فن وأدب - مقالاتمقالات

لغة المذيع

عندما فزت بالمرتبة الأولى بجائزة سوزان مبارك في نسختها الأولى في القصة، سنة 1989 عن مجموعتي القصصية الطائر الأزرق، استضافتني أهم برامج التليفزيون مرات عديدة، ومنها برنامج السهرة الأشهر بالتليفزيون جديد في جديد.

حتى أصابني الإعياء من كثرة اللقاءات التليفزيونية والإذاعية والصحفية، فبدأت أرفض المزيد.

طبعًا السبب في كل هذا الإقبال على استضافتي هو أنها جائزة تحمل اسم الهانم، لدرجة أنه تم تحويل مجموعتي القصصية الفائزة إلى مسلسل تليفزيوني يحمل نفس الاسم: الطائر الأزرق، بطلب من التليفزيون ومبادرة منفردة، وكانت لها مقدمة غنائية مميزة بصوت سوزان عطية.

مجلة الإذاعة والتليفزيون

اتصلت بي معظم الجرائد والمجلات لعمل لقاءات صحفية، ومنها كانت مجلة الإذاعة والتليفزيون، وقد قامت رئيسة تحريرها سكينة فؤاد بنشر القصة التي تحمل اسم المجموعة بالمجلة على عدة صفحات.

قالت لي: “أريد الاستعانة بالشباب المثقف أمثالك للكتابة بالمجلة بشكل منتظم، خصوصًا أنك تعمل رسميًا بالإذاعة والتليفزيون، فأنت كدا تبقى تبعنا تلقائيا”، قلت إن شاء الله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثم قالت: “لكن هات لي مواضيع المقالات أشوفها قبل ما تكتبها عشان ما يحصلش تكرار للمواضيع داخل المجلة”.

وافقت، وعمومًا أنا في كل ما أكتب أبتعد عن تناول المواضيع المستهلكة أو العادية ففكرت أن أكتب عن شيء لا يتناوله أحد رغم أهميته مثل لغة المذيع.

كيف يجب أن تكون لغة المذيع؟

قابلتها في اليوم التالي ومعي الموضوع، وهو عن كيف يجب أن تكون لغة المذيع بالإذاعة والتليفزيون، والموضوع لا علاقة له بالفصحى أو العامية، بل باللغة التي يفهمها الجميع.

مثلًا الشاعر نزار قباني يكتب بالفصحى، ولكنه يقول شعرًا لبساطته يفهمه الجميع، فالكل يفهم “حتى فساتيني التي أهملتها فرحت به، رقصت على قدميه..”، والكل يفهم “إني أتنفس تحت الماء إني أغرق..”.

أشعار المتنبي يفهمها الجميع وتجري على ألسنة العامة في زماننا، مثل: “إذا غامرتَ في شَرَفٍ مَروم، فَلا تقنع بما دونَ النجوم”، والكل بمختلف ثقافاته يحفظ عن ظهر قلب أشعار الإمام الشافعي مثل: “مشيناها خطى كتبت علينا، ومن كتبت عليه خطى مشاها..”.

اللغة العربية الفصحى البسيطة ذات المعاني الواضحة

اللغة الإعلامية

كان الأولاد والبنات وقتها يقرأون لكامل الشناوي وفاروق جويدة وأحمد بهجت وأنيس منصور وأحمد رجب وعبد الوهاب مطاوع، لأن لغتهم في المتناول، وكل الناس في كل زمان تسمع نشرة الأخبار وتفهمها مع أنها باللغة الفصحى وذلك لأنها سهلة غير متقعرة.

أغنية محمد قنديل ع الدوّار تثبت ذلك، إذ تقول: ” ع الدوار ع الدوار راديو بلدنا فيه أخبار” فهذا يعني أنه حتى الفلاح الأمي وقت الثورة كان يهرول إلى الدوار لسماع النشرة في راديو العمدة مع أن النشرة باللغة الفصحى، لكنها فصحى يفهمها الجميع حتى البسطاء والأميين.

هو نفس الفلاح الذي استمتع لاحقًا بأطلال أحمد ناجي وأم كلثوم، إذ كان يعلق الراديو الترانزيستور في الشجرة وهو يعمل في الأرض، لأن اللغة رغم فصاحتها بسيطة.

مواصفات المذيع الناجح

عمومًا اللغة العربية ليست غريبة على الناس بمختلف ثقافاتهم، فهي لغة القرآن والحديث، المهم أن نبتعد عن المفردات الصعبة والتراكيب “المستعصية على الفهم”.

هكذا يجب أن تكون لغة المذيع في متناول الكل بمختلف ثقافاتهم، حتى وهي لغة فصيحة، ومن الخطأ الجسيم أن يتصور المذيع أنه يستطيع أن يتحدث إلى الناس بلغة ممعنة في التقعر والابتعاد عن المتناول لمجرد أنه يتقنها ويحبها ويفهمها.

المذيع هو مذيع الناس وليس مذيع نفسه أو مذيع الأدباء والبلغاء، ولا يجب أن يكون متعاليًا على المستوى الثقافي للعوام الذين هم الغالبية العظمى من الناس.

أهمية اللغة الإعلامية

خسارة فادحة أن يتحدث فلا يفهمه إلا بعض الناس، فيكون قد أخل بهدف وبديهيات الرسالة الإعلامية، الرسالة التي لا تستهدف مخاطبة المثقف بل تستهدف الارتفاع بمستوى الثقافة بوجه عام.

هي تخاطب غير المثقف قبل المثقف، لأن غير المثقف هو الغالبية العظمى وهو الأولى بالثقافة حتى من المثقف نفسه، لأنه الأكثر احتياجًا إلى الثقافة.

لهذا لا بد للرسالة الإعلامية أن تعثر على لغة مشتركة يفهمها الجمهور بمختلف مستوياته الثقافية، وإلا تكون الرسالة قد فشلت في الوصول وفي تحقيق هدف وجودها.

اقرأ أيضاً:

من الجوانبِ الاجتماعيةِ في مشكلةِ تراجع ِاللغةِ العربيةِ الفصيحةِ

اللغة وسيلة للتعبير عن الحقائق أم إخفائها

كلاب السيدة وبائع اللبن والإعلام بينهما

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف