مقالاتقضايا شبابية - مقالات

احتلال القدس – كيف تم تهويد المدينة ؟ وهل هي قضية الفلسطينيين وحدهم ؟

بريطانيا و احتلال القدس

بينما كانت الوعود تُقدَّم لـ “لحسين بن على” من جانب بريطانيا لمساعدته على تكوين دولة عربية تضم الشام الكبير بما فيه فلسطين بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، كانت بريطانيا أيضًا تقطع تعهدًا على نفسها بإقامة وطن قومي لليهود بفلسطين، ويشهد التاريخ على أنَّ بريطانيا لم تفِ بوعدها للحسين ووضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني من الفئة الأولى على الرغم من أنَّ فلسطين كانت قريبة من الحصول على مركز الدول المستقلة؛

إذ كانت بالقياس إلى معظم الأقاليم التى وضعت تحت الانتداب مُتقدِّمة فى شئون الحكم والإدارة بما يُؤِّهلها لنيل الاستقلال أو الحكم الذاتي وهو الهدف الذى من المفترض أن يتحقق في ظل نظام الانتداب، ولكن وفاء بريطانيا كان واضحًا وجليًا لعهدها مع اليهود؛ فأبرمت صك الانتداب مع عُصبة الأمم والذى نصت المادة الثانية منه على أن “تكون الدول المنتدبة مسئولة عن جعل البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تَكفُل إنشاء الوطن القومي لليهود” ولم يهمل صك الانتداب تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين وكذلك تسهيل حصولهم على الرَعويِّة الفلسطينية عن طريق سن قانون يسمح بذلك.

ورغم كل هذه التعهدات والصكوك إلا أن بريطانيا لم تتوانْ في تحقيق “وعد بلفور” حيث كان الوفاء البريطاني أوضح فى العمل منه فى الصكوك والوثائق، واختُصّت مدينة القدس فيه بأكبر قدر من التدابير التى تكفل تحويلها إلى مدينة يهودية.

بعد نكسة العرب فى يونيو لعام 1967 و احتلال اسرائيل للضفة الغربية لنهر الأردن مُتضمنة القدس العربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان، وبعد ثلاثة أسابيع فقط من هذا الاحتلال أصدر الكنيست الإسرائيلى قرارًا بضم القدس العربية وتوحيد شطريها وجعلها عاصمة لإسرائيل، وتَبِع ذلك اتخاذ إجراءات لإذابة الكيان العربى للمدينة كحل التنظيمات العربية فيها وحل المجلس البلدى العربى واتُخذت عدة إجراءات اقتصادية لصالح إسرائيل،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

احتلال وتهويد المدينة

ووُضِعَت حواجز على الطرق التى تصل المدينة المقدسة ببقية مدن الضفة الغربية وتم إرغام السكان العرب على دفع ضرائب لصالح إسرائيل، وسادت إجراءات نازية للبطش بالسكان العرب ليهاجروا من القدس؛ كاحتلال منازلهم بالقوة بعد طردهم، وإحلال اليهود محلهم، وهدم منازلهم. ونتيجة للإرهاب الشديد على المدنيين؛ فقد عبر حوالى 150 ألف منهم نهر الأردن. وتبقى 70 ألفا آخرون تحت هذه الظروف. وطبَّق العدو قانون أملاك الغائبين. والذى ينُص على استيلاء الحكومة الإسرائيلية على جميع أملاك العرب الذين يتغيَّبون متضمنًا ذلك من كانوا خارجها أثناء العدوان سنة 67.

وفى النهاية نتيجة لهذه القوانين الظالمة والممارسات العدوانية أصبحت إسرائيل تملك داخل أسوار المدينة فقط وبدون وجه حق ما يقرب من خُمس الأراضى الملاصقة للحرم الشريف والمسجد الأُمَوى واستولت على ثلث الأراضى خارج أسوار المدينة وكلها ملك للعرب خصوصًا فى المنطقة التى تحيط بالقدس.

واختارت إسرائيل مساحة كبيرة من الأراضى فى شمال المدينة لإقامة أول حى يهودي جديد عليها ليفصل القدس من الغرب عن بقية الأراضى. وضُمَّت جميع مدارس القدس بالذات إلى وزارة التعليم الإسرائيلى، كما تم إصدار قانون يُرغِم جميع أصحاب المهن والحرفيين العرب بتسجيل أنفسهم طبقًا لقواعد القوانين العُمالية الإسرائيلية كما نص هذا القانون على أن كل من يريد القيام بأى بناء؛ فعليه أن يطلب رسميًا الترخيص له من السلطات الإسرائيلية المختصة، محاولة بذلك تصفية أموال وممتلكات 70 ألف عربى فى القدس وتهويد المدينة تمامًا.

القدس قضية حق وباطل

تم الكشف لأول مرة عن مشروع القدس الكبرى فى مقال نشرته جريدة “معاريف” الإسرائيلية فى تاريخ 26/3/1969 تحت عنوان “القدس الكبرى” كعاصمة لإسرائيل، وأطلقت السلطات الإسرائيلية على هذا المشروع اسم مشروع “الأب”.

يقول حاخام إسرائيلى “إن السلام يعنى الكثير لكن القدس شئ أثمن من السلام”، فبالنسبة للعدو ليس هناك كيان بدون القدس، وفى طوحاتهم القدس هي إسرائيل وإسرائيل هى القدس، القدس هى هُويتهم المفقودة.

ونحن نقول أن القدس هى السلام، هى سلامنا وبدون القدس لن نهنأ بسلام أو سكينة، منطقة واسعة وهامة تُلامس كرامة أمتنا؛ قد احتُلَّت وانتُزِعت من جسم الأمة.

القدس ليست رمزًا شخصيًا ولا وطنيًا ولا قوميًا كما أنها ليست قضية دين أو ملة بعينها، إنها قضية الإنسان والأمم والتاريخ والحرية والكرامة والحق، قضية كل الأزمان. رمز المظلومية على امتداد هذا العالم الذى يتدافع فيه الناس بين موقعى الحق والباطل. القدس هى الشاهد على تحدى الاستكبار لسنن الحق والتاريخ وانتهاكه للحقوق وسيطرته بالقوة والبلطجة على بقاع الأرض.

وعلى الرغم من أن هذه البقعة المباركة قد نالت نصيبها الوافر من هذا الظلم الذى يجعل الحجر ينطق، لازال هذا العدو الظالم لا يجد صعوبة فى أن يشعر بالارتياح والقدرة على التوسع ومد النظر في كل الاتجاهات ليحدد هدفًا جديدًا يزحف نحوه بقوته وجيشه الذى يسبقه الرعب الناتج عن الأجواء الدعائية التى يثيرها الإعلام الغربى.

تحية لكل منتفض

فمع هذا الاحتلال الذى يسيطر على الأرض؛ هناك احتلال أخطر يسيطر على العقول والأفواه والإرادات يمنعها من أن تبصر الحقيقة وإن أبصرت يدفعها لأن تدير لها ظهرها.

الحق سلطان والمُطالب به قوى ومنطقه جارف وعزيمته لا يقف في طريقها قوة. وسنن الله غلَّابة ولا تحابى أحد، فتحية لكل منتفض فى وجه الظلم رافض له وتحية إلى مستضعفى العالم وتحية إلى القدس.

وكما يقول الشاعر عن القدس

“قطعنا في مسافته عقابًا…..وما بعد العقاب سوى النعيم”.

 

*الحسين بن على: تم تعيينه أميرًا على مكة فى عهد السلطان عبدالحميد الثانى ولُقب بشريف مكة.

هو من أعلن الثورة العربية الكبرى على العثمانيين بعد نشوب الحرب العالمية الأولى وأمدته انجلترا بالمال والسلاح.

*المصادر: كتاب “القدس، سيرة مدينة..عبقرية المكان” للدكتور/ خالد محمد غازى  الطبعة الثانية

دعاء محمود

طالبة بكلية الطب جامعة المنصورة

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة