخلاقي هو إتيان الفعل الذي يقوم به الإنسان دون انتظار نتائجه، بمعنى ضرورة عدم ربط الفعل بما يترتب عليه من نتائج، نضرب مثالا على ذلك،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الممرضة أو الطبيب الذي يؤدي عمله يؤده على أكمل وجه دون انتظار ثناء من أحد أو شكور، بل لأن الواجب الأخلاقي يحتم عليه فعل ذلك -وهذه عقلانية صارمة سنرى بعد قليل هل تصلح مع مجتمعاتنا التي نحياها؟- ليس هذا وحسب

بل وضع كانط عدة قضايا ينبغي أن يسير عليها الإنسان في أخلاقه أهمها لا بد أن يجيء الفعل الأخلاقي الذي يقوم به الإنسان بوازع من احترام الواجب، ليس هذا فقط بل يتحتم أن تأتي نتائجه متطابقة مع الواجب الأخلاقي.

أضف إلى ذلك تفرقة كانط بين القاعدة والمبدأ، فالقاعدة شخصية نقطة انطلاق ينطلق منها كل واحد نحو غايته وهدفه، أما المبدأ فهو عام مطلق ينبغي أن يلتزم به الجميع في أخلاقهم وفي معاملاتهم وهو احترام الواجب الأخلاقي.

الفارق بين الأفعال المشروطة والأفعال المطلقة عند كانط

الأوامر المشروطة

وعليه يفرق كانط بين الأوامر والأفعال المشروطة والأفعال المطلقة. فالأمر المشروط هو ربط الغاية بالوسيلة، من أراد الغاية أراد الوسيلة، إذا ذاكرت نجحت، إذا أعددت نفسك جيدا لخوض -مثلا الانتخابات- أصبحت سياسيا بارعا، وهو ما يرفضه كانط ربط الفعل بما يترتب عليه من نتائج.

الأوامر المطلقة

أما الأوامر المطلقة فهي التي لا ترتبط بنتيجة الفعل، بل الإنسان يفعل الفعل من أجل احترام مبدأ الواجب، كأن مثلا نقول كن صادقا، كن شجاعا، كن كريما، كن ودودا، من أجل الواجب الأخلاقي يحتم عليك فعل ذلك لا من أجل غاية أو مأرب،

كأن يصادق إنسان إنسانا آخر لا من أجل مصلحة ولا منفعة يجلبها له وإنما يصادقه من أجل الصداقة ذاتها من أجل احترام قيم الصداقة والصديق، لا من أجل منفعة توماس هوبز الفردية، تحقيق المصلحة التي تحقق ما يسمى بالسعادة السلبية مصلحتي قبل كل شيء، ولا من أجل الأنانية المسرفة.

ولا حتى من أجل ذوبان الفرد في المجموع من خلال ما يسمى بالمنفعة العامة عند جيرمي بنثام أو جون ستيوارت مل اللذين أرادا إخضاع الفعل الأخلاقي وإقامته على أسس تجريبية.

القواعد التي وضعها كانط لإقامة مذهبه الأخلاقي

إذن فلسفة كانط الأخلاقية تقوم على الأوامر المطلقة وليست المشروطة، لكن ما هي القواعد التي وضعها لإقامة مذهبه الأخلاقي؟

القاعدة الأولى/ قاعدة الغائية:

اعمل أو افعل الفعل بحيث تعامل الإنسانية ممثلة في شخصك أو أي شخص آخر كغاية لا مجرد وسيلة وهو بذلك يرفض فكرة الغاية تبرر الوسيلة.

القاعدة الثانية/ قاعدة التعميم:

افعل بحيث يكون في استطاعتك أن تجعل من قاعدة تصرفك قانونا عاما يشمل الطبيعة. وهذا يقودنا إلى سؤال مهم هل يستطيع أن يفعل الإنسان ذلك؟ وهل سيلتزم الجميع حتى وإن التزمت أنت؟

القاعدة الثالثة/ قاعدة الحرية:

اعمل بحيث تكون إرادتك بمثابة مشرع يسن للناس قانونا عاما. وتنص هذه القاعدة على ضرورة خضوع الإنسان للقانون العام المطلق، قانون الأخلاق واحترام الواجب، لكن هل نستطيع أن نحقق ذلك؟

هل يستطيع الإنسان التحرر من جانبه المادي؟

تلك هي عقلانية كانط الصارمة في إقامة وبناء صرح الأخلاق بناء عقليا صرفا. لكن هل الإنسان بما هو كذلك يستطيع أن يخضع لهذا الجفاء العقلي؟ هل يستطيع أن يتحرر بكليته من جانبه المادي؟ هل يستطيع أن يتخلى عن أنانيته بالكلية من أجل الآخر؟

هل يستطيع أن يحيى تحت قانون أخلاقي صارم يفرض عليه ضوابط وقيودا تجعله جامدا متحجرا؟ من منا لا يريد أن يُثنى عليه أو يُذكر بالخير والثناء إذا قام بعمل ما يستحق عليه المدح والثناء؟

يا سادتي وسيداتي تلك هي طبيعة الإنسان، يحب أن يشار إليه بالبنان، يحب أن يحمد ويذكر بل ويخلد ذكره في الآخرين.

أري الصواب هو أن نعمل بوازع من احترام الواجب نعم ونحمد ذلك، لكن في نفس الوقت إذا قُدم لنا ثناء أو تقاضينا أجرا عما نقوم به حتى لو بالكلمة الطيبة نقبل ذلك، بل الثواب والمكافأة تجعلنا نستزيد من فعل الخير ونحترم الواجب الأخلاقي بل ونتمادى في احترامه.

وكما ذكرت سابقا وسأذكر أن الإنسان خيّر بطبيعته يقدم على فعل الخير طواعية وبمحض إرادته، لكن عليه أن يكون في المنتصف لا يميل بالكلية إلى ماديته، ولا يميل بالكلية إلى روحانيته، وإنما يحاول قدر استطاعته أن يوفق بين هذين الجانبين عند طريق الوسط المحمود.

اقرأ أيضاً:

الأخلاق ومتغيرات العصر

لا تشرق شمس حضارة إلا بالأخلاق

كيف تنشأ الأخلاق؟ وكيف يمكن للإنسان أن يحقق كمالاته الروحية؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. عادل خلف عبد العزيز

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان