الموروث المقدس _ التساؤلات المحظورة بين التربية والتعليم وتلقين العادات والتقاليد
التساؤلات المحظورة
يبدأ الطفل بالتساؤل لطبيعته الفطرية التي من خلالها يشكل وعيه ومعرفته بما يدور حوله، ليس هذا فقط بل يقلد دون أن يعي ما الصواب أو الخطأ، فمن منا لم يتسأل كثيرًا في صغره إلا أن بعض أولياء الأمور أثناء عملية التربية ينهون أبناءهم عن كثرة السؤال أو يعرضون عليهم المعلومات ناقصة اعتقادًا منهم بأنه لن يفهمها؛ بدلاً من أن يبسط تلك المعلومات،
ونجد كذلك الكثير من الخطوط الحمراء أو التساؤلات المحظورة التي لا يمكن أن يجاب عليها الطفل بل تعد مناطق محظور السؤال عنها كأشياء لها علاقة بالدين والمعتقد، وكان بالإمكان أن يطرحوا شيئًا مناسبًا لفكرهم بدلاً من أن يحجروا عقولهم عن إمكانية التفكير والتساؤل،
لا يعي الوالدان أن هؤلاء الأطفال إنما هم فقط أمانة عندهم لمرحلة مؤقتة حتى النضج، فكان الأجدر بهم أن يمكنوهم من القدرة على التفكير السليم القائم على حقائق وأدلة لا أن يميتوا فيهم أهم شيء، وكان من الأجدر أن يتعرفوا جيدًا على كيفية التربية السليمة فلا يدعوا أبناءهم متاحين للتغيير والتأثر من أي وسط كان سواء كان الشارع أو وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفزيون دون الإشراف والمناقشة والتعريف لما هو صائب فيها مما هو خطأ ووضع بذور التعقل فيهم فلا يصبحوا متاحيين للتأثر من خلال أي شيء، كأن يفعل الطفل سلوكًا ما نقله عن تلك المؤثرات فيعيد الوالدان تصحيح هذا السلوك وتعريفه سبب خطئه.
اتباع القطيع
لم يكن أبدًا الإنسان كالحيوان حتى يتبع القطيع في سلكه مسلك الآخرين دون المعرفة هل هذا الطريق صحيحًا أم خطأ ؟ إنما ميزه الله بإرادته الحرة المختارة لما تريد وفق مجموعة من القوى هي العقلية والعاطفية والشهوية والغضبية.
يحدث لديه التنازع الداخلي بين تلك القوى حين تكون قواه العقلية ضعيفة غير قادرة على كبح جماح الغضب فتصبح كالشياطين، أو الشهوية فتصبح كالحيوانات، أو العاطفية فيتم خداعها كالأطفال، ولكن حين تستقيم قواه العقلية تتمكن من إحداث التناغم بين تلك القوى فلا تتضاد بل تسير جميعها في اتجاه واحد كل منها يكمل الآخر؛
فالغضب يجعله يدافع عن نفسه وحقه ويدفعه لينال ما يرغب فيه والشهوية تدفعه ليحافظ على جنسه من الانقراض أما العاطفية فتجعله يعشق كل كمال و جمال يريد أن يصبح عليه ويتوق إليه، وكلهم يعملون تحت إدارة العقل الذى يميز ما إذا كان الشيء نافع أم ضار، ظن صحيح أم خطأ ، شاء القادر أن يمنحنا قدرة تمكننا من أن نصير أقرب مخلوق له يستقى منه قدر ما اجتهد يمنح أرقى المنازل كل ما تقرب وتجرد إليه .
حمل زائد
لِمَ إذن تغيب قوة العقل والتفكير السليم عن الكثيرين في المجتمع؟! فنجد من يحملون معتقداتهم وتقاليدهم وعاداتهم دون أن يقدموها بدلائل واقعية وإن جرؤ أحد على المساس بها فإنه يخرج عن المألوف الذي يمس القداسة التي ولدوا وهم يجدونها في آبائهم وكأنهم يعيدون تاريخ القدماء،
فلما يدعوهم أنبياء الله للوحدانية والسير على نهج الله الواحد ينهرونهم ويقتلونهم ويقولون إنما نعبد ما كان عليه أباؤنا الأولون ، مهما كانت أفكارهم فاسدة ولا دليل
لصحتها وواقعيتها، كأنهم استأصلوا العقل منذ طفولتهم، يعيشون وفق أفكار ليست لهم ولا يتساءلون إن كانت صحيحة أم لا، فهي تمثل أيضا مجموعة من التساؤلات المحظورة .
الصلاح والتربية
كل ما نحن فيه نتيجة الإهمال الحقيقي لطرق التربية، فمن الطبيعي أن يسعى الإنسان إلى تعلم شيء هو مقبل عليه قبل أن يبدأ فيه، ويظهر هذا بديهيًا فلا أحد يقدم على فعل شيء هو في الأصل لا يعرفه، فأجدر من أي شيء أن نعى كيف نربى أولادنا ونعى جوهر التربية السليمة، قد يتم تناقل كل تلك المعارف تبعًا للأجيال القادمة ولكن إن لم توجد حلقة البداية لن تتكون تلك السلسلة،
فيبدأ الأفراد الواعون بمعنى التربية السليمة وطرقها بإنشاء أسر واعية قائمة على منطق العقل والتفكير السليم فلا تسلم لأى موروث فكرى دون أن تجد الدليل عليه، فنرى الكثير من الاعتقادات والعادات والتقاليد في مجتمعنا إن أعدنا النظر فيها بمنطق العقل لرفضها تمامًا لما فيها من تناقضات أو ظنيات غير يقينيه إنما قامت على آراء بعض الناس وتبعهم البعض الآخر دون أن يعمل عقله ويفكر بما هو كائن وما يجب أن يكون مستندًا على تفكير منطقي، متبعًا أدلة واقعية، فلا ينخدع أو يضيع حياته بسبب فكر لم يكن له صحة ولكنه ورثه دون أي تفكير.
فلا صلاح لمجتمع إن لم يصلح فيه الأفراد؛ فهم وحدة التكوين له كالخلية بالنسبة للجسد، فكونوا حلقات بداية لتلك السلاسل التي تصلح فيصلح بها المجتمع.
اقرأ أيضاً:
تنشئة الأجيال الجديدة وعملية التعليم –المعلم الفاضل يبني إنساناً للمجتمع
لا تتركوني وحيدا – التربية ودورها في إنشاء الطفل تنشئة سليمة وسوية
أختي العزيزة هل أنتِ متأكدة من إتقانك لكيفية التربية السليمة ؟ – قصة عن التربية