العقل والتربية
خلق الله كل عضو ومَلكَة في الإنسان لهدف وغاية محددة، فالعين للإبصار، والأذن للسماع، واللسان للكلام والتذوق، واليد للأخذ والعطاء، والقدم للمشي، والجلد للإحساس، والعقل والقلب للتفكير والتأمل والخشوع، وهكذا الحال مع البقية، وأي تعطيل لواحدة من هذه الأعضاء أو المَلَكات أو استخدامها في غير غايتها وهدفها الذي خلقت من أجله يعتبر كفر بها، وسيحاسب الإنسان على تعطيلها وإهمالها حسابًا عسيرًا، قال تعالى: “إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)” سورة الإسراء.
ما هو العقل
العقل، تلك الهِبة والمنحة الربانية، التي تعتبر في مقدمة هذه الأعضاء والمَلَكات، بل هي الملكة التي تؤنسن بقية الأعضاء والمَلَكات، أي تجعل منها سيمفونية إنسانية راقية، ذات إيقاع متناغم، فالعقل (في مفهومه الواسع، الذي قد يكون القلب أحد مسمياته، أو قد يكون هو أحد مسميات القلب) قائد هذه الأعضاء والملكات إجمالًا، وهو مقُودٌ من منهج الله العظيم، في التصور الإسلامي، قال تعالى: “وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ”.
هذا العقل إذا عُطِّل، تعطلت بقية الأعضاء والملكات عن أداء دورها الريادي المرسوم، فهي تقوى بقوته وتضعف بضعفه وتتعطل بتعطله، حتى وإن رأينا هذه الأعضاء تعمل عملها الحيواني، فالعين تبصر والأذن تسمع، إلخ، فإنما هو بصر وسماع إلخ حيواني.
التكامل في الفكر التربوي
إذا صحَّ أنْ نتكلم عن مكوِّنات الإنسان من جسم وعقل وروح (والكلام هنا للدكتور فتحي ملكاوي)، فإنَّ من المؤكَّد أنَّ كل مكوِّن من هذه المكونات يحتاج إلى عناية تناسبه من وسائل التنمية والتربية والتزكية، فللجسم تربية ولها وسائلها، وللعقل تربية ولها وسائلها، وللروح تربية ولها وسائلها. وخاصية التكامُل في الفكر التربوي أنْ ينال كل مكوِّن من مكوِّنات الإنسان القدر اللازم له من التربية والتنمية والتزكية، وبالوسائل التي تناسبه.
حتى حين يقوم المتخصِّص في التربية الجسمية –مثلًا– بعمله في هذه التربية لشخص معين، فإنَّ عليه أنْ يكون واعيًا بأنَّ ذلك الشخص يحتاج إلى التربية العقلية، والتربية الروحية، فينتبه وينبِّه إلى ذلك، ويفسح المجال لما يَلزمهما، وربما يحتاج المتخصِّصون في جوانب التربية إلى أنْ يتعاونوا معًا في البحث عن طرق استكمال هذه الجوانب، بحيث يدعم جهد أيٍّ منهم جهود الآخرين. فهذه المكوِّنات يرتبط أحدها بالآخر، ويؤثِّر فيه، لكنَّ أيَّ مكوِّن منها لا يغني عن غيره.
ثلاثية احتياجات الإنسان
الفكر التربوي السليم يتعامل مع الإنسان كما هو في مكوِّناته المادية والعقلية والروحية، التي تحتاج كلٌّ منها إلى عناية ورعاية خاصة، وفي مشاعره وانفعالاته النفسية ومتطلَّباته، ولا يتعامل معه على أساسٍ يفتقد فيه جزءًا من طبيعته وتكوينه، كما هو في الواقع. وإذا كانت هذه التربية ترفض أنْ تكتفي بتدريب بدنه وعقله لأغراض أداء وظائفه في الدنيا، فإنَّها ترفض كذلك أنْ تكتفي بالنظر إليه بوصفه كائنًا روحيًا تثبت حالته على درجة من المراقبة الدائمة والصفاء الكامل.
إن الإنسان الفرد وحدة متكاملة، وقواه المختلفة موحدة الاتجاه، فهو ليس جسمًا مستقلًا بذاته عن الروح والعقل، وليس عقلًا منفصلًا لا علاقة له بالجسم والروح، وليس روحًا هائمة بلا رابط من عقل وجسم، بل كيان واحد متكامل الأجزاء.
إن التربية العقلية، المتمثلة في إعمال العقل وتوظيفه والتحدث بنعمة الله فيه أو عن طريقه، وكذا التربية الروحية، تشبه إلى حد بعيد التربية الرياضية، التي لا تتأتى إلا عن طريق ممارسة الألعاب الرياضية، ومثلها التربية العقلية التي لا تتأتى إلا عن طريق المران العقلي، وقريبًا منها التربية الروحية، التي لا يمكن تهذيبها إلا عن طريق الترويض الروحي. بمعنى آخر، يعتبر إعمال الحاسة أو المَلَكة سر بقائها وحياتها وقوتها واستمرار عطائها، وإن إهمالها وعدم تمرينها بصورة مستمرة يضعفها وربما يعطلها، فتصبح مشلولة أو عاجزة تمامًا.
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا