مقالات

الفلسطينيون حتى لا يكونوا أندلسًا أخرى أو هنودًا حمرًا

يناير من الشهور التي شهدت حدثًا جللًا وهو سقوط الأندلس، إذ بدأت الأندلس بالسقوط الكبير الذي أخلاها من الحكم الإسلامي. ويوم 2 يناير/كانون الثاني 1492 (897 هجرية) انتهى وجود المسلمين في الأندلس مع سقوط مدينة غرناطة، التي  كانت آخر معاقل المسلمين، بعد نحو أربعة قرون من حروب شنتها ممالك الشمال الإسبانية على الثغور الأندلسية فيما سُمي بحروب الاسترداد.

سقطت غرناطة بتوقيع آخر ملوكها أبي عبد الله الصغير معاهدة استسلام مع الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا، وانتهى بذلك الوجود الأندلسي العربي في شبه الجزيرة الأيبيرية.

قبل غرناطة، كانت بداية السقوط مع بامبلونا بشمال البلاد عام 748 ميلادي، ثم برشلونة عام 985، ولم يمض 12 عامًا حتى سقطت مدينة سنتياغو عام 997 للميلاد، وتلتها مدينة ليون بعد خمسة أعوام.

بعد أن هدأت ما تسمى “حروب الاسترداد” لما يقرب من نصف قرن، استُؤنِفت وسقطت مدينة سلمنقة عام 1055 للميلاد، وبعد تسعة أعوام تبعتها مدينة قلمرية عام 1064، وبعد توقف دام 19 عامًا سقطت مدريد عام 1084 للميلاد، وفي العام التالي نجح الملك ألفونسو السادس في انتزاع طليطلة من أيدي المسلمين.

لم تتوقف القوات الإسبانية عند غرناطة، إذ سرعان ما توجهت نحو بلدان شمال إفريقيا وسيطرت على مناطق عدة بينها مدينة مليلة المغربية عام 1492 في السنة التي سقطت فيها غرناطة، وقبلها سيطر البرتغاليون على سبتة المغربية عام 1415 مستغلين في ذلك انهيار قوة المغرب الأقصى.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

خرج آلاف المسلمين واليهود من الأندلس باتجاه الشمال الإفريقي واستقروا في مدن عدة، فرارًا من واحدة من أسوأ مجازر القتل والذبح والتعذيب في التاريخ، عُرفت بمحاكم التفتيش، التي لا تزال بعض متاحف إسبانيا تحتفظ بوسائل تنفيذها.

هذا الطرح مشابه للحالة الفلسطينية؛ اعتقاد مجموعة من البشر أن حقهم في العيش واحتلال الأرض على حساب أهل المناطق والشعوب، إذ نكَّلت محاكم التفتيش بسكان الأندلس وأجبرتهم على الخروج أو الاندماج بالمجتمع الجديد، وهذا ما يفعله اليهود بعملية التهويد والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وتهجير السكان المحليين وتُحوِّلهم إلى نازحين ولاجئين في المدن والعواصم المجاورة.

إبادة الهنود الحمر

الفلسطينيون والهنود الحمر

مع قيام أحداث السابع من أكتوبر وخروج شعوب العالم بمظاهرات في عواصم الدول، ظهرت على السطح موسيقى الموهيكنز –التي  تُعزَف على الناي– لآخر فرد من السكان الأصلين (الهنود الحمر)، التي تسقط الأحداث على ضرورة مقاومة الفلسطينيين وصمودهم حتى لا تحدث إبادة لهم كما حدثت مع الهنود الحمر داخل أمريكا.

الهنود الحمر حضارة ظهرت في أمريكا الشمالية عرفت باسم حضارة النحاس وحضارة الصيادين بالبر والبحر، لا سيما حول البحيرات الكبرى في كندا والولايات المتحدة الأمريكية. وكانوا يصنعون من النحاس آلاتهم بطرقه ساخنًا أو باردًا. لكنهم لم يعرفوا طريقة صهره ولا كيفية صبه في القوالب كما كان متبعًا في العالم القديم منذ سنة 1500 ق.م، وفي المنطقة القطبية الشمالية مارس الأمريكيون الأصليون صيد الأسماك والحيوانات. وحين استعمرهم الأوروبيون (في القرن الخامس عشر الميلادي) واجهوا تحديات كبيرة، ورغم أن بعضهم تعايش وتبادل التجارة مع المستعمر واستوعب تقنياته فإن المستعمر الأوروبي استولى على أراضيهم وعمل على إبادتهم في كندا وأمريكا.

كانت تسمى هذه القبائل: “أوننداجو” و”موهاك” و”شيروكي“. كما كانوا يعرفون جميعًا باسم الهنود الأمريكيين أو الهنود الحمر. وفي كندا كان يطلق عليهم عادة شعب “أبورجينال”. وحين وصل كريستوفر كولومبس) عام (1492 م) أرضهم، كان عددهم يقدّر ما بين 40 إلى 90 مليونًا. وحين جاء الإسبان وجدوا 50 قبيلة هندية في الغرب بما فيها “شعب بيبلو” و”كوماتش” و”بيمان” و”يمان”، وكانت لهم لغاتهم المتنوعة.

جلب الأوروبيون معهم الأمراض وسيلة للحرب البيولوجية، مثل الجدري والحصبة والطاعون والكوليرا والتيفود والدفتيريا والسعال الديكي والملاريا، وبقية الأوبئة التي كانت تحصد السكان الأصليين. كانت السلطات البريطانية توزع عليهم الألحفة (الأغطية) الحاملة للأمراض عمدًا بهدف نشر الأمراض بينهم. نرى كيف كانت الإبادة الجماعية لشعب كامل على قارة كاملة.

في سبيل تنفيذ سياسة قضم أراضي الشعوب الأصلية وابتلاعها، انطلقت موجات من الإبادة نفذها “شعب الله المختار” الإنجليزي أولًا، ثم لحقت به شعوب أوروبية أخرى. وإذا كانت المذابح الوحشية التي مورست على البشر، وحرق المزروعات والأشجار المثمرة، التي أبهرت بأنواعها وطرق زراعتها وووفرتها الغزاة البيض ممن نفذوا أوامر قادتهم مثل “جورج واشنطن” وسواه، وهي فصل الختام في إبادة ما يقارب من عشرين مليونًا من أصحاب الأرض الأصليين، فإن أساليب المراوغة والتضليل التي مارسها قادة المستعمرين/المستوطنين، قد عرفت نصب فخ “تبادل الأراضي” للهنود على يد الرئيس الثالث “جفرسون” ومن تبعه من رؤوساء، هذا الفخ الذي أعاد نصبه بعد قرنين من الزمن المستعمر الصهيوني الفاشي “إفيغدور ليبرمان” والطرح الصهيوني – الأمريكي بتهجير السكان الأصلين إلى مصر والأردن، ومن يختار العيش في فلسطين يُباد ويُقتل أو يُرَحَّل بالقوة.

من يتابع مشهد سقوط الأندلس والقضاء على السكان الأصليين ومشهد الهنود الحمر والإبادة الجماعية لهم، يرى وجه الشبه بين ما حدث في الماضي وما يحدث الآن، فعلينا توخي الحذر لقضية فلسطين حتى لا تصبح أندلسًا أخرى أو شعبها مثل شعب الهنود الحمر.

في النهاية نبعث رسالة اطمئنان لأن القرآن الكريم ذكر النصر لهم بقوله تعالى: }وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8){ الإسراء.

مقالات ذات صلة

محاكم التفتيش الفرنسية

يوم أكل الثور الأحمر

لماذا نرغب في إزالة دولة إسرائيل؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

الغزالي رشاد محمد الغرباوي

باحث دكتوراة بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان