الشظايا الفضائية: كارثة جديدة قادرة على تدمير التكنولوجيا الحديثة!
هل كوكب الأرض على وشك التحول إلى سجن لا يمكن الخروج منه؟!
من ساعة ما بدأ البشر يفكروا ويفهموا ويستوعبوا موقعهم وسط الكون، دايمًا كانت أكبر طموحاتهم إنهم يعرفوا ويشوفوا إيه الموجود هناك بعيد ورا حافة السما والأفق، وعشان نقدر نحقق الحلم دا، كان لازم نوصل لحاجة كنا زمان فاكرينها مستحيلة، الطيران.
لما بدأ عصر جديد مع الأخوين رايت اللي قدروا يوصلوا لأول تجربة طيران ناجحة، فضل الطموح البشري دا ياخدنا لقدام ولفوق بخطوات سريعة جدًا، لحد ما بعدها بكام سنة، أصبح البشر قادرين لأول مرة في التاريخ على الخروج من حدود الكوكب نفسه، بصواريخهم ومكوكاتهم، وأقمارهم الصناعية ومحطاتهم الفضائية.
بس تخيل بقى لو قلتلك إن كل التطور دا دلوقتي في خطر وتحت التهديد، وإننا من الوارد جدًا ندمر عصر الفضاء، ونبوظ على نفسنا أي فرصة للخروج مرة تانية من الكوكب، بسبب الغشومية!
أيوه انت سمعت صح، عشان إحنا جنس غشيم، وقعدنا فترة طويلة بنطلق الصواريخ والمهمات الفضائية بشكل مستمر وغير مدروس، فإحنا للأسف مع كل صاروخ وكل قمر صناعي، وكل جسم عمومًا بنطلقه للفضاء في كل سنة، بنخلق لنفسنا فخ مميت ممكن في أي وقت يوصل لمرحلة يستحيل معاها إنه يخلينا نخرج من كوكبنا تاني.
مش بس كدا، الفخ دا في الواقع ممكن يدمر تكنولوجيا العصر الحديث الخاص بينا، ويرجعنا لورا عشرات السنين، ويخلي العالم يرجع تاني مكان كبير وضخم للغاية بعد ما كان خلاص تحول إلى قرية صغيرة بفضل تطور تكنولوجيا الاتصالات.
لو عايز تعرف إزاي كل دا هيحصل، وإزاي مدار كوكب الأرض هيتحول إلى سجن كبير في المستقبل، حضر كوباية شايك الحلوة بالنعناع، وتعالى معايا أفهمك كل حاجة.
بص يا عم، في البداية كدا، خلينا نتفق على حاجة، إطلاق أي جسم من هنا على الأرض إلى الفضاء حاجة صعبة جدًا، إحنا عشان نقدر نوصل بالصاروخ للفضاء نفسه، في الأول بنحتاج إننا نعمل عملية إطلاق بشكل عمودي من سطح الأرض، زي اللي بتشوفها في المعتاد في عمليات إطلاق الأقمار الصناعية هنا على الأرض.
الصاروخ بيطلع لفوق بسرعة خيالية تحت تأثير قوة دفع الوقود عشان يقدر يتغلب على قوة الجاذبية الأرضية، لحد ما بيوصل لارتفاع معين يقدر بمئات الكيلومترات فوق سطح الأرض، وساعتها بيبتدي يميل مداره بزاوية حادة، ويكمل مساره بنفس السرعة، عشان يدخل في مدار بنسميه في علوم الملاحة الفضائية باسم “مدار الأرض المنخفض” (Low Earth Orbit).
أول بقى ما بنوصل لمدار الأرض المنخفض دا، بيبقى من الصعب جدًا إننا نخرج منه، ودا عشان ساعتها بنكون وصلنا لمرحلة من السقوط الدائم أو السقوط الحر (Free Fall) حوالين الكرة الأرضية.
طب يعني إيه؟!
يعني جسم الصاروخ بيسقط بالعرض نحو الكوكب، واللي بدوره بيكون شكله مدور وكروي، فبناء عليه بيفضل الجسم يسقط سقوط دائم حواليه، وبيفضل مسار سقوطه ينحرف بسبب جاذبية الكوكب، والمسار المنحرف دا هو اللي بيتحول بعد كدا لمدار، يعني المدار دا في الواقع ممكن نتخيله بإن الجسم بيقع من فوق، بس بيقع بالعرض، الجاذبية الأرضية اللي بتشده، بتعادل سرعة سقوطه بعيد عن الكوكب، فبيفضل على ارتفاعه ومبيخرجش منه، لكن بيفضل يدور حوالين الكوكب في حالة السقوط الدائم دي.
طيب تمام، اللي بيحصل بعد كدا زي ما قلنا، إن الأجسام اللي إحنا بنبعتها للفضاء بتفضل محتجزة في المدار الأرضي المنخفض دا، وبتفضل تدور هناك لعشرات ويمكن مئات السنين، لحد ما مقاومة الغلاف الجوي الضعيف جدًا هناك تقدر تشكل طاقة كافية تهدي سرعتها وترجعها تاني للأرض، عشان تتحرق في الغلاف الجوي، والباقي منها يقع على الأرض، دا لو في باقي أصلًا.
طبعًا دا شيء حلو وعظيم بالنسبة للحاجات اللي إحنا أصلًا عايزينها تفضل في الفضاء، زي مثلًا الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية الدولية، هتفضل فوق لعشرات السنين من غير أي مشاكل، بس المشكلة الحقيقية بقى في الأجسام اللي مالهاش لازمة، واللي إحنا مش عايزينها تفضل فوق.
اقرأ أيضاً: النفايات الإلكترونية
زي ما انت عارف، الصواريخ عشان تقدر توصل لمدار الأرض، بتعمل دا على مراحل، يعني الصاروخ بيبقى فيه كذا خزان، بيطلع لحد ما الوقود ينتهي من خزان، بعد كدا ينفصل الخزان دا عن جسم الصاروخ، يستهلك وقود من الخزان التاني لحد ما ينتهي، بعدين ينفصل، وهكذا، لحد ما يوصل لمدار الأرض ويكون استهلك الوقود كله، بس عمرك سألت نفسك الخزانات اللي بتنفصل دي بتروح فين؟
الإجابة يا صديقي إن بعضها بيقع مرة تانية على الأرض في أماكن مدروسة، ومعظمها بيتحرق في الغلاف الجوي أصلًا، لكن جزء منها بيفضل موجود بيدور في المدار الأرضي لسنين طويلة أوي.
لو فكرت في الكلام دا كويس للحظات، هتلاقي معناه إننا نقلنا معظم النفايات والزبالة بتاعت البنية التحتية البشرية المتعلقة بالفضاء، للمدار الأرضي المنخفض دا، عمالين نطلع خزانات وقود ونفايات وحاجات مالهاش لازمة في المدار الأرضي المنخفض حوالين الكوكب، ونسيبها تلف وتدور هناك عادي، وبسبب دا بدأت تحصل كارثة كبيرة جدًا، وكانت غايبة عننا طوال سنين طويلة، ومحدش كان مهتم بيها ولا واخد باله منها إلا مؤخرًا.
الكارثة دي، المقبرة الفضائية اللي المدار الأرضي المنخفض تحول إليها.
اقرأ أيضاً: وكان إيه لازمته نطلع الفضاء؟!
بعد سنين طويلة أوي من رحلات غزو الفضاء، بدأت في الخمسينيات من القرن العشرين ولحد وقتنا هذا، المدار الأرضي لكوكبنا تحول إلى ساحة خردة حرفيًا، من الأجسام المستهلكة والبايظة، سواء كانت صواريخ مستهلكة، أو أقمار صناعية منفجرة ومحطمة، أو أجزاء من صواريخ وخزانات وقود، أو اختبارات للصواريخ العابرة للقارات أو النووية، أو شظايا ناتجة عن انفجارات وتصادمات ما بين الأجسام وبعضها.
كل دا بيسبح في الفضاء حوالين الأرض بسرعات خيالية بتوصل لعشرات الكيلومترات في الثانية الواحدة! يعني أسرع من طلقات الرصاص! تخيل انت!
لو عايز تعرف عدد الأجسام المستهلكة اللي حوالين الكوكب حاليًا بالتقريب، في دراسات مشتركة اتعملت من مؤسسات الأبحاث والملاحة الفضائية الأمريكية والأوروبية والروسية، عرفتنا عدد كبير من الأجسام الموجودة حاليًا في الفضاء، واللي بتغلف الكوكب كله بعاصفة خطيرة من الشظايا، خليني أعدلك الأجسام دي إيه بالترتيب:
- عدد 2.600 قمر صناعي خارج الخدمة أو محطم.
- عدد 10.000 جسم وشظية أكبر من شاشة الكمبيوتر.
- عدد 20.000 جسم في حجم تفاحة طبيعية.
- عدد 500.000 شظية في حجم حباية العنب.
- عدد أكبر من 100.000.000 شظية صغيرة لدرجة لا يمكن تعقبها.
عايزك بس تتخيل إن كل الشظايا دي موجودة دلوقتي في سحابة مميتة بتدور حوالين الكوكب كله، سرعتها تقريبًا 30 ألف كيلومتر في الساعة، يعني سرعة الشظية الواحدة فيها أكبر من سرعة الرصاصة بعشرات المرات، السرعة دي في الواقع لو حبيت أديلك عليها مثال، يكفي بس إني أقولك إن شظية صغيرة بحجم تفاحة، ماشية بالسرعات المدارية العملاقة دي، تقدر إنها تدمر قمر صناعي كامل!
عشان أديك فكرة أكبر عن مدى الكارثة اللي مستنيانا في المستقبل، خلينا نوضح الموضوع مع بعض شوية، إحنا دلوقتي طلّعنا مئات الملايين من الشظايا المميتة دي للمدار الأرضي المنخفض، وفي نفس الوقت، عندنا بنية تحتية يقدر سعرها بمئات المليارات من الدولارات، بتسبح في نفس المدار الأرضي المنخفض دا.
الأجسام الموجودة في البنية التحتية دي بتؤدي وظائف وأعمال بتحدد التكنولوجيا البشرية الحديثة كلها تقريبًا، بدايةً من أقمار الاتصالات أو الإنترنت أو الملاحة والـ(GPS) الخاصة بالطيران التجاري، ولحد أقمار التنبؤ بالطقس، أو أقمار رصد النيازك والمذنبات، أو التليسكوبات البحثية الخاصة بدراسة الفضاء، أو أقمار التنقيب عن المعادن وغيرها.
مئات من الوظائف اللي من غيرها هنرجع للقرون الوسطى حرفيًا من دون أدنى مبالغة! تخيل بقى معايا لما قطعة واحدة من الشظايا تصيب أي واحد من آلاف الأقمار الصناعية اللي موجودة حاليًا، تفتكر إيه اللي هيحصل؟!
اللي هيحصل إنها هتدمره فوريًا!
اقرأ أيضاً: نفس الكلام حصل مع حضارات تانية
على فكرة، يكفي إني أقولك إن 3 أو 4 أقمار صناعية بتتدمر فعلًا بالشكل دا في كل سنة، وحاليًا الرقم دا بيزيد، والمشكلة بقى إن في السنين اللي جاية عدد الأجسام اللي هتُرسل إلى الفضاء هيتضاعف عشرات المرات، سواء بأقمار (Starlink) بتاعت الإنترنت الفضائي التابعة لشركة (Space X)، أو أقمار (Amazon) و(Google) اللي هيطلقوها قريب عشان تنافسها، أو مهمات ناسا اللي جاية للرجوع إلى القمر وغزو المريخ.
الحقيقة إن عدد الأجسام اللي هيتم إرسالها وإبقاءها في الفضاء خلال العشر سنين الجاية، متوقع إنه هيتضاعف تقريبًا 10 مرات، ويمكن أكتر كمان، وكل دا وسط غباء بشري كامل، وعدم دراسة كافية للعواقب أو النتائج اللي ممكن تحصل بسبب إطلاقات فضائية غير مدروسة، أو غير مخطط ليها كويس زي دي، كل واحد بيقولك يا عم مش مشكلة، ما أنا كدا كدا مش هعيش عشان أشوف دا، نسيب الأجيال الجاية تولع بقى.
المرعب إن أسوأ حاجة ممكن تحصل في الفضاء مش سحابات الشظايا المميتة اللي اتكلمنا عليها دي، لأ مش بس كدا، المشكلة والكابوس الحقيقي إن تحصل سلسلة من الانفجارات والتصادمات اللي ممكن تخلق سحابة مميتة من الشظايا تدمر أجسام تانية، فتتكون شظايا جديدة وسحابة جديدة تضاف على السحابة الأصلية، وهكذا، لحد ما تبدأ السحابة تكبر بشكل خيالي، في أوقات قصيرة لا تستوعب، وقبل ما إحنا نقدر ناخد بالنا أصلًا، هنلاقي كل الأجسام الموجودة في مدار الأرض تدمرت تمامًا!
دا غير الخطر الكارثي اللي دا بيشكله على رواد الفضاء اللي على محطة الفضاء الدولية مثلًا، أو أي رواد فضاء في مهمات مستقبلية، ممكن رائد الفضاء في أي لحظة يلاقي نفسه وسط عاصفة شظايا حادة، تقطع جسمه وتدمر معداته في ثواني، ولو شفت فيلم (Gravity) من بطولة ساندرا بولوك وجورج كلوني هتفهم قصدي.
فرص حدوث دا كانت قليلة جدًا زمان، لإن الأجسام الموجودة كانت قليلة، والفضاء واسع جدًا جدًا، لكن باللي إحنا بنعمله دا فإحنا بنقرب المسافات ما بين الأجسام لحدود غير مسبوقة، وبعدم دراسة متأنية كافية، وهو دا الكابوس الحقيقي.
صحيح إن في طرق حاليًا بيدرسوها لإعادة الشظايا والأقمار الصناعية المحطمة دي للأرض، أو حتى إننا نزقها بعيد عن الكوكب، سواء باستعمال أقمار صناعية –تاني– مزودة بحراب وحبال معدنية تقدر تشدها للكوكب مرة تانية، أو عن طريق أجسام كهرومغناطيسية صناعية عملاقة تقدر إنها تتنافر معاها وتزقها للفضاء العميق بعيد عن الكوكب، بس كلها لسه حلول غير متطورة، وبدائية جدًا جدًا في أبحاثها، بشكل لا يتناسب مع مدى التطور العلمي اللي وصلنا له في غزو الفضاء.
الغباء البشري، وجشع الشركات العالمية، وسعيهم ورا الفلوس والتكنولوجيا، وسباق التطور والاتصالات بين الدول العظمي، هيوصل كوكبنا في يومٍ ما إلى نقطة لا عودة، نقطة ربما نكون وصلنا لها بالفعل حسب بعض الإحصائيات، اللي بتؤكد إن بالفعل عدد الأجسام غير المعروفة حاليًا في الفضاء لازم ولا بد هتؤدي إلى كارثة فضائية في العشر سنين المُقبِلة، تقضي على كل أو معظم الأقمار الصناعية التكنولوجية العالمية، وترجع البشر إلى عصور الظلام.
كارثة هترجعنا لورا عشرات السنين، قبل عصر الاتصالات والطيران والملاحة والإنترنت، نقطة لا عودة هتدمر حضارتنا حرفيًا، وتكلف مليارات المليارات من الدولارات اللي ممكن تؤدي إلى انهيار اقتصاد العالم بأكمله، عشان بس تتصلح من جديد، ومش هتشتغل بنفس الكفاءة.
اقرأ أيضاً: الطاقة الكهرونووية بين الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل
عشان كدا لو انت مستقبلًا بتفكر إنك تسجل في مبادرة (Space X) للسفر إلى المريخ، أو بتحلم باليوم اللي هتصبح فيه السياحة الفضائية حقيقة، وإنك تشوف العصر اللي البشر فيه يعملوا فنادق في الفضاء ويسافروا كواكب بعيدة، فكر تاني، لإن الفرصة أكبر من 90% إنك مش هتشوف دا بيحصل أصلًا، عشان التكنولوجيا البشرية بأكملها ممكن بنسبة كبيرة جدًا تتدمر بسبب كارثة لا يمكن التنبؤ بميعاد حدوثها، وصعب جدًا جدًا إيقافها في المرحلة الحالية.
يا ترى المستقبل مخبيلنا إيه، وهل هنقدر نحل المشكلة دي قبل فوات الأوان، ولا ممكن ييجي علينا اليوم اللي نلاقي فيه نفسنا أصبحنا سجناء على الكوكب، وتتدمر فيه كل تقنياتنا الحديثة اللي أصبحنا معتمدين عليها في كل حاجة؟!
الزمن وحده هو القادر على الإجابة.
مصادر:
https://www.nationalgeographic.com/science/article/space-junk
https://www.space.com/most-dangerous-types-space-junk
https://www.reuters.com/lifestyle/science/qa-what-is-space-debris-how-dangerous-is-it-2021-11-16/
https://www.nhm.ac.uk/discover/what-is-space-junk-and-why-is-it-a-problem.html
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا