الموضة والثوابت وخطورة الموقف
الموضة تعني العرف السائد أو نمطًا من اللباس والأدب، فالموضة مظهر يعبر من خلاله الشخص عن فكرة للظهور بمظهر جيد أو للبروز بين الناس، وهي تُعتبر فنًّا واسعًا من الألبسة من جميع أنواع الأقمشة، وهي تجمع ما بين جميع ثقافات العالم من الشرق إلى الغرب، وهي تعبّر عن الإنسان وطريقة عيش البشر وطريقة لباسهم، وهي تعبير قد يستخدم لوصف أيّ مما يلي:
العمارة، التصميم الداخلي، هندسة المناظر، الفن والحرف، أنواع الملابس والأقمشة، ومستحضرات التجميل، طرق الطبخ، الرقص والموسيقى، طريقة الكلام، الاقتصاد ودراسة الأعمال المالية، الترفيه، الألعاب، الهوايات، الرياضة، التسلية، آداب التعامل، السياسة والإعلام الفلسفة والروحانيات، التكنولوجيا مثل تقنيات البرمجة المختلفة، الفنون والموسيقى. إن تاريخ الموضة يرجع إلى أزمنة موغلة بالقدم وقرون قديمة جدا وغابرة امتدت لحضارات عديدة كالحضارة الآشورية والفرعونية والفينيقية والرومانية، فحينما بدأ اهتمام الإنسان بملبسه بدأ التفكير في الموضة والاهتمام بها، ومن هنا بدأ الاهتمام أيضا بالمعابد وتنسيقها على الموضة، وكانت لكل حضارة موضة وأسلوب خاص بها .
فالحضارة الفينيقية تميزت بإتقانها لصنع الملابس فتاجروا فيها في الكثير من بقاع العالم وذلك في الألف الرابعة ق.م أما الحضارة المصرية فلقد تميزت بالألوان والرسوم سواء على جدران المعابد أو على الملابس، واهتمت المرأة المصرية القديمة كثيرا بجمالها، فلقد كانت تهتم بزيناتها وملابسها كثيرا، وفي أعقاب الثورة الفرنسية تطورت الموضة بشكل كبير فظهرت الفساتين المنفوخة والمزركشة وتطور الفن المعماري كثيرا خصوصا في القصور وليس المعابد كما كان سابقا، واهتمت الحضارة الإغريقية بالنقش على الملابس فتعددت أشكال الملابس، وكانت هذه الرسوم تتحدد وفقا للفئة العمرية أو للانتماء الطبقي أو للمكانة الاجتماعية.(1)
بعد هذا السرد نرصد ما كتبه الدكتور عبد الوهاب المسيرى حول مفهوم الموضة المتعارف عليه ومفهوم آخر للموضة، والتى سوف نأكد عليه في نقاشنا حول هذا الموضوع…
“الموضة كما نعلم نحن عرب الخارج هي اختراع غربي شيطاني، الهدف منه أن نغير ملابسنا وأذواقنا وهويتنا مرتين أو أكثر كل عام، وأن نبدد طاقتنا الإنسانية والروحية والمالية دائما، ولكن في زمان الانتفاضة وفي مكانها تتغير الأمور وتصبح الموضة ليس السعي للحصول على آخر ما اقترحه القرد الأعظم في باريس، وإنما أن تلبس لباسا من صنع المصانع الفلسطينية، وبالتالي تضرب العدو وتساند الصناعة المحلية فيزداد المنتفضون عزة واعتدادًا بالنفس، كما أن اتباع “الموضة الانتفاضية” يعنى أن الجميع سيرتدي الزى نفسه تقريبا فيصعب على العدو أن يميز بين الفلسطنيين، ومن ثم تصبح عملية المطاردة شبه مستحيلة. وهذا يشبه من بعض الوجوه ما حدث في الثورة الجزائرية حين أصبح كل الذكور يسمون محمدًا، وكل الإناث يسمون فاطمة بحيث يغرق العدو في البحر الإنساني” (2)
ونجد أن من أهم أسباب انتشار مفهوم الموضة بالمعنى المتعارف اليوم هو الإعلام حيث يبرز في مقدمة تلك الأسباب وبخاصة النمط المعرف بـ “الإعلام الدعائي” فقد استطاع هذا النمط من الإعلام وبمساعدة أنماط أخرى إعلامية في خلق الاهتزازات القيمية والسلوكية لدى المجتمعات فضلا عن توجيه العقول نحو الموضة، وتبني أسلوب التغيير والتبديل باعتباره “غاية في حد ذاته” مما أدى بدوره إلى فقدان الكثير من الثوابت الوطنية والاجتماعية وكذلك أدى للغزو المباشر في خصوصياتنا الحضارية وما تحمله من قيم واعتقادات.
ويجب أن نفرق هنا بين ما هو ذوقي نسبي وبين ما هو ثابت؛ فالألوان والأشكال والأطعمة ليست هى مشكلتنا ولا موضوع حديثنا؛ ذلك لأن هذه الأمور نسبية بالأساس ولا تندرج تحت الثوابت.
إن ما نؤكد عليه ونحذر منه حيث نعتبره في غاية الخطورة هو ذلك الخلط “المتعمد” بين الثابت والمتغير وما أدى إليه هذا الخلط من تغير ثقافات الشعوب والمجتمعات للأسوء بدلًا من تطور الشعوب لتبدع وفق ما أشار إليه المسيري في كتابه الإنسان والحضارة بـ “موضة الانتفاضة” حيث تصبح روح المحافظة على ثوابتا هي الموضة التى نسعى إليها جميعا.
إن الكلمة والتصرف هو موقف بالغ الخطورة عندما يتعلق الأمر بالمصير والمستقبل.
1- ويكيبيديا
2- الإنسان والحضارة– د. عبد الوهاب المسيرى
اقرأ أيضا:
فراغ القلب – كيف يواجه الصديقان مشاكل الحياة ؟
ما صحة ما توصل إليه داروين في نظرية التطور ؟
الفيسبوك وإخواته – الحرب غير المعلنة بإستخدام وسائل التواصل الإجتماعي