متى لا تبحث عن الألف جنيه التي فقدتها؟
لو أنك عدت إلى المنزل من الخارج، ثم اكتشفت فقدان مبلغ بسيط من المال وليكن خمس جنيهات، واحتمال أن يكون هذا المال قد ضاع منك أثناء وجودك خارج المنزل هو ٨٥٪ ، ففى الغالب لن تذهب لتبحث عنه، فالفرد سيفضل الراحة بعد عودته للمنزل على البحث عن مبلغ لا يصنع له فارقًا وأيضًا قد لا يجده.
ولكن لو أنك عدت للمنزل واكتشفت فقدان مبلغ كبير من المال، مبلغ يقدر بالآلاف، واحتمال أن يكون هذا المال قد ضاع أثناء وجودك خارج المنزل هو ١٥٪، فإنك ستذهب على الفور للبحث عنه رغم ضعف الاحتمال وأيضًا تعلم أنك قد لا تجده.
إن الدافع للبحث لا يتوقف فقط على درجة ونسبة الاحتمال بل على المحتمل أيضًا وهو ما نبحث عنه أى المال فى المثال السابق، إذًا لمعرفة قوة الدافع للبحث عن أمر ما يجب أن نعتبر قوة المحتمل ونسبة احتمال العثور عليه وتحقيقه لما نرجوه منه.
ماذا لو علمنا أن شخصًا فقد مبلغًا كبيرًا يُقدر بالآلاف واحتمال وجود هذا المبلغ فى مكان ما هو ٨٥٪ وعلمنا أنه اختار ألّا يبحث عن المال ولم يُبال!
بالطبع سيكون تصرفه غير منطقى بالنسبة لنا وقد يُتهم صاحب هذا التصرف بغياب عقله أو أنه يحمل سببًا مُريبًا وستتوالى الأسباب المقترحة لفهم هذا التصرف غير المنطقى لغالبية الناس وغير المتوافق مع طبيعتنا كبشر، وكأفراد نحتاج للمال ونحتاج للحفاظ على ما جمعنا من المال لنيسر به حياتنا وحياة من نحب.
الإنسان كائن باحث عن السعادة والكمال. ولا يوجد إنسان يرغب في النقص؛ بل إن إحساس النقص لدى الإنسان يُولِّد لديه الألم؛ ألم غياب ما يحتاج إليه ليسد نقصه وحاجته ولذا يسعى جاهدًا وبحسب وسعه للبحث عن ما يسد نقصه ويرفع ألمه.
وفى طريق سعى الفرد؛ يتعرض لكثير من المحتملات التى قد تكون هى ما تمنحه السعادة؛ فقد تكون سعادته فى الانشغال الدائم بإشباع جانبه المادى من مأكل ومشرب وملبس وخلافه، أو قد تكون سعادته فى البحث عن السلطة والنفوذ والمال وقد تكون سعادته فى ترك جميل القيم والمبادئ، وقد تكون سعادته فى معرفة حقيقته وحقيقة وجوده، ومعرفة الهدف الحقيقى من وجوده والسعى نحو مصدر وجوده والتقرب منه.
الإنسان كائن يختلف عن غيره من المخلوقات، ولذلك يكون الكمال المنتسب إليه مختلفًا عن الكمال المنتسب إلى باقى المخلوقات؛ فكمال الحيوانات مثلًا يكون بإشباع غرائزها من مأكل ومشرب وتزاوج وبقاء للأقوى بلا قواعد أو قيم تحدد العلاقات بينها. أما الإنسان فإنه يملك قوة العقل التى تُمكنه من أن يتوسع فى معارفه ليصل إلى آفاق لم يكن يتخيلها ،ويستزيد كلما استزاد وسَعَى. وليرى أنه مهما عرف؛ فمعرفته محدودة مقارنة بما لا يعرف ويلمس أن لذة العقل والروح لا تنتهى ولا تُقيد بحدود، على عكس اللذة المادية. وتجعله هذه القوة قادرًا على التمييز بين المحتملات المختلفة، فحتى رغباته الفطرية التى يشعر بحاجته إليها بدون أن يخبره أحد بذلك لا تتحدد بحدود حاجاته الطبيعية كالحيوانات؛ بل فطرته تخبره دومًا أن سعادته فى تحصيل المعرفه والتحلى بفضائل الأخلاق.
وبما أن الإنسان كما ذكرنا يتمتع بفطرة تدفعه نحو المعرفة والبحث عن هدف وجوده الحقيقى، ويتمتع بالعقل الذى لو أصبح مطلعًا على إمكانات الإنسان وكان عالمًا بواقعه وأبعاده وبالكمال الذى يمكنه بلوغه؛ أى لو صُقِل بالمعرفة؛ لتمكن من اختيار الفعل المنشود الذى به يسعد الفرد ويسد حاجته. والفعل الاختيارى هذا لو أدى لفقدان كمال ما للفرد لنأى بالفرد بعيدًا عما يبحث.
إذن يوجد إنسان له جانب مادى وجانب روحى استحق به أن تكون له الأفضلية على كل المخلوقات الأخرى في عالمه؛ فالجماد والنبات والحيوان كل فى خدمته، والجوانب الشهوية والغضبية يوجهها العقل حتى يستقيم أمر الروح وأمر الجسد؛ أى أنه سينال سعادة بإشباع جانبه المادى ولكنه محتمل ضعيف جدًا إذا ما قورن بالجانب الروحى ونسبة احتمال بلوغ الكمال به تكاد تكون منعدمة أمام نسبة احتمال الجانب الروحى.
فالجانب المادى ينبغى أن يكون دافع البحث عنه متناسب مع قوة المحتمل ونسبة الاحتمال، ننال منه القدر الذى يحفظ توازن الجسد ويعينه فى سعيه ولا نتكبد عناء البحث عنه طالما لا نحتاجه فنبتعد عن احتياجنا الحقيقى ويضيع منا محتملًا عظيمًا نسبة احتمال أن يبلغ بنا غايتنا عظيمة، بل هى ليست نسبة احتمال فالأمر مؤكد بالفطرة والعقل
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب
.