مقالاتقضايا شبابية - مقالات

المال .. هل يصلح كغاية؟ وهل يستحق أن نجعله هدفنا الأول؟!

المال والصراع الداخلي!

منذ عدة شهور كنت مع أخي ووالدتي في سفر، وكانت وسيلة السفر هي سيارة والدتي، وكانت المسافة مائة كيلو متر تقريبًا، وفي بداية السفر بعد أن قطعنا مسافة قصيرة في أول الطريق حدث عطل مُفاجئ بسببه لم تستطع السيارة أن تُكمل المسافة بالكامل، لكنها استطاعت أن تقطع القليل منها، ولم نستطع أن نتعامل مع العطل، فسألنا أُناسًا كي نستطيع أن نُصلح العطل، فعرفنا أن هناك قرية قريبة في طريق فرعي، وكانوا يقولون إن بها منْ يقدر على أن يُصلح ذلك العطل، فذهبنا إلى تلك القرية وبحثنا عن الذي يمتهن مهنة (الميكانيكا) إلى أن وجدناه، وفي أثناء إصلاحه ذلك العطل، وبعد أن علمت كم سندفع له مقابل عمله، وجدت أن المبلغ الذي طلبه كان كثيرًا جدًا مقابل ما سيفعله، وأنه ليس من العدل بل من الظلم أن يُطالب به، لكن للأسف الشديد مع علمنا بطبيعة تلك المهنة، ومع اضطرارنا لأننا على سفر، وافقنا على طلبه.

لكني بعد ذلك فكرت كثيرًا لماذا لا أتدرب على تلك المهنة ثم بعد ذلك أمتهنها؟ لأنها تدر مالًا كثيرًا، وفي بضع سنوات قليلة سأصبح ثريًا وأترك الكلية التي أدرس فيها، بغض النظر عن أنه لم يتبق لي غير سنة واحدة على التخرج، ولأن العمل بعد تخرجي ليس بمضمون، بل وحتى إن وجد العمل فلن يدر مالا مثل الذي ستدره تلك المهنة أبدًا، إذًا فلماذا لا أُجرب تلك المهنة؟ لم يكن هناك سبب حقيقي يمنعني من ذلك، فلمَ لا؟ لاسيما أنني سأحصل من خلالها على مال كثير، وهي الغاية التي ربما من أجلها أستيقظ من النوم كل يوم، وهي التي تحركني من مكاني، بل وهي التي من أجلها قد خُلقت، وإن فيها سعادة لنفسي، انشغلت وقتها في السفر ولم أفكر في الأمر مرة ثانية.

ومنذ بضعة أيام تذكرت هذه الحادثة وكيف كانت طريقة تفكيري وقتها، وفكرت مرة ثانية لكن من منظور آخر يتناسب مع العقل السليم، فكرت في أنه هل كان من الممكن فعلا أن أستطيع تحمل تلك المهنة؟ وإن استطعت فكم من الأيام أستطيع أن أتحملها؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لم تأخذ الإجابة مني وقتًا كثيرًا لكي أُجيب عن تلك الأسئلة، بل سريعًا استنتجت أنه من الصعب جدًا علي أن أتحمل تلك المهنة، وإن جاهدت نفسي على تحملها فلن أتحملها أكثر من بضعة أيام عددها لا يتخطى أصابع اليدين، لأن هذه المهنة مثلها مثل المهن الأُخرى، فكل مهنة تتطلب مهارات وإمكانيات وقدرات معينة، تختلف باختلاف المهنة، وهذه المهنة بالتحديد لا أملك المهارات والإمكانيات والقدرات التي تتطلبها، إذًا طريقة تفكيري وقتها كانت خاطئة تمامًا، فليس كل شيء يُقاس بالمال.

قِس على ذلك غالبية الطلاب في مجتمعنا، غايتهم فقط الالتحاق بكلية معينة، لأنها هي التي ستدر مالًا كثيرًا بعد التخرج، بحجة أن الكليات الأُخرى (مش بتأكل عيش)، ليت الأمر يقتصر على أكل العيش! فمعيار المال هو الذي يتحكم هنا، فللأسف الشديد قليلون جدًا هم الذين يفكرون في الالتحاق بالكلية التي تُناسبهم بالفعل، تُناسب مهاراتهم وإمكانياتهم وقدراتهم، بغض النظر عن معيار المال.

ولماذا كان معياري المال من الأساس؟ لكي أمتلك مالًا كثيرًا وأُصبح ثريًا؟ ولماذا أُريد أن أُصبح ثريًا؟ لأنها هي غايتي ومن أجلها خُلقت؟ فما هو دليلي على أن الإنسان خُلق ليسعى خلف المال؟ وهل يصح أن يتخذ الإنسان غاية كالثراء؟ وهل في ذلك سعادة لنفسي؟

في الحقيقة ليس هناك أي دليل عقلي ولا حتى نصي على أن غاية الإنسان في الوجود هي السعي خلف المال، بل إنه من المستحيل أن يكون ذلك هو الغرض من خلقه ووجوده، إذًا ما هي غاية الإنسان من الوجود؟ تحديد غاية الإنسان تبدأ في الأساس من معرفة ما هو الإنسان؟ فيجب أن تعرف نفسك بحق؛ فمعرفة الإنسان لنفسه، هي البداية لكل معرفة حقيقية سليمة.

يُعرَّف الإنسان بأنه حيوان ناطق، فلديه جسد وعقل -يعقل الأشياء ويعبر عنها- إذًا لديه جسد فيشترك في هذا الأمر مع الحيوانات، وعقل وهو ما يُميزه عن الحيوانات، وسعي الإنسان كله في الدنيا يقتصر على تلبية احتياجاته، فيعمل على سد كل نواقصه، وبما أن لديه جسد وعقل، فلكل منهما احتياجات، فالجسد كل احتياجاته تكمن في الاحتياجات المادية، والاحتياجات المادية تعتمد بشكل أساسي على المال لكي تسد ما ينقصك في هذا الجانب، لكن لا تنس بأي حال من الأحوال أن هذا الجانب ليس ما يُميزك كإنسان، إذًا تلبية احتياجاتك المادية مطلوبة، لكنها ليست بالأولى على الإطلاق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأيضًا للإنسان عقل كل احتياجاته تكمن في الاحتياجات المعنوية، والاحتياجات المعنوية تعتمد بشكل أساسي على المعرفة السليمة والأخلاق الفاضلة وعبادة إلهك بحق، فعندما يكتسبها الإنسان ويعمل دائمًا على الاستزادة منها، في هذه الحالة فقط يكون قد سد نقصه المعنوي فهذا أولى، وأصبح عقله أفضل من ذي قبل، ولأن عقل الإنسان هو ما يُميزه، حينها فقط يُصبح الإنسان إنسانًا بالفعل.

فالمال وسيلة لسد احتياجاتك المادية وليس غاية يسعى الإنسان لها على الإطلاق، ولا يصح أبدًا أن يكون المال معيار الإنسان لكل شيء في الدنيا، فلم يُخلق الإنسان لكي يسعى خلف المال، بل خُلق لكي يحاول أن يصل إلى كماله، فهنيئًا لمنْ سعى خلف الكمالات الحقيقية -كالمعرفة والأخلاق- وترك الوهمي منها كالثراء- فسعادة الإنسان بحق في أن يعرف الغاية من وجوده وأن يسعى إلى تحقيقها.

اقرأ أيضاً
لم أجد السعادة إلا في عيون البسطاء .. ما علاقة البساطة بالسعادة؟ وكيف نسعد؟

أخلاق الفرد وتأثيرها على نفسه وعلى مجتمعه – هل الأمر مؤثر فعلاً ؟

الصياد الذي لا يرغب بالمزيد من المال .. هل هو ناجح ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

خالد حسام

عضو فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة

مقالات ذات صلة