اللغة العربية
على الرُّغم من ثراء اللغة العربية وقدرتها الفائقة على التعبير عن أدق المعانى ، ورُغم أنها تُعتبر الملمح الأول من ملامح الهُوية، إلا أن إهمال أهلها لها جعلها تتراجع أمام اللغات الوافدة وبشكل ملحوظ. إهمال اللغة الأم أدى إلى كثير من الأخطاء والكوارث، منها مثلا أن يقرأ المسلم القرآن ولا يفهم معانى الكلمات والآيات، أو أن يُخطئ فى القراءة، فكيف يستطيع المسلم تدبر القرآن وهو غير عارف باللغة؟!
القرآن الكريم نزل بلسان عربى مبين ولا بد من معرفة معنى كل مفردة فيه كى يستطيع القارئ معرفة المراد _ أظن أن كتابًا استغرق نزوله ثلاثة وعشرين عامًا يستحق التدبر _ ناهيك عن الأخطاء التى لا حصر لها والتى تَرِد فى كلام الخاصَّة قبل العامة؛ أخطاء صياغية وأخطاء كتابية وأخطاء فى نطق الحروف وقراءة الكلمات.
وسأذكر بعض الأمثلة للتوضيح:
١- أخطاء صياغية: الخطأ فى الصياغة يؤدى إلى فساد المعنى، فأنت تريد شيئًا وتُعبر عن المُراد بتركيب يؤدى إلى معنى آخر، مثال: “من كان من الله أقرب كان من الله أعلم”، الصيغة الصحيحة لهذا التعبير هى: “من كان من الله أقرب كان بالله أعلم”.
٢- أخطاء كتابية: ومثال ذلك:
– لكن يكتبها البعض “لاكن”
– واللهِ يكتبها البعض “واللهى”
– المذاكرة يكتبها البعض “المزاكرة”
– ونعمَ بالله يكتبها البعض ” ونعمه بالله”
– فى ذمة الله يكتبها البعض ” فى زمة الله ”
٣- أخطاء فى النطق: كأنْ يُخطىء أحدهم فى نُطق حرف الثاء أو الذال أو الظاء وينطقها من غير مخرجها الصحيح، أو كأن يجرُّ ما حقهُ النصب ، أو أن ينصب ما حقهُ الجر، أو أن يرفع ما حقه النصب وهكذا.
وهذه الأخطاء يقع فيها كثير من العامة والخاصة على حدٍ سواء. والأكثر استفزازًا هؤلاء الذين يُخطئون فى كتابة الآيات القرآنية على الرُغم من توفر المصحف إلكترونيا وورقيا!. إن هذه الأخطاء تأتى نتيجة إهمال اللغة العربية وندرة استعمالها، فالاستعمال هو الذى يُطوع الألسنة ويجعلها تألف اللغة وتعتادها.
اعتزاز الأجانب بلغتهم
وقد لاحظت أن الأجانب حينما يأتون لبلادنا يتحدثون بلغتهم الأم، وحينما يعودون لبلادهم يتحدثون بنفس اللغة، أما نحن فلا نتقن لغتنا الأم ونتباهى بالألفاظ الأجنبية، وحينما يأتى الأجانب نتحدث معهم بلغتهم، وحينما نذهب لبلادهم نتحدث بلغتهم أيضا.
ويروى لنا صديق كان يعمل فى الصين أن الألمان الوافدين والمقيمين فى الصين كانوا يتحدثون بالألمانية لا الإنجليزية ولا الصينية. إنهم معتزون بلغتهم وحريصون على التحدث بها رغم معرفتهم باللغات الأخرى.
المشكلة أننا نعيش حالة من الميوعة اللغوية والتى تُسبب أيضًا حالة من الميوعة فى الهوية، فتجد أشكالا غريبة فى الكتابة مثل الفرانكو آراب، أو تجد نمطًا من الحديث ” هجين ” نصفه بالعامية ونصفه بالإنجليزية ولا تعرف كيف تصنفه؛ هل هو دارجة أم فُصحى أم لغة جديدة ؟!
ضرورة الاهتمام باللغة العربية
إنني فى هذا المقال لا أهاجم اللغات الأخرى ولا أتحدث عن أفضلية لغة على لغة أخرى، فاختلاف الألسنة من آيات الله سبحانه وتعالى، أنا هنا أتحدث عن إهمال للغة الأم أدى إلى وجود حالة من اهتزاز الثقة لدى المُتحدث وميوعة غير لائقة لا تتناسب مع حضارة عريقة وتراث ضخم ، ناهيك عن فقدان الإحساس باللغة وجمالها.
وقد لاحظت فى الفترة الأخيرة غزوًا للغة الإنجليزية _ على الرُغم من إعجابى باللغة الإنجليزية_ لاحظت غزوًا يجتاح المناهج فى المراحل الدراسية المختلفة وخاصة مناهج المراحل قبل الجامعية.
بالطبع مع قلة المقررات باللغة العربية تندثر العربية شيئًا فشيئًا وتصبح الإنجليزية هى لغة التفكير والتعبير. كل ما أرجوه أن نتقن لغتنا الأم لغة القرآن الكريم مثلما تتقن كل الأمم لغتها الأم، وأن نحاول قدر ما نستطيع الاهتمام بتدريس مقررات مُعتبرة في اللغة العربية وقواعدها فى جميع مراحل التعليم سواء الجامعى أو ما قبل الجامعى، ولا يكون تدريس اللغة العربية فى الجامعات مُقتصرًا على طلبة كليات الآداب والتربية فقط، وإنما يجب تدريس اللغة العربية فى جميع الكليات والمعاهد باختلاف تخصصاتها.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
اقرأ أيضاً:
لغتنا مهمة “فيري ماتش” – لما علينا أن نحافظ على اللغة العربية؟