قضايا شبابية - مقالاتمقالات

أنا مش عارفني .. أنا تهت مني

تخيل لو أنك أخذت عيون أجمل فتاة في مصر، ووضعت معها أنف أجمل فتاة في أمريكا، ومعها فم أجمل فتاة في الصين، ومعها خدود أجمل فتاة في إفريقيا، ماذا ستكون النتيجة؟ وجه مشوه قبيح، وليس وجهًا جميلًا، لماذا؟ لأن التناسق هو سر الجمال.

التناسق وجود فكرة أو رابط بين الأشياء، من دونه يتحول الشكل إلى عشوائية وفوضى قبيحة.

العشوائية طريقة حياة المصريين

حين ترى مباني القاهرة، ماذا ترى؟ مبنى عليه كتابة بالعربية، وآخر بالإنجليزية، وثالث بالعامية، ورابع مبنى زجاجي وآخر خشب وآخر حجارة صفراء وأخرى طوب أحمر، خامات محلية أو مستوردة أو مقلدة أو أصلية.

خامس بتصميم يرجع إلى الحضارة الإسلامية، وسادس بتصميم المكعبات الاشتراكية والمساكن الشعبية من الستينيات، وسابع بلا معنى، وثامن عليه زخارف رومانية، وتاسع فرعونية، أو تصميم العصر الاستعماري من القرن الثامن عشر الميلادي، إلخ!

لا ترى أي رابط، مجرد عشوائية في كل شيء، ليس فقط في الأحياء الشعبية التي تعيش في إهمال وقذارة، بل حتى لو كان الشارع مرصوفًا ونظيفًا في ما يسمى أحياء راقية! تظل عشوائية الفكر!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

خليط من كل شيء، جلباب وطرحة وشورت وبنطلون وميني جيب وفستان وعباءة وبدلة و…

خليط من “أوكي” و”إكسكيوز مي” و”باردون” و”ميرسي” و”شكرًا” و”مية مية” و”قشطة عليك فل عليك” و”صباح الكهارب”، إلخ!

أزمة الهوية المصرية

الهوية المصرية

أصبح الشعب المصري لا يعرف لنفسه فنًا ولا لغة ولا معمارًا ولا أفكارًا، شعب تائه.

هذا يفسر لك فوضى وعشوائية التفكير في عقول المصريين اليوم، تجد المصري لا يعرف من هو، حياته كلها خليط من الفوضى، كلمات وصور وألفاظ وأفكار عشوائية متداخلة من كل بلاد العالم!

كل مؤسسة في علم الإدارة لها ثقافة خاصة بها، تكون مثل جبل الجليد، جزء كبير عميق من الأفكار والعادات والتقاليد والقيم، وهذا الجزء غير مكتوب، لكن يظهر منه جزء صغير على السطح، في صورة أفعال وأشياء ملموسة، طريقة ملابس، طريقة معمار، طريقة بناء، طريقة كلام، قيم، أخلاق، اتفاق على ما هو مقبول وغير مقبول، ما هو صحيح أو خطأ! قيم يصنعها الدين، وعادات وتقاليد متوارثة طوال السنين.

في أثناء فترة الاستعمار في القرنين التاسع عشر والعشرين شُوهت الهوية العربية الإسلامية في مصر، الجزء العميق من هوية الشعب المصري، فأصبحنا اليوم نرى في الشارع خليطًا قبيحًا من الملابس والمباني والألفاظ والأفكار، أصبح لدينا شعب بلا شكل ولا لون ولا فكرة تجمعه.

اقرأ أيضاً: هل نحن أسوأ الشعوب؟

المثقف المأجور وأزمة التضليل والانحراف

المضحك أن هذا الشعب التعيس يخرج منه من يسمون أنفسهم مثقفين وطنيين، يتحدثون عن هوية مصرية، أو عن حضارة فرعونية ماتت منذ 2500 سنة، منذ احتلال الرومان، ماتت ونسيها سكان هذه الأرض ولم يتبقَ شيء من أفكارها غير بعض الحجارة والمباني المهدمة! ولم يتبقَ على وجه الأرض أحد من أتباعها، بينما هم أنفسهم لا يعرفون ما معنى هذه الكلمة، كلمة هوية!

هم يرددون هذه الكلمة فقط كي يتم عزل مصر عن المحيط العربي والإسلامي، والحفاظ عليها خادمًا مطيعًا يتسول رضا أوروبا وأمريكا، ينظر بانبهار مثل تابع ذليل لأوروبا، بدلًا من أن يبحث عن القيادة في عالمنا الإسلامي.

هؤلاء الحمقى والمأجورون لا يختلفون كثيرًا عن أدعياء الفينيقية أو البابلية أو الأمازيغية أو النوبية، إلخ من نعرات لا يمكن وصفها إلا بالكوميدية!

أنا مش عارفني

الهوية المصريةشعب ينطبق عليه الأغنية الشعبية المصرية “أنا مش عارفني”، التي يغنيها عبد الباسط حمودة:

أنا مش عارفني.. أنا تهت مني!

أنا مش أنا..

لا دي ملامحي.. ولا شكلي شكلي

ولا ده أنا.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

مقالات ذات صلة:

 الهوية الثقافية في مرآة عمارة الفقراء عند حسن فتحي

الموروث الخطأ بين الهوية والاغتراب

ما هو الوطن؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس