مقالاتقضايا وجودية - مقالات

الكيان المادي الخانق .. كيف ينقذ الإنسان روحه ؟

لقد أودع الله في الإنسان كل ما يجعله متهيئا للتحكم والقدرة والسيطرة على كل ما حوله، وأعطاه حرية الاختيار في كيفية استخدام هذه المواهب والنعم، وأثناء المحاولة للإجابة والنظر بتمعن عن النتائج التي حققها الإنسان من هذه المعطيات الفريدة؟ وهل استخدمها استخدامًا ماديًا بحت لتحقيق نتائج مادية بحتة بغض النظر عن ما سيكلفه هذا تجاه نفسه أو روحه التي لا تعرف معنى للمادة.

فالروح تعني السعادة الحقيقية المجردة من كل مادي وليس لها أي أواصر بالمادة، والروح تعني الحب الذي ينطلق منك لما حولك أو تجاه ما حولك إليك، غير مرتبط بأي وسيلة كي يصل إليك، ومن مكوناتها أيضا الرحمة والإحساس بالمسئولية تجاه بني جنسه أولاً وتجاه كل ما في الطبيعة ثانيا، ولكن من النظر إلى الواقع الحالي نجد أن الإنسان كان قد زيف كل هذه المعاني الحقيقية المكونة للروح إلى معانٍ مزيفة مرتبطة بأواصر مادية مكوناً بها روحاً أخرى مزيفة تملؤها الشوائب المادية، وبعد أن كان كيان الإنسان عبارة عن جسد مادي هالك وروح معنوية سامية يكملان بعضهما البعض، فبمرور الزمن وتوالي العصور تنفصل الماديات عن الجسد حابسة إياه وفاصلة بين المكونين الأساسي له وتصبح الوسيط بين جسده وروحه .

كيف تطغى المادية على الإنسان ؟

ولكن –بطبيعة الحال-  لا يستطيع الجسد أن يستمر في الحياة دون روح؛ فمثله كمثل مدمن المخدر الذي يصبح هائجاً إذا افتقد مخدره فيبحث مشوهاً عنه دافعاً أي شيء في سبيل الحصول عليه، دون علم منه أنه بذلك لا يقضي شهوته بل بالعكس هو يقويها عليه وبتطبيق ذلك النموذج على الإنسان بعدما حبست الماديات الروح في زنزانة وكانت هي الرقيبة لحركاتها وحريتها ومن له الأحقية في زيارتها ورؤيتها ومن ليس له ذلك الحق، فحين يطلب الجسد مقابلة الروح تبدأ الماديات في وضع خطتها الاستراتيجية وأوامرها ونواهيها له في سبيل السماح بالرؤية فتكون البداية بأمور سهلة وهينة بالمنظور الخارجي ولكن في أساسها هي في قمة العمق والخطورة وتكون في أساسها أن يتنازل عن الجزء العقلي والمنطقي والتحليلي لديه وعليه أن يسمع فينفذ فيأكل ذلك ولا يطعم ذلك ويشرب ذلك ولا يقترب من ذلك ويمثل نفسه في نموذج معين من الملابس وتسريحة الشعر والبشرة وسيارة بمواصفات كذا ومنزل يشترط أن يكون في مكان بعينه…

كل ذلك يبدو لديه غير منطقي أو عقلي ولكن عليه ألا يسمع لعقله أو منطقه إذا أراد أن يلتقى بروحه حبيسة الماديات ورغم أن مدة الرؤية والمقابلة تكون دائماً مع روحه محاطة بمدة زمنية معينة قبل أن يأمره حارس الزنزانة بأن –وقت الزيارة قد انتهى- فهي أفضل من عدم وجودها من الأساس وباستمرار ذلك الفعل مرة بعد مرة يصبح عادة، والعادة تصبح سلوكاً والسلوك يتحول إلى اقتناع تام، فهو الآن على اقتناع غير عقلي- لم يكن يعقله في البداية- وذلك قمة الخطورة فأصبح لديه مقياس خاطئ أنه لا سعادة دون تلك الأشياء!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أين هي السعادة ؟

والأكبر من ذلك أنه أصبح يرى من تتوافر فيه تلك المواصفات هو إنسان في أوج السعادة –ناسياً ما حدث معه في البداية من تنازله عن أكبر جزء موجود لديه وهو العقل والمنطق وأنه فعل ذلك كي يلتقي بسعادة روحه حبيسة هذا الحاجز المادي الذي يفصل بينهما، ولكن الإنسان كثير النسيان بطبعه، كما عليك أن تأخذ في الاعتبار أن تلك الطلبات بعينها لم تكن مجرد أوامر أو نواهي فقط بل كان يعنيها كيان الماديات ليتغلب على جزء السعادة الموجود في الروح، فمع الوقت تنجح وتتغلب الماديات على سعادة الروح وتقـتلعها منها وتضفيها على كيانها فيزداد قوة إلى قوته ولكن الجسد المسكين يزال لا يعلم تلك المؤامرة الشنيعة فها هو الآن منطلقاً في الدنيا باحثاً عن ما يرضي الحاجز المادي منفذا ما يطلب، ولكن هذا الطلب تلك المرة صعب بدايةً من البيئة المحيطة فيخرب ويدمر كل ما في البيئة ونهاية ببني جنسه فيغتصب النساء ويقتل الأبرياء والأطفال ظناً منه أنه يفعل ذلك في سبيل السعادة ولكن هيهات هيهات…

أين هي السعادة أيها المسكين؟! لا يعلم بأن الحاجز يزداد صلابة مع كل حركة واستجابة منه، وأن جسده يزداد أيضاً لكن بالعكس ضعفاً وهواناً وعجزاً وها هو بعد مرات ومرات من -الطلبات غير التقليدية عليه– يلتقي مع روحه ولكنه لا يتلذذ بأي قطرة سعادة ما السبب وما المسبب؟! وبتكرار العمل مرات ومرات ينتهي به المطاف إلى أن يزداد ضلاله ليعتقد أنه لم تكن هناك سعادة من الأساس، وفي تلك النقطة كان الحاجز الآمر قد اكتسب ما يمكنه ليدمر ثانيا في الروح فتسقط رحمة الروح مفتتة!

الحرية للروح

فأصبح سواء مع روحه أو بدونها بلا رحمة سواء أٌمر أو لم يؤمر -في سبيل السعادة أو ليس في سبيها-  سيدمر وسيغتصب وسيقتل مستعينا بكل ما أوتي من قوة في سبيل ذلك ورغم أن كل ما فعله ليس له غاية له ولم يؤمر به إلا أنه كان يسلب قوته ويزيد من ضعفه وفي المقابل يزيد من صلابة وقوة وقدرة حاجزه ومحبس روحه -التي لا تحوي حالياً غير الحياة، فليس لها أي قيمة أخرى، لا حب ولا سعادة ولا رحمة، ليس إلا للعيش فقط، إلى أن يستطيع أن يدمر ثالثاً، ولكن هذه المرة نهائية، فيسلب منه روحه بلا رجعة فيخر الجسد متهاوياً أرضا، فيلتهم جسده تراب الحاجز ليلتقي بروحه ثانية في عالم آخر ومعه كل ما جنت يداه، ولكن لو تمعن النظر قليلا قبل كل ذلك وحاول التحمل والتوجه إلى خالق الروح واستعان به في انتظار أن تتهاوى الشهوات المحيطة بروحه وتنطلق بعدها روحه وتنسجم به وتتلاصق به ويعيش بعدها بروحه الحقيقة من سعادة وحب ورحمة وحقيقة غير مرتبطة بشيء.

 

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

معتز كمال

عضو بفريق بالعقل نبدأ الصعيد

مقالات ذات صلة