في القرن اللي فات كله، علماء الفيزياء دايمًا كان بيواجههم واحد من أكبر الألغاز المعروفة للعلم البشري، اللي كتير كانوا بيحاولوا يحلوه بأشكال مختلفة، ولحد النهاردا محدش قدر يوصل لإجابته، يا ترى إيه الرابط والحلقة المفقودة ما بين النسبية وميكانيكا الكم؟
إزاي اتنين من أنجح النظريات الفيزيائية في تاريخ العلم يكونوا بيشتغلوا بالكفاءة دي كل واحدة مع نفسها، بس لما نحاول ندمجهم مع بعض ينهاروا هما الاتنين، ويعجزوا عن وصف شكل الكون الحقيقي اللي إحنا عايشين فيه؟!
هو دا السؤال اللي العلماء على مر تاريخ الفيزياء الحديثة كانوا بيسألوه لنفسهم من دون إجابة مثبتة ومؤكدة، نظريات كتير حاولت تفسر وتربط ما بين الاتنين، بس من غير ما حد يقدر يثبتهم إثبات مؤكد، لكن تخيل لو قلتلك إن في نظرية جديدة لسه منشورة من كام يوم فاتوا، قدرت تقدم حل جديد محدش فكر فيه قبل كدا؟!
حل قدر يدمج ما بين الاتنين دمج عبقري وغير مسبوق، والأهم إن إثباتها سهل جدًا، ومش هيحتاج أكتر من التكنولوجيا اللي موجودة عندنا بالفعل دلوقتي!
النظرية دي يا صديقي بتقولك إن الفضاء في طبيعته مش كمي من الأساس! ومالوش طبيعة كمية إطلاقًا! وإن اللي بيسبب التناقض اللي ما بين الكون على المستوى الذري والمستوى الضخم نوع مذهل من التقلبات الشبيهة بالأمواج، بتحصل في نسيج الفضاء نفسه، وبتتسبب في تغيرات مبهرة وغير متوقعة.
هات كوباية شايك ونعناعك، وتعالى بقى النهاردا أحكيلك عن النظرية الغريبة دي، وإزاي ممكن تكون بداية فتح علمي ضخم هيؤدي لعصر جديد من الفيزياء من دون أي مبالغة.
يلا بينا!
النظرية النسبية لأينشتاين
شوف يا عم، سنة 1915، لما ألبرت أينشتاين نشر لأول مرة نظرية النسبية العامة، المجتمع العلمي تغير تمامًا وبلا رجعة.
الناس اللي كانوا زمان ماشيين ورا قوانين نيوتن الكلاسيكية من دون تفكير، واللي مكانوش فاهمين طريقة عمل الجاذبية بتشتغل إزاي، وكانوا فاكرينها قوة حقيقية زي باقي القوى، بتطلع من الأجسام الضخمة عشان تجذب ليها الأجسام الأصغر منها، محدش منهم كان يتخيل الحل العبقري اللي طرحه أينشتاين، لما قالك إن الجاذبية دي قوة وهمية، بتنشأ من تأثير ثقل الأجسام الضخمة اللي بيؤدي لانحناء نسيج الفضاء نفسه، وبيخلي الأجسام الأصغر تدور في المنطقة المنحنية من الفضاء اللي بتكون محيطة بالأجسام الضخمة، وإن دا اللي بيخلق قوة التجاذب اللي بنشوفها وبنرصدها بعدها!
ولمدة بعد ما نشرت النسبية، أينشتاين حرفيًا كان هو ملك المجتمع العلمي كله، وكان بيُحتفى بيه في كل مكان حرفيًا، وغيرت نظريته العالم كله وكانت الأساس المباشر لتطبيقات علمية جديدة مالهاش عدد ولا حصر.
بس بعدها بمدة صغيرة، ظهر فريق تاني من العلماء، اللي بدأوا يقولوا حاجة تانية مختلفة شوية عن اللي كان بيقوله أينشتاين، وكلامهم عمل ثورة جديدة أكبر بكتير!
اقرأ أيضاً: جسور التواصل بين الفلسفة والكيمياء
نظرية الكم
العلماء دول بدأوا يتكلموا عن حاجة اسمها العالم الذري، وإن المادة في الواقع بتتكون من حاجة اسمها الذرات، وإن جواها إلكترونات وبروتونات ونيوترونات، وإن العالم الذري دا في الواقع عالم عشوائي وغير متوقع، وإن مينفعش نتأكد من الأحداث اللي بتحصل جواه تأكيد كامل، عشان كل حدث وتفاعل هو فقط احتمال غير مؤكد مش أكتر!
الأغرب كمان من كدا، إنهم قالوا إن الجاذبية بتعريفها في النسبية العامة، مش موجودة من الأساس ومالهاش تعريف في العالم الذري، وإن قواعد النسبية اللي بتمشي على أي شيء موجود في الكون الضخم والواسع اللي حوالينا دا كله، مش بتنفع مع العالم الذري، ومنقدرش نطبقها ونستعملها على مستوى الذرات والجسيمات الذرية!
الفرق بين النظرية النسبية ونظرية الكم
ومن هنا بقى، المجتمع العلمي كله اتقسم نصين:
نص بيؤيد ويدرس الفيزياء الكمية اللي بتوصف شكل الكون على المستوى الذري الصغير جدًا، وبتوضح التفاعلات بين الجسيمات الذرية ودون الذرية بتحصل إزاي، وإيه هي طريقة عمل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات والفوتونات وغيرها من الجسيمات.
والنص التاني بيؤيد ويدرس النسبية العامة اللي بتوصف شكل الكون على المستوى الضخم، وبتوضح إزاي الكواكب بتدور حوالين النجوم، وإزاي الجاذبية بتشتغل على المستويات الضخمة جدًا، وبتخلي النجوم تتجمع مع بعضها في عناقيد مجرية كبيرة وضخمة، وإزاي العناقيد المجرية دي هي اللي بتحدد شكل الكون اللي إحنا بنقدر نرصده!
مع تطور العلم ومرور الزمن، النظريتين دول تطوروا وتعمقنا فيهم أكتر، وظهرت من قلب كل واحدة فيهم ظواهر واكتشافات كتير مذهلة، غيرت من فهمنا للعالم تمامًا.
ميكانيكا الكم عرفتنا لأول مرة بظواهر زي التشابك الكمي (Quantum Entanglement) اللي بيربط ما بين الجسيمات دون الذرية فورًا وأسرع من الضوء، وبيخلي أي تغير يحصل لجسيم منهم، يؤثر في التاني فورًا حتى لو على بعد مليارات السنين الضوئية، وكمان التراكب الكمي (Quantum Superposition) اللي بيخلي الأنظمة الذرية موجودة في حالاتها كلها مع بعض في وقت واحد لحد ما يرصدوها عشان تتحول لحالة واحدة بس.
والنسبية عرفتنا بظواهر مذهلة زي الثقوب السوداء اللي بتنشأ من انهيار النجوم الضخمة على نفسها، وزيادة جاذبيتها لمرحلة لا نهائية بتتسبب في تشوه نسيج الفضاء تشوّه لا يسمح حتى بهروب الضوء نفسه، وزي كمان إن التصادمات الضخمة ما بين الأجسام هائلة الحجم الموجودة في الفضاء، زي النجوم النيوترونية والثقوب السوداء، بتتسبب في خلق تأثيرات جذبوية ضخمة جدًا بتنتقل في الفضاء بسرعة الضوء على شكل موجات بتحني نسيج الكون نفسه، اسمها موجات الجاذبية (Gravitational Waves)، وغيرها كتير.
اقرأ أيضأً: التشابك الكمّي: من الفلسفة إلى الفيزياء
لغز الجاذبية
بس رغم الكشوفات العظيمة دي كلها، فضل في لغز واحد مستمر طول السنين والأجيال اللي مرت على العلم من وقتها، اللغز دا هو الجاذبية!
اشمعنى الجاذبية بالذات مالهاش تأثير أو وصف على المستوى الذري؟! وليه القوى الفيزيائية الرئيسية كلها اللي اكتُشف على مر القرون اللي فاتت، اكتُشفت جسيمات دون ذرية بتنقلها، زي التفاعل النووي القوي والضعيف، والقوة الكهرومغناطيسية، ما عدا الجاذبية محدش اكتشفلها أي حاجة خالص؟!
لغز الجاذبية دا بالذات كان السبب في إن النظريتين دول يفضلوا يخالفوا بعض ويناقضوا بعض تمامًا بالشكل دا، وبسببه لحد النهاردا مفيش أي طريقة ممكنة لدمجهم مع بعض عشان نقدر نوصل لمجموعة واحدة وموحدة من القواعد والمعادلات اللي ينفع نطبقها على الكون كله، من أصغر جسيم ذري لأكبر مجرة!
وعلى مر الزمن، خرجت نظريات كتير بتحاول تدمج النظريتين مع بعض، وتوفق القوانين والقواعد المتخالفة دي مع بعضها، عشان تقدر توصل لتفسير وتعريف للجاذبية على المستوى الكمي، ينفع تُطبق على الكون كله، ومن ضمن المحاولات دي كان في نظريات كتير اتكلمنا عنها قبل كدا، زي نظرية الأوتار الفائقة (Superstring Theory)، ونظرية الجاذبية الكمية الحلقية (Loop Quantum Gravity)، وغيرهم كتير، بس محدش قدر أبدًا يثبتهم عمليًا.
نظرية جديدة تربط نظرية الجاذبية لأينشتاين بعالم الكم
بس من كام يوم، ظهرت نظرية جديدة مذهلة، قلبت كل حاجة كنا واخدينها من المسلمات قبل كدا رأسًا على عقب زي ما بيقولوا، وطرحت نظرة جديدة على طريقة عمل الجاذبية على المستوى الكمي، مختلفة تمامًا عن اللي فات كله، وأبسط مما أي حد كان متوقع!
النظرية دي يا سيدي ابتكرها عالم اسمه جوناثان أوبنهايم (Jonathan Oppenheim) من جامعة لندن (UCL)، وسماها اسم غريب وطويل شوية: سماها النظرية ما بعد الكمية للجاذبية الكلاسيكية (postquantum theory of classical gravity).
اللي بتقوله النظرية دي باختصار كان بيتكلم في نقطة محورية، محدش طرحها بالشكل دا قبل كدا.
شوف يا عم، طول القرن اللي فات من ساعة ما وضعوا قوانين النسبية وميكانيكا الكم، المحاولات كلها لتوحيد القوتين دول، كانت بتحاول تعمل حاجة واحدة: إنها تاخد المفهوم اللي بتطرحه النسبية للفضاء، اللي هو “الزمكان أو الـ(Space Time) رباعي الأبعاد، وتجزأه لأجزاء متقطعة وصغيرة اسمها الـكوانتا (Quanta).
طبعًا همه كانوا بيحاولوا يعملوا دا، عشان الفضاء في طبيعته الضخمة وحدة واحدة متصلة وغير مجزأة، أو زي ما بيسموها استمرارية (Continuum)، والاستمرارية دي هي اللي بتسمح بحدوث الأحداث والتفاعلات الديناميكية المستمرة اللي بتحصل في الكون الضخم ما بين النجوم والكواكب، وهي اللي بتحدد طريقة حركة الأجسام والطاقة عبر الكون، خلال منحنيات الفضاء اللي بتتشكل بسبب الجاذبية.
لكن عشان ينفع يتطبق على الفضاء قوانين الفيزياء الكمية، فهو لازم يكون عبارة عن أجزاء صغيرة استاتيكية غير متفاعلة، مبتتحركش ولا بتتغير، ودا كان دايمًا موضع الخلاف.
تعرف على: الكشف الأكثر غرابة في الفيزياء الكمية!
اقتراح مثير من علماء الفيزياء في جامعة لندن
لكن اللي قاله البروفيسور “جوناثان أوبنهايم” بقى، كان مبني على مفهوم مختلف شوية للجاذبية، الراجل دا يا سيدي شايف إنه الجاذبية مش المفروض أصلًا ولا مطلوب منها إنها يبقى ليها طبيعة كمية زي باقي القوى الفيزيائية اللي في الكون!
طب ليه؟!
عشان الجاذبية يا صديقي هي القوة الوحيدة من ضمن القوى الفيزيائية الرئيسية الأربعة اللي بتحدد شكل وهندسة الفضاء نفسه، وشكل الحقول الكمية الموجودة في الكون واللي بتتكلم عنها ميكانيكا الكم بيتحدد بناءً على شكل الفضاء اللي بتحدده الجاذبية.
يعني باختصار، الجاذبية هي الأساس اللي بيتحدد عليه كل حاجة تانية، وبناء عليه هي مش مطلوب ليها إنها تخضع لقوانين الكم خالص، بل بالعكس، وخليني أبسطلك الموضوع أكتر.
إحنا زي ما اتفقنا بنحس بتأثير الجاذبية بسبب كتلة الأجسام الضخمة اللي بتحني الفضاء أو الزمكان نفسه، ودا بردو بيتسبب في تغير مرور الزمن علينا، لإن الزمن نفسه بيتأثر بحقول الجاذبية العالية وبيمضي علينا أبطأ كل ما الجاذبية كانت أعلى.
طبعًا هتسألني إيه علاقة الزمن بالموضوع؟ وهقولك يا صديقي إن الزمن هو المفتاح الخاص بالنظرية أصلًا، ليه؟ عشان بسبب حقول الجاذبية المختلفة الكتير جدًا اللي موجودة في كل منطقة من الكون، فالزمن مش موحد، وبيمشي بشكل مختلف تمامًا بناءً على كل منطقة بيُقاس فيها.
ودا معناه إن النسيج الكوني أو الزمكان، ومن ثم الجاذبية نفسها مالهمش وصف كمي، ولازم يكونوا بيتبعوا المفهوم الكلاسيكي للفيزياء، ودا عشان الاختلافات الموجودة في كل حتة في الفضاء بسبب الجاذبية، بتتسبب في تغيرات في طريقة سريان الزمن، وبتكسر مفهوم الزمن الموحد القابل للتوقع.
يعني من الآخر، الفضاء مينفعش أصلًا يكون كمي، ومينفعش نطبق عليه قواعد الفيزياء الكمية ونجزأه، عشان الجاذبية نفسها مش بتسمح بدا، لإنها بتغير الزمن نفسه ومعدل سريانه من منطقة للتانية.
هل الفضاء عبارة عن محيط من التقلبات الجذبوية العشوائية؟
طب أومال إزاي هنقدر نطبق قواعد الفيزياء الكمية على الفضاء؟!
الإجابة يا صديقي بردو بسيطة، اللي قاله البروفيسور “أوبنهايم” إن بسبب تأثيرات حقول الجاذبية الموجودة حوالين الأجسام الضخمة، فالكون المفروض يكون موجود في كل حتة فيه تقلبات عشوائية في معدل انحناء الفضاء نفسه، وبناءً على وصف النظرية بتاعته، فلو الفضاء في طبيعته غير كمي، وبيتبع المفهوم الكلاسيكي للكون، فالتقلبات دي هتكون حجمها أكبر من حد ومستوى معين، ونقدر نقيسها بسهولة، ولو كان كمي، فالتقلبات دي هتكون أصغر بكتير جدًا من المتوقع، ودا هينفي النظرية تمامًا!
عشان نقدر نتأكد بشكل قاطع، فبعض طلاب الدكتوراه من تلاميذ البروفيسور “أوبنهايم” طرحوا طريقة عبقرية لاختبار مدى صحة النظرية، بإننا نقيس وزن أي مادة معينة باستمرار، ونشوف هل هتحصل فيها تغيرات ولا لأ، على مدى زمني معين، ولو اتغيرت، يبقى النظرية دي صح!
يعني بمعنى أبسط، لو وزن المادة اللي إحنا بنقيسها طلع مش ثابت، وبيتغير بمعدل صغير جدًا جدًا غير ملحوظ بالنسبة للطبيعة، لكن رصدوه باستعمال وسائل القياس المتطورة، فدا هيكون معناه إن مفهوم الجاذبية في نظرية “أوبنهايم” صح، وإن الفضاء في طبيعته فضاء كلاسيكي وليس كمي، وإنه التفاعلات الكمية اللي في شكلها التقليدي بتكون غير قابلة للتوقع أو القياس الدقيق، بتاخد شكل قابل للقياس لما بتحصل على مستوى ضخم، بسبب تفاعلها مع الفضاء أو الزمكان الكلاسيكي اللي وصفه أينشتاين!
هل تم اثبات النظرية ما بعد الكمية للجاذبية؟
ودا لو إنت لسه مش مستوعب، هيكون له تطبيقات مذهلة فعلًا على فهمنا للكون والفضاء، وهيلغي تمامًا الحاجة لإننا يبقى عندنا قوانين كتير توصف الحاجات نفسها على مستويات مختلفة من الوجود، وهيقدر يحل مشكلات محدش كان عارف يحلها قبل كدا، زي ماهية الثقوب السوداء وإيه اللي بيحصل للمعلومات اللي بتبتلعها جواها، وكمان هيحل مشكلات كتير بتواجه العلماء في فهم بداية الكون، وإيه اللي حصل قبل الانفجار الكبير!
طبعًا دلوقتي زي ما إنت متوقع، لسه مش العلماء كلهم مقتنعين بالنظرية دي، وهي حاليًا في مرحلة النقد والمراجعة من الأقران أو الـ(Peer Review)، زي ما بيحصل لأي نظرية علمية جديدة بتقدم طرح مختلف لطبيعة الكون، وفي الفترة الجاية في تجارب كتير هتتعمل عليها لمحاولة إثباتها أو نفيها بطرق مختلفة ومبتكرة.
ولو أثبتوا إنها حقيقية فعلًا، فدا هيكون معناه إن حل اللغز اللي كان بقاله أكتر من 100 سنة بيؤرق العلماء وبيقلق منامهم، طلع أبسط مما الكل كان متوقع، وهيتغير مفهومنا للكون تمامًا!
ولحد ساعتها، هفضل متابع معاكم النظرية وتطوراتها، والتجارب اللي هتتعمل عليها، وهنتكلم عنها كلها في وقتها بإذن الله.
مصادر:
https://journals.aps.org/prx/abstract/10.1103/PhysRevX.13.041040
https://www.space.com/wavy-space-time-theory-quantum-mechanics-general-relativity
https://www.ucl.ac.uk/news/2023/dec/new-theory-seeks-unite-einsteins-gravity-quantum-mechanics
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا