مقالات

القول بأن الحقيقة نسبية اعتقاد باطل وشر

كلنا رأينا المناظرة الشهيرة بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ورئيس جامعة القاهرة الدكتور أحمد الخشت والتي كان مدخلها اعتراض مولانا الطيب على ما يتردد ويُشاع بين الناس وحتى بين المثقفين والإعلام بشكل عام من أن الحقيقة نسبية وكان رد الشيخ على كتاب أُهدي له من الدكتور الخشت أنه إذا كنت تعتقد بأن ما كتبته مطلقا فقد سقط مذهبك وإن كنت تعتقد أنه مشكوك فيه فاهدي إليّ كتابك حينما تتأكد.

ماذا يقصد شيخ الأزهر وهل الحقيقة نسبية فعلا؟ وهل كل شيء نسبي؟ وهل لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة؟

في الحقيقة أن هذا الموقف الذي استهللت به مقدمة المقال ما هو إلا مثال مشهور على خلاف يومي وجدل بين كثير من الناس الذي قد تعرض له الحقائق الواضحة بشأن موضوع ما لتُفاجأ بأنه يقول لك بأن “هذا من وجهة نظرك فكل شيء نسبي” فهل هذا صحيح؟!

في البداية لابد أن نُفرق بين الحقيقة وهي الشيء الثابت الذي لا يتغير بتغير الزمان أو المكان أو الجهة التي ينظر منها بينما النسبية نقيض ذلك تماما. فكيف يجمع القائل بالنسبية بين النقيضين في جملة واحدة”الحقيقة نسبية ” فكيف تكون حقيقة و نسبية في نفس الوقت؟! بل إذا احتدم النقاش قيل وما المشكلة في ذلك “فكل شيء نسبي” فلا يزداد الأمر إلا تناقضا وغرابة لأنه يقر حقيقة بكلام نسبي أو أنه يقصد قولا نسبيا من وجهة نظره.

وهكذا وفي كل الأحوال فإن الذي يقول بالنسبية يقع في التناقض، وأن هذا الكلام أو الاعتقاد باطل ومرفوض عقليا و مردود على صاحبه أو غير ملزم لنا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولذلك هناك العديد من النتائج السلبية المترتبة على القول بالنسبية نذكر أهمها:

1- تدمير المعايير والمرجعيات التي يجب الاحتكام إليها؛
  • وذلك لأن هذا الاعتقاد ينبني عليه أن كل وجهات النظر صحيحة وكل الاعتقادات والسلوكيات مقبولة وبالتالي لا يوجد ما يسمى باليقينيات ولا يكون هناك صواب و خطأ أو حق وباطل أو أخلاقي ولا أخلاقي فكل الناس على حق.
  • لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة ولذلك نسمع عن شعارات مثل التعددية وقبول الآخر ويقصدون بالآخر اللادينية والإلحاد والفجور ويرون أنه لابد من التعامل مع جميع هذه المفاهيم على قدم المساواة ولا داعي للإنكار على فكر ما أو التشنيع على شذوذ ما لأن الحقيقة المطلقة غير موجودة.
  • أيضا فإن ذلك يفتح باب السفسطة والجدال الباطل في كل من المبادئ العقلية والأخلاق؛ فهذه المبادئ العقلية مطلقة ولا يمكن تجاوزها أو التشكيك بها مثال ذلك مبدئ السببية أو مبدئ عدم التناقض فيمكن أن يقر القائل بالنسبية بإمكانية حدوث شيء بدون سبب أو أنه يوجد جسم ساكن ومتحرك في نفس الوقت وهذا يستحيل عقليًا.
  •  أما الأخلاق فحدث ولا حرج؛ فالقائل بالنسبية يرى العالم من منظور أنَّ رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب؛ ولذلك فإن أحكامه تكون مشوشة ومتشككة فمثلا في قضية الشذوذ الجنسي أو قتل الحيوانات للاستمتاع فقط هو يرى أن ذلك خطأ لكن يحتمل الصواب فيقره ولا ينكره.
2- أن يجعل الإنسان نفسه حكما ومعيارا لكل شيء

وهذا شيئ عجيب؛ إذ من طبيعة المعيار وجوهره أنه ثابت لا يتغير ويمكن القياس عليه في كل مرة، فهل الإنسان لا يتغير؟ وهل هو كامل محيط بكل شيئ؟ بالطبع لا؛ إذن لماذا يجعل نفسه معيارا وحكما على الأشياء فيما يراه ويستحسنه النسبيون عندهم أي بالنسبة لهم فهو حسن حتى لو كان في ذلك ظلم أو أذى لغيرهم.

ولا أرى السبب في ذلك إلا ما جلبته علينا الحضارة المادية من رؤية تمركز الإنسان حول نفسه بل وأنه مركز الكون ويساعد في ذلك تضخم الذات والإعجاب بالنفس وهو ما ينشأ من جهل الإنسان بنفسه من أنه كائن ناقص تعتريه العلل والآفات. ولذلك إذا لم يُخضع الإنسان نفسه لمعايير مطلقة وحقائق ثابتة؛ فإن البديل هُو هَوى النفس وشهواتها وأحكامها النابعة من الأنانية والإعجاب بالنفس.

وهكذا فإن القول بالنسبية مخالف للعقل ولا بد أن نقف معه وقفة جادة لنُبين للناس خطورة هذا الاعتقاد وما ينتج عنه من فساد ودمار وظلم وأذى قد يقع فيه الإنسان بدون أن يشعر بحجة أن لا أحد يمتلك الحق المطلق أو أن الحقيقة المطلقة غير موجودة وهذا هو الشر بعينه.

اقرأ أيضا:

انتصار الطيب والخشت وهزيمة أفلاطون والأمة

الحقيقة في عصر الإعلام

وأنا كمان مش قليل الأدب.. ماذا أنتجت النسبية الأخلاقية؟

م. خالد عبده

مدرس الهندسة الميكانيكية

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة