مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

الفلسفة والدين … كيف ولماذا!

ما الفلسفة؟

إن فعل التفلسف قديم قدم البشرية؛ فإذا قلنا إن التفلسف هو محاولة فهم الواقع المحيط، وفهم للطريق الأنسب للتعامل مع هذا الواقع بما يحقق سعادة الفرد والمجتمع؛ فلا يوجد إنسان إلا وله رؤية فلسفية، عميقة كانت أو سطحية، وهمية كانت أو حقيقية، مادية كانت أو روحية… وبناءً على هذا الوصف الاصطلاحى للفلسفة،

فكل النظريات الفلسفية أو العلمية أو حتى الديانات، تعتبر فلسفات لأنها تقدم لنا رؤية لما هو كائن “الواقع” ولما ينبغى أن يكون “روشتة” للتعامل معه بالشكل الأنسب من أجل مزيد من الاسقرار والتوازن وتحقيقا للسعادة المنشودة، ولكن بما أن الفكر مقدمة للسلوك، والسلوك غرضه السعادة…

لماذا الفلسفة؟

من ما سبق يتضح أن هدف التفلسف هو الوصول للحقيقة إرضاءً للغريزة الإنسانية، وتحقيقا للسعادة البشرية، ولكن عندما نتمعن فى الفلسفات المختلفة التى قدمها ولا يزال يقدمها البشر لما هو كائن وما ينبغى أن يكون،

سنجد أننا فى كثير من الأحيان نظن ونتوهم وننحاز لما وجدنا عليه آباءنا وطوائفنا ومشاهيرنا، أكثر من كوننا نتأمل بعمق ونتفحص ونتيقن بأدلة وبراهين، الأمر الذى يجعل الخطوة الأولى فى عملية التفلسف الواعى هى الشك فى المألوف والسائد والتساؤل عن الإجابات المنطقية للأسئلة المصيرية والأدلة المطابقة للواقع فى مختلف المعتقدات والأنظمة السائدة، دينية كانت أو تربوية أو تعليمية أو اجتماعية أو صحية…

كيف نتفلسف؟

الخوف من التغيير والخروج عن المألوف أو المجموعة التى أنتمى لها، أصدقاء كانوا أو أسرة أو حزب أو مذهب أو دين، القلق من عدم القدرة على التوصل لإجابات صحيحة للأسئلة المصيرية، عدم ثقة الإنسان فى قدرته على الوصول لإجابات يقينية،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الانطباعات المسبقة والأحكام التعميمية “كل الدعاة نصابين” “كل المتدينين رجعيين” “كل الفلاسفة ملحدين” إلى غير ذلك من التعميمات غير المبرهن عليها، التكبر والشعور بعدم الاحتياج للآخرين، حصر الخيارات المتاحة فى اختيارين، إما أبيض أو أسود، فى حالة تواجد الكثير من الخيارات الممكنة “إما الدين أو الفلسفة ” “إما الجسد أو الروح” “إما كل شىء أو لا شىء”،

المبالغة فى تقديس أو حب أو كره الأشخاص “الكاتب فلان أو الفيلسوف علان أو الداعية خلان”… هذه الحالات النفسية والأخلاقية والأنماط الفكرية، تقف حائلا بيننا وبين طريق التفلسف الواعى وتمنعنا من رؤية الواقع على ما هو عليه، وتمنعنا من فهم الآخر، وفهم المشتركات الإنسانية التى تمهد لنا طريق التواصل، وتمنعنا من إخضاع آراء من نحبهم للنقد، وتقبل الآراء الصحيحة ممن نكرههم،

فتكون المحصلة النهائية حجابًا ثقيلًا بيننا وبين فهم الواقع وكيفية التعامل معه، بل والاستمرار فى حجب الآخرين عن سبيل سعادتهم، فلنحذر من هذه العوائق ولنعمل على تطهير نفوسنا منها…

حصن نفسك بالميزان

إذا تمكنا من التخلص من العوائق السابق ذكرها، سيتبادر إلى أذهاننا تساؤلا جديدا، ألا وهو “كيف نتعامل مع كم الآراء والمعلومات المطروحة، وكيف نبنى رؤية واقعية للواقع وكيفية التعامل معه؟”

فى الحقيقية نحن بحاجة لبعض القواعد المنهجية للتعامل مع الآراء الفلسفية والدينية وحتى العلمية، تلك القواعد تحمينا من الغرق فى هذا الكم الهائل من النظريات والآراء، وتساعدنا فى اختيار مصادر المعلومات الموثوقة وتمكننا أيضا من معرفة الفرق بين الأمور القطعية التى لا تحتمل إلا الأبيض والأسود، والأحكام الظنية التى يمكننا استخدامها،

مع تقبل احتمالية تغيرها مع مرور الوقت، والأمور النسبية التى تختلف من شخص لآخر، ولا فائدة من محاولة إقناع الغير بتبنيها أو الالتزام بها، وهذه القواعد المنهجية يقدمها لنا علم المنطق وعلم نظرية المعرفة… ولمن يريد المزيد من الوضوح فى أهمية الميزان لدى طالب العلم أو المتفلسف يمكنه الاطلاع على المقالة التالية “ميزان العلم”…

الدين والفلسفة وجهان لعملة واحدة

ليس هناك فارق بين ما تسعى إليه الفلسفة وما يسعى إليه الدين؛ فموضوعهما واحد وغايتهما واحدة، ولكن قد يتساءل البعض لماذا نلجأ للفلسفة إذا كان الدين يقدم لنا إجابات شافية عن الأسئلة المصيرية وعن كيفية التعامل مع الواقع لتحقيق السعادة المنشودة، مع العلم أن العقل الإنسانى قاصر، أما الدين فهو معصوم؟

فى الحقيقة هذا التساؤل يبدو فى ظاهره مقنعا، ولكن عند التعمق فى مضمونه نصل إلى الآتى:

#أولا هناك الكثير من الأديان، وحتى المذاهب داخل الدين الواحد والتى تقدم آلاف الإجابات المتناقضة والمتعارضة، لنفس الأسئلة المصيرية إلى أى دين سنتوجه وأى الإجابات سنقبل؟

العقل البرهانى هو الذى يبحث فى صحة هذه الإجابات ومدى تطابقها مع الواقع، وعندما يجد الإجابات تتوافق مع الواقع الملموس والمعقول يتقبل هذا الدين، ويوقن أنه من خالق الكون ومبدعه…

#ثانيا إذا توصلنا إلى الدين الصحيح والفهم الصحيح لكليات الدين عن طريق العقل، نبدأ فى فهم كيفية تحقيق السعادة و العدالة المنشودة فى هذا الواقع، وهنا يسجد العقل ويتبع الإرشادات الإلهية المتمثلة فى التشريعات التى قد يعجز عن فهم الحكمة من ورائها،

ولكن ليقينه فى علم وحكمة خالقه؛ فإنه يتبع هذه الإرشادات بحذافيرها، ولكن هذا لا يعنى تعطيل العقل تماما؛ فإن للعقل دورا غاية فى الأهمية، وهو التأكد أننا ما زلنا على النهج الصحيح و القواعد السليمة لمن طبق الرسالة فكرا وسلوكا، وهو النبي الذي كان هو الواسطة التي نقلت لنا هذا الدين…

خلاصة القول

العقل والدين متحدان، إذا ما التزم العقل بما يسمى القواعد الضرورية للتفكير السليم، ولم يتبع إلا الدلائل والبراهين، وإذا تخلّص من التبعية العمياء والظنون والأوهام، فلا يمكن أن يعطينا الله عقولا، ويرسل لنا شرائع تخالف هذه العقول، لأن خالق العالم -بما فيه العقل الإنسانى الذى يحاول إدراك العالم- هو أيضا خالق النص ومرسله وهو الكامل المنزه عن كل عبث ونقص،

فكيف يبعث لنا نصوصا تخالف ما يمكن للعقل والحواس والتجارب العلمية الوصول إليه! وأخيرا فنحن فى أشد الحاجة لهذا التدين العقلانى الذى يجعل من الدين “فلسفة شاملة” تتغلغل فى حياة الإنسان كتغلغل الأكسجين فى كل واحدة من خلايا الجسم، وهذا لن يحدث إلا بالإيمان المبنى على الأدلة والبراهين والمتناسب مع قوة الالتزام والإخلاص التى يطالبنا بها الدين.

اقرأ أيضا :
ربتوني كويس ليه؟ زرع القيم وحصاد السلوك

نظرة تحليلية في فستان الممثلة الفلانية!

كوني له سلاما .. المشاركة والعطاء والرحمة

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة