قضايا شبابية - مقالاتمقالات

الموكوسون في الأرض

منشأ لفظ الوكسة

الوكسة لفظ تستخدمه عادة السيدة الوالدة المصرية لتنعت به خلفتها حين تُسبب لها خيبة الأمل وقلة الرجاء، ويعتبر لفظ الوكسة من الانعكاسات التي تؤكد عراقة وأصالة شعبنا الطيب وتمسكه بهويته وثقافته منذ عهد الفراعنة القدماء وإلى الآن،

فهذه الكلمة الدارجة على ألسنتنا هي مصرية قبطية من الفعل “كووس” وتدل على ثلاثة أفعال متلازمة ومتتابعة هم الدفن والتحنيط والتكفين، فعندما يقول لك أحدهم أو أحدهن “اتوكس” فهو يقول لك ادفن نفسك ربما لحماقات ترتكبها تسبب العار.

وكسات الشباب العربي

وما أكثر الوكسات التي نُعاني منها في عصرنا الحالي خصوصًا نحن الشباب العربي، فمع التقدم المادي الذي فرض بالضرورة أفكار مادية تتعلق بالاستهلاك الكثيف في الوقت الذي تراجع فيه الدور المركزي للحكومات العربية في الملف الاقتصادي تاركين الساحة أمام وحوش الرأسمالية بمؤسساتهم العابرة للقارات؛

أصبح الشاب العربي في مواجهة حامية بلا ناصر ولا معين للحصول على أبسط حقوقه في الحياة، الحق في العمل، الحق في السكن، الحق في الزواج، الحق في الحرية والكرامة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

نعم، التحرر من سجن الاتهام بمسمى الوكسة الذي سيجلب لصاحبه أيضًا كرامته كإنسان مُصان، فعندما تستطيع أن يكون لك مسكنك الخاص وعملك الدائم ونصفك الآخر؛ حينها فقط في نظر المعظم في مجتمعنا العربي لن تكون موكوس في الأرض،

وحتى يتحقق ذلك عليك أن تتحمل -يا عزيزي- فكرة أن الحيوان أكثر منك كرامة وسعادة لأنه حُر يسكن أينما شاء ويأكل بمجهوده ويتزوج في أي وقت يريده!

قسوة المناخ المجتمعي

إن هذا المناخ المجتمعي كفيل بأن يفرض على قلب صاحبه الأحزان، هذا الشعور العدمي القاتل الذي تضيق له الصدور وتبكي له العيون، أمر قاسي أن ترى أحلامك المشروعة على بعد أميال وقدماك على حافة البتر، فتسابق الزمان في معركة غير متكافئة، أمر شديد الحزن، وما أقسى الحزن على قلب الإنسان، إنه الجحيم الحقيقي.

أنا أعجز من تقديم خارطة طريق تخلصك من وكساتك وتحقق أحلامك يا عزيزي، فلا في يدي مصباح علاء الدين ولا سلطة إدارة دولة وربما أكون أكثر منك وكسة،

ولكن في يدي قلم، أستطيع أن أنقل به فكرة وفلسفة، أكتب لك خطة لتأنيث وتحييد وكساتك وجعلها بلا تأثير، وأشير إلى أفق جديد لأحلام وسعادات من نوع آخر هي في حيز التنفيذ والتحقق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العدو الحقيقي

إذن؛ فلنقل أن عدونا الحقيقي هو الحزن وليست الوكسات، نعم الوكسات تسبب الحزن ولكن إذا وضعنا حاجز يكسر هذه العلاقة السببية فلن نحزن.

إن الشعور بالحزن ليس شيء ملازم لنا، ليس من ذاتيات تكويننا، إنه ليس في الطبع بل بالوضع، وبالتالي فنحن قادرون على فك الارتباط بيننا وبين الشيء الذي نحزن عليه..

إذا خسر النادي الأهلي على سبيل المثال، هل تحزن البشرية كلها على هذه الخسارة؟ يحزن فقط من يشجع الأهلي لأنه يضعه ضمن مرتبة المحبوبات وقائمة الأولويات، نحن من نضع الأشياء في قلوبنا ونحن من ننزعها، نحن نعيش بها أو بدونها.

قد تجد شخصًا حزينًا على جسده غير المتناسق، وآخر لا يفرق معه أمر مثل هذا، وثالث سعيد بجسده هذا، قد نجد البعض يستغل عيب جسدي في الوصول للنجاح، كممثل كوميدي وزنه زائد أو لاعب كرة قدم نحيف وقصير القامة فيساعده ذلك في خفة الحركة وإبداع المراوغة..

ليس من طبيعتنا أن نحزن

إن الحزن ليس أمر ذاتيا في الإنسان بل عارضا عليه، نحن من نحدد ماهية الأشياء التي تسبب لنا الحزن ولا توجد أمور في ذاتها حزن!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إقطاعي أفنى عمره في جمع الأصول والأموال ثم قامت ثورة لتؤممهم فيحزن بشدة، ممثلة جميلة أفنت عمرها في الاهتمام بمظهرها الجذاب وعندما وصلت لسن الشيخوخة وحاصر العجز ملامحها اكتئبت بشدة، وغيرهم من الذين يحزنون على فقدان الأمور المحببة لقلوبهم، الأمر الذي يقودنا لاستدعاء قاعدة فلسفية هامة مفاداها ألا نتعلق بالأمور الزائلة وإنما نوجه تعلقنا للأمور الثابتة!

إناس نجوا بأنفسهم

الكثير من أبناء جيلنا أحرار بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو المادي، لا يلتفتون لأقوال الخائضين، يتعالون عن الآلام المادية، يتوجهون إلى السعادات الحقيقية، يبحثون ويصيغون ويشتبكون من أجل الحل الجذري الذي يقضي على مشاكلهم من أساسها وليس من أجل حل أناني ينقذهم دون غيرهم،

هم كبار بأخلاقهم وفكرهم ومبادئهم، واثقون من أنفسهم، لا يأنفون من الماديات بل يسعون لها ولكن لسد الرمق وليس للماديات في ذاتها. قلوبهم ليست مع أشخاص أو جمال جسدي أو أموال أو وظائف، لا يضعون قلوبهم في خانة الماديات الضيقة، لا يتعلقون بما هو زائل..

ربما نتعلق بشخص ما لعلمه أو لأخلاقه أو لاحتوائه لنا، ولكن الأحرار قلوبهم مع العلم نفسه والأخلاق نفسها ومصدر العناية والاحتواء نفسه، الإله الحكيم، مطلق القدرة الثابت الذي لا يتغير..

ربما نتعلق بالأموال ظنًا منّا بأنها باب السعادة، ولكن الأحرار أذكياء يتعلقون بالسعادة نفسها ويطرقون أبوابها الأوسع، أحيلكم إلى هذا المثال المروي والذي يرسخ هذه الفكرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 ولكني سعيد بالفعل .. الغاية الحقيقية

اثنان من الصيادين يذهبان كل يوم إلى النهر ليصطادا منه، أحدهم معه سنارة، يذهب كل يوم للنهر يرمي بسنارته ويتأمل، يقرأ أحياناً، يكتب أحياناً، يأخذ معه أسرته أحياناً ليسامرهم، يقابل أصدقاءه عند النهر، وآخر النهار يأخذ السمك الذي اصطاده ويرجع بيته راضيا،

وأما الثاني اشترى شبكة صيد ليؤجر مركب، يدور في النهر بطوله وعرضه ويجتهد جدًا من أجل أكبر كم ممكن من السمك، في احدى المرات قال الثاني للأول “أنت لابد أن تتحرك أكثر من ذلك” فقال له الأول “ماذا أفعل؟” قال له الثاني يجب أن تشتري شبكة وتؤجر مركب لتصطاد سمك أكثر إلى أن تمتلك القدرة لشراء مركب فتوفر أموال الإيجار،

وتجتهد أكثر لتشتري مركب ثاني تُشغل عليه عامل ومع وقت معين يكون عندك أسطول، فقال له الأول “ولماذا أفعل كل ذلك؟”، قال له الثاني “من أجل أن يكون معك أموال كثيرة”، فرد الأول “لماذا؟” قال الثاني “لكي تسعد”، رد الأول ” ولكني سعيد بالفعل”.

إن الغاية الحقيقية هي الثابتة الدائمة الوفيرة المتاحة للجميع، هذا تعريفها وهذا ما يجب أن نبحث عنه، الغاية الحقيقية هي ما يجب أن تكون في ذهننا وتشكل وجداننا، هي ما يجب أن نعتنق وسائلها، سواء كان في علم أو فلسفة أو عمل خيري أو تبني قضية نبيلة أو ممارسة خُلق حميد أو عبودية لإله حكيم، هي طريق السعادة الحقيقي، و الوكسة الحقيقية تكمن في فواتها.

اقرأ أيضا:

المعاناة والألم

هل الحركات الشبابية قادرة على التغيير في المجتمع؟

فتّح عينك تُدرك نفسك

مقالات ذات صلة