الفضيلة ومفتاح السعادة الإنسانية
كان هناك ثمة رابط قوي وهام عند اليونانيين الأقدمين بين الفضيلة والعمل والسعادة، فلا فاصل بينهم، حيث تتحقق السعادة “يودايمونيا eudaimonia” عند إتمام وإنجاز العمل “إرجون ergon” الجيد، ولن يتأتى الإنجاز الجيد إلا عند توافر الفضيلة “أريتى Arete”، وهكذا كانت الفضيلة لديهم هي مفتاح السعادة من خلال إنجاز عمل جيد.
التباين في تحديد مفهوم الفضيلة
وأمام هذا الربط الذي ابتدعه اليونانيون الأقدمون كان من الواجب الوقوف على حقيقة ماهية الفضيلة التي تجعل العمل أو الشيء جيدًا، وعند البحث في المصادر اليونانية القديمة وجدنا تباينا عظيما في وجهات نظر مشاهيرهم من الكُتّاب حول تحديد مفهوم الفضيلة، ومن ثم الأخلاق.
ولقد أتى هذا التباين نتيجة العديد من الأخلاق والأسئلة الافتراضية المُسبقة. وكانت تلك الرؤى والأسئلة تدور حول أسس الدافع الأخلاقي، ومن ثم السؤال: لماذا الأخلاق؟ وكانت هناك رؤية حول أساس الالتزام الأخلاقي، ومن ثم السؤال عن أية سلطة لها حق المطالبة بالالتزام الأخلاقي، وأخيرًا كانت هناك رؤية المعرفة الأخلاقية، ومن ثم السؤال عن كيفية التعرف على طبيعة الصواب والخطأ، وبالتالي هل يمكن تعليم الفضيلة؟
لقد كانت كل الأشياء المتشابهة لدى اليونانيين، البشر الحيوانات والآلات إلخ، يمكنها أداء العمل المكلفة به، ولكن الشيء أو الفرد أو الحيوان الذي يتمتع بالفضيلة هو الوحيد القادر على إنجاز الشيء بشكل أفضل من الآخرين.
وعند إتمام الشيء بشكل جيد فسوف تتحقق السعادة، وهكذا صارت السعادة لدى اليونانيين هي غاية وغرض “تيلوس telos” الأشياء والأفراد التي تتمتع بالفضيلة، ولهذا فلقد كانوا يحثون دائمًا على ضرورة إنهاء الأشياء بشكل جيد حتى تتحقق السعادة.
الشخص الفاضل
وهكذا امتد مفهوم الفضيلة لديهم إلى ما وراء الأخلاق، فهي حث على ضرورة الأداء الجيد للأشياء، أو ما يمكن وصفه بأن الفضيلة كانت دعوة ليقظة الضمير ومراعاته في عمل الأشياء، وإنجازها في أحسن صورة، وحينئذ تظهر الفضيلة “أريتى”.
يشعر الإنسان الذي يتمتع بفضيلة الإنسانية بالسعادة عندما يقوم بتقديم خدمة لصالح إنسان آخر، خاصة وأن جميع البشر متساوون ومتشابهون ولكن الذي يتمتع منهم بالفضيلة هو القادر على إتمام الأشياء بشكل أفضل من الآخرين، ومن ثم يمكنه حينئذ تحقيق السعادة لنفسه وللمستفيد من عمله.
وهكذا ووفقًا للمفهوم اليوناني عن الفضيلة، يكون الشخص الفاضل هو الشخص الذي لديه القدرة على العيش بامتياز، أي أن يعيش حياة إنسانية كاملة ومنتجة وسعيدة، فالخير الأخلاقي هو نوع من الخير الوظيفي.
مفتاح السعادة
وعلى هذا فلقد كان الفيلسوف سقراط يرى أن الإنسان يتمتع بوجود خمس فضائل أساسية وهي: الحكمة، الاعتدال، الشجاعة، العدل، وأخيرًا التقوى.
ولقد رأى الفلاسفة الثلاثة سقراط وأفلاطون وأرسطو، أن الإنسان يكفيه وجود وظهور فضيلة واحدة من تلك الفضائل حتى تتحقق الإنسانية ومن ثم السعادة البشرية، خاصة وأن الإنسان الذي يتمتع بفضيلة واحدة من تلك الفضائل فمن المؤكد أنه لديه باقي الفضائل، فالفضائل لا تنفصل.
فالشجاعة تُمكِّن المرء من الأداء الجيد في حالات الخطر، والعدالة تُمكنه من تنفيذ معاملاته بنجاح مع الآخرين، وهكذا. وعلى إثر هذا شقال اليونانيون بأن الفضيلة الكاملة هي مفتاح السعادة “يودايمونيا eudaimonia” في الحياة الإنسانية.
وبناء على كل ما تقدم يمكن تفسير سبب إقدام البعض على الإتيان بالأفعال الخاطئة رغم علمهم بخطأ ما يفعلونه أو تعارضه مع علمهم بضرورة الحض على الخير واتباع الصواب من الأشياء.
فمثل هؤلاء الأفراد لا يتمتعون بالفضيلة، وهى التي تحثهم على اتباع الصواب وترك الخطأ من الأشياء والأفعال والأقوال، ويرجع ذلك لضعف إرادتهم في تهذيب أنفسهم وتدريبها على انتهاج الفضيلة ومن ثم عمل الأشياء الجيدة حتى تتحقق لهم السعادة، فالسعادة هي غاية الإنسان في تلك الحياة الدنيا، ومن ثم الرضى في الآخرة بعد الموت.
اقرأ أيضاً:
السياج الأخلاقي القيمي وأزمة التربية العربية
دور حضارات الشرق القديمة في بناء الفكر الأخلاقي عند اليوناني
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.