القدوة بين المفهوم والواقع – هل النماذج المنتشرة حالياً تمثل قدوة حقيقية ؟
في الفترة الأخيرة ومع ظهور “السوشيال ميديا” تصدرت بعض المواضيع والأفكار الجديدة جزءًا من حيز الكلام بين الهجوم والتقبل من مستخدمي المواقع، مما ينبئ أن مصدري هذه الأفكار قد أصبحوا نماذج القدوة للناس، لذا وجب توضيح بعض الأشياء كي نحكم على تلك الأفكار ومصدريها.
ما هي القدوة ؟
القدوة هي عبارة عن الشخص والمثال الأعلى الذي يقتدى به والنموذج المثالي في تصرفاته وأفعاله وسلوكه بحيث يطابق قوله عمله ويصدقه ويكون القدوة بالنسبة لأتباعه مثالا أعلى، فيعمل أتباعه على تقليده وتطبيق أفكاره وبعضهم يهتم بالظهور بنفس المظهر الذي يظهر به، وهذه الفئة تنتشر أكتر بين محبي المطربين والفنانين!
القدوة من أهم أساليب التأثير على الآخرين حتى اعتبرها الكثير من العلماء وسيلة رئيسية للتربية والتعليم؛ فهو بالنسبة لهم محل ثقة وعلم حتى أن البعض يضفي العصمة لقدوته ويبرر أفعاله وأفكاره حتى لو كانت قبيحة أو ليست لها أي أهمية تعود على المجتمع
كما قلنا من قبل، القدوة توفر الوقت والجهد في غرس القيم أو السلوكيات الجديدة وتساهم فى إصلاح مفاهيم خاطئة داخل المجتمع والعكس صحيح، فمن الممكن أن تقود القدوة أتباعها لما هو غير مقبول دينيًا وأخلاقيًّا وسياسيًّا وفكريًّا بنفس القوة التي تمكن القدوة الحسنة من بناء مجتمع متماسك قوي مفكر يستطيع أن يميز بين الحق والباطل والحسن والقبح.
في الحقيقة إن القدوة لا تفرض نفسها على المجتمع بل المجتمع هو من بيده أن ينصت أو ينفر منها، المجتمع هو المتحكم في تقبل الغير بأفكاره أو اضطهاده ويمكن حتى في بعض الحالات أن يصل إلى حد القتل، لذلك يجب أن تكون هناك ضوابط أخلاقية وفكرية ودينية، فالنتائج المترتبة على عدم تطبيق الضوابط والقوانين وخيمة ويترتب عليها تطاحن وصراع بين فئات المجتمع المختلفة سواء فكريا ودينيا أو حتى مذهبيا.
القدوة والتأثير والسوشيال ميديا
لدينا على سبيل المثال محامٍ مشهور يكذب ويزيف الحقائق، وآخر ممثل يدعي الفضيلة في أدواره وهو لا يمارسها في حياته الخاصة، والعديد من الأيقونات التي يزخر بها مجتمعنا يجب أن ننقذ شبابنا من بريقهم الخادع.
والآن مع وجود السوشيال ميديا يمكن لأي أحد أن يكتب ويتكلم في أي شيء متسق مع قناعته، وذلك أدى لظهور نوع جديد من المشاهير همهم الأول والأخير جمع الناس حولهم مستغلين بريق الدفاع عن قضايا معينة فيبدو شكلا أنه هدف نبيل ذو قيمة بغض النظر عن حقيقة أن الهدف من طرح الكثير من القضايا له غايات أخرى تستتر خلف هذا القناع.
إذا نظرنا بعين العقل في أرباب “السوشيال ميديا” سنجد منهم من يستحوذ عليه أخطاء التفكير مثل التعميم بقولهم مثلا أن كل الرجال أشرار ولا يريدون إعطاء المرأة حقها في المجتمع، ومنهم –أرباب السوشيال ميديا-من يفعل الشيء ونقيضه في نفس الوقت مثل الدعوة إلى أن كل إنسان حر في معتقداته وفى نفس الوقت يقوم بالتشنيع على أتباع ديانة معينة، ومنهم من يسيطر عليه مرض السلطة مثل الإعلامي الذي يجمل الاستبداد ليحتفظ بسلطته ومنصبه ومنهم من يصدر الأفكار التي تمكنه من إرضاء شهوته المادية ومنهم من هو واقع تحت تأثير مجموعة من الأصدقاء الذين لهم ميول فكرية معينة فيتأثر بهم في عرض أفكاره وبعضهم ممن يستخدمون الدين لبسط سلطتهم على المجتمع ويستعملون المعاني والتفسيرات الخاطئة للوصول لهذا الهدف.
القدوة الحقيقية كيف تكون ؟
يلزم أن نتأمل الشروط الشخصية التي نعتبرها ضرورية في الشخص الذي نعتبره قدوتنا حتى تتوفر لنا القدرة الشخصية على تحديد من نعتبره مثلنا الأعلى.
يجب أن يتسم مثلنا الأعلى بالأخلاقيات الفاضلة التي تمكنه من نشر أفكار إصلاحية تتماشى مع الواقع وتعالجه ويكون مثالًا جيدًا في أخلاقه.
وأن يكون ساعيًا للخير فقط ولا شيء غيره بمعنى أن يكون هدفه هو أن ينشر ما هو يعالج مشكلات المجتمع بدون انتظار مال أو شهرة أو شيء يحقق له منافع شخصية.
أن تكون لديه الشجاعة في عرض الحقيقة ولا يزيف الحق أو يقلب الباطل حقًا أو يخلط بين الظلم والطغيان.
أن يكون لديه الصبر وسعة الصدر، كل هذا ضروري حتى يشكل وجودنا لوحة اجتماعية قادرة على التغيير وبناء مجتمع صالح ساعٍ للتطور والتكامل.
في النهاية قد يسأل سائل: ماذا لو لم نعثر عليهم؟ حسنا إذا لم نعثر عليهم لا يوجد سوى إعداد أنفسنا لنكون القدوة الحسنة الفاعلة وتوجيه الآخرين للطريق الصحيح.
وكما قال ألبرت شفايتزر الفيلسوف والطبيب والعالم ديني والموسيقي الألماني:
“لا تعتبر القدوة أهم عنصر من عناصر التأثير على الآخرين، بل هي العنصر الوحيد”
اقرأ أيضاً:
هل يمكن الاستغناء عن دور القيادة ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب