أسرة وطفل - مقالاتمقالات

قضية المرأة بين الحقيقة والوهم .. الجزء الثاني

لقد تسببت الحضارة الغربية بدعواتها الغريبة لتحرر المرأة في ضعف وانهيار الكيان الأسري داخل المجتمع، مما تسبب في كثير من المشكلات النفسية والأخلاقية لكل أفراد الأسرة بما فيهم المرأة نفسها.

يمكن القول بصدق أن من أقبح الدعوات للحضارة الغربية المادية يكمن في تضعيف الدور الأمومي –بل ونسيانه أحيانًا كثيرة– في مقابل دعوات إثبات المرأة كيانها الوظيفي.

المرأة يمكن أن تجمع بين دور الأم وبين أن تشارك في الأنشطة الاجتماعية المختلفة، لا أن تتخلى عن دورها أمًا وزوجةً تجمع أفراد العائلة وتراعي شؤونهم المختلفة.

المرأة القدوة للمجتمع الإنساني كله

الأسوة والقدوة هي الاتباع والتأسي في الفكر والسلوك والطريق وفي كل مجالات الحياة.

تعد القدوة من العوامل الأساسية التي لها إسهام في تطوير شخصية الإنسان والارتقاء بها إلى أوج الكمال، ومن الممكن أن تكون عاملًا في انحطاطه إلى أسفل الدرجات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا يقتصر تأثيرها على المستوى الفردي، بل لها دور كبير وهام على المجتمعات البشرية في مجالات الإيمان والأخلاق والسياسة والحياة الزوجية والتربوية والحياة الاجتماعية.

لا أكون مبالغة إن قلت من الصعب جدًا أن نجد إنسانًا لا يعيش الاقتداء والتأسي سواء كان المقتدى به حسنًا أو قبيحًا أخلاقيًا وسلوكيًا، وللأثر الكبير الذي يتركه القدوة على الفرد والمجتمع.

تنفرد قلة من النساء عبر التاريخ الإنساني بالهوية الإنسانية في أبهى صورها وأكثرها اكتمالا.

إذ أصبحن في مقام القدوة للناس جميعًا وليس للنساء فقط، وهو ما يعبر بوضوح عن الهوية الإنسانية للمرأة والتي تتعدى الجنس.

آسيا بنت مزاحم

زوجة فرعون مصر التي تربّى موسى عليه السلام ونشأ زمانًا في بيتها، بعدما ألقته أمه في اليم بوحي من الله تعالى، وقد أحبت موسى عليه السلام وأرادت أن تتخذه ولدًا لها.

عندما بعثه الله سبحانه وتعالى بالرسالة والنبوة آمنت به وصدقت بدعوته على خفيةٍ من فرعون وملئه.

مريم ابنة عمران

السيدة العذراء، مريم بنت عمران هي الصدّيقة التي صدقت بكلمات ربها وكتبه.

التي أحصنت فرجها فكانت الطاهرة العفيفة التي اختارها الله سبحانه وتعالى واصطفاها على نساء العالمين.

خديجة بنت خويلد

أم المؤمنين، وزوجة النبي محمد عليه الصلاة والسلام الأولى التي ظل حبها وذكراها يشغل قلب النبي الكريم حتى وفاته.

كانت زوجة عظيمة وقفت معه في أصعب اللحظات، وأشد المواقف، فأيدته وآزرته ونصرته، وواسته بنفسها ومالها حتى مكن الله لهذا الدين.

فاطمة الزهراء

السيدة فاطمة هي ابنة النبي عليه الصلاة والسلام التي كانت من أحب أبنائه إلى قلبه.

كان يدنيها ويقربها، وكانت أول من يطرق النبي بابها حينما يرجع من سفره فتستقبله وتمسك بيديه وتقبله، ثمّ تجلسه بجانبها، وهو يفعل مثل ذلك عندما تدخل عليه، إذ يمسك بيدها ويقبلها، ثم يجلسها في مجلسه.

زوّجها من ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له سيديّ شباب أهل الجنة وسبطي النبي الكريم الحسن والحسين رضي الله عنهما.

كيف تساهم المرأة في الحياة العامة؟

المرأة والرجلوتتجلى الهوية الإنسانية للمرأة في كونها كائنًا حرًا مختارًا، شأنها شأن الرجل وإن كان لها خصوصيتها الأنثوية.

كذلك فالمرأة كائن منتج وليس استهلاكي، والانتاج لا يعني بالضرورة العمل خارج نطاق الأسرة كما يشاع في الفكر الغربي.

المرأة أيضا شخصية ملتزمة تعي حقوقها وواجباتها، بل إن التزام المرأة يعد من أهم مقومات شخصيتها الإنسانية التي جعلت منها قدوة للعالم أجمع، مثلها مثل كثير من الرجال الذين شكلوا قدوة للعالم أجمع.

يجب على كل منصف أن ينظر نظرة شاملة لقضية المرأة، فالمجتمع الإنساني ليس المرأة وحدها أو الرجل وحده.

المجتمع الحقيقي هو الرجل والمرأة معًا، بالإضافة إلى نوعية العلاقات بينهما وما تفرزه تلك العلاقات من آثار ونتائج على الفرد والمجتمع مجتمعين.

اقرأ أيضاً: الجزء الأول من المقال

تعرف على: أسباب العنف ضد المرأة في المجتمع العربي

اقرأ أيضاً:  اليوم العالمي للمهدور حقهن

المرأة والرجل في المجتمع

تناول قضية المرأة لا يجب النظر إليه بلحاظ المكاسب والخسائر للمرأة باعتبارها فرد، دون النظر للقضية أنها قضية مجتمع فيه المرأة والرجل وما بينهما من ترابط وتكامل على كافة المستويات.

عالم اليوم ينتزع المرأة من الأسرة بوعود زائفة ويفتح المجال للنيل من إنسانيتها وفطرتها السليمة.

هو بذلك يضعف المرأة ويقوض الأسرة ويزعزع أركان المجتمع، فالحضارة التي تتبنى هذا المنطق تؤسس لخلق كارثة من تداعياتها ما نشهده اليوم في عالمنا المعاصر.

معالجة موضوع المرأة يجب أن يكون بنظرة حكيمة وواقعية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة كل من الرجل والمرأة وحاجاتهما معا.

المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة تكمن في المعنويات والكمالات النفسانية والأخلاقية

تستطيع المرأة أن تحتل أعلى المراتب في الجانب المعنوي إن هي أرادت ذلك، لا فرق بينها وبين الرجل من حيث توافر الفرص، بل هي على قدم المساواة في هذا الجانب.

لنا في الخطاب الديني والعقلاني في سيرة المصلحين على مدار التاريخ كثير من الشواهد على مساوة الرجل بالمرأة في توافر فرص الارتقاء المعنوي.

مما لا شك فيه أن ارتقاء أي مجتمع مرتبط ارتباطًا وثيقًا بدرجة رقي كل من الرجل والمرأة على الجانب العملي، المتمثل في الفكر والسلوك ونمط العلاقات، والذي ينعكس بدوره على كل مكونات المجتمع.

يجب على المرأة اليوم أن تنال منزلتها الحقيقية ولا ترضى بما يُفرض عليها من نمط استهلاكي مادي لا يراعي جوانبها المعنوية.

يجب أن لا يطالها أي نوع من أنواع الظلم الواقع عليها باسم الحرية والشعارات الزائفة.

الظلم الذي جعل منها سلعة تتجمل تجملًا عبثيًا خدمة للنمط الاستهلاكي الشهواني، وأثر سلبًا على روحها ومعنوياتها، والذي بدوره انعكس أيضًا على الرجل في دور الزوج وعلى كيان الأسرة كله.

ما هي قيمة المرأة في المجتمع؟

المرأة والرجل

تشكل المرأة نصف المجتمع، وعدم مشاركتها بفعالية في عملية التعليم والتعلم بالشكل الإيجابي يفقد المجتمع كثيرًا من مصادر قوته.

لو وجدت نظرة خاطئة حول المرأة ودورها الحقيقي في المجتمع فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى تأخر ونقصان حركة النهضة بالمجتمع.

لذلك يجب حث المرأة على عمل كل ما هو مفيد لها ولأسرتها ووطنها وفق طبيعتها وخصوصيتها المميزة لها.

هنا يجب التأكيد على دور المرأة داخل كيان الأسرة باعتباره أولوية، لكن في نفس الوقت يمكن للمرأة العاقلة أن تراعي أسرتها بالشكل المطلوب ولا يمنعها ذلك من أداء دورها المجتمعي.

ذلك بخلاف النظرة الغربية التي لا تعطي لكيان الأسرة ودور المرأة المحوري داخلها أي اعتبار حقيقي.

المرأة ودورها المحوري في الأسرة

أتذكر جيدًا مقولة كانت ترددها أمامي جدتي، ألا وهي: “الست تعشش”، والمعنى العميق الذي تعكسه في قدرة المرأة على احتواء المواقف الأسرية العاصفة.

أعني هنا المرأة الحكيمة المكافحة المقدرة لأهمية الحفاظ على كيان أسرتها الصغيرة المتمثلة فى بيتها وأبنائها، وذلك على اختلاف المستويات الاجتماعية، دون إغفال لدورها المحوري في تماسك وبقاء أسرتها.

دور المرأة محوري داخل الأسرة حيث تستطيع أن تكون سببًا في صلاح المجتمع عبر تربية أفراد عقلاء، وعلى درجة من الوعي لبناء مجتمع متسامٍ وإنساني.

الخلاصة

ختامًا نجد أنه يجب على الثقافة الغربية المادية أن تعتذر للمرأة عما شرّعت له من تشريعات وسلوكيات أهانت المرأة وأفقدتها تميزها ومحورية دورها.

أيضًا يجب على الرجل والمرأة في مجتمعنا المعاصر أن يبذلا قصارى جهديهما كي تكون الحياة بينهما قائمة على المودة والرحمة وتبادل الأدوار، بدلا من الصراع غير الواقعي والذي تتحمل سببه الحضارة الغربية وما أنتجته من أفكار حول المرأة والرجل.

إن تحقيق العدالة بين الرجل والمرأة –وليس المساواة– هو المطلب الحقيقي داخل الأسرة وخارجها، والذي سوف يمهد الطريق لحل أغلب المشكلات التي ظهرت في مجتمعاتنا نتيجة الغزو الثقافي.

كذلك يجب حماية دور المرأة زوجة وأمًا ومشاركة بفعالية في المجتمع من كل مظاهر الظلم والتعدي والاستغلال.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا