مقالاترياضة - مقالات

الفراعنة في كأس العالم .. الوجه الآخر للعملة – الخسارة ليست نهاية القصة

بعد 28 عاما من الغياب، يتأهل منتخب مصر لبطولة كأس العالم التي تقام في روسيا لعام 2018م، أي بعد أن فاته ستة كؤوس عالم متتالية.

فرحة كبيرة عمت المصريين، المهتمين بكرة القدم منهم، والذين لا يعرفون ما الذي يعنيه المعلق الرياضي حين يصيح”تسلل”، ولا يفهمون”أوفسايد، هاتريك، فاول..” وغيرها من المصطلحات المستعملة في عالم كرة القدم، عم الفرح الجميع، وتحمس الجميع لتشجيع منتخب بلاده.

بدأت الاستعدادات الكبرى لمتابعة سير بطولة كأس العالم ، وتشجيع مصر.

شجع مصر في كأس العالم

انتشر هاشتاج”شجع_مصر” بشكل كبير، وصار جدول مباريات المنتخب، ومجموعته كالمواعيد المقدسة للمصريين، حتى الذين لم أعهدهم يظهرون أي اهتمام بكرة القدم، تابعوا بشغف مواعيد  مباريات كأس العالم .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أُلفت الأغاني الحماسية لتشجيع المنتخب، وانتشرت التحليلات الفنية لأداء كل لاعب، وتوقعات نتائج المباريات المختلفة.

راج سوق الفانلات الحمراء، واتخذ كل موقعه في المقهى، وحمَل والدته أمانة الدعاء للمنتخب في كل صلاة.

باختصار، بدأت حملة قومية من #شجع_مصر! بدأ الجميع وكأن قلوبهم اكتسبت نمطا جديدا في النبض يشملها كلها، ويحدده بالطبع حركة كرة القدم في الملعب!

تلك الاستعدادات الكبيرة؛ المادية والنفسية، صاحبتها آمال عريضة بإمكانية تأهل المنتخب للدور الثاني بعد دور المجموعات، خاصة مع وجود لاعب مثل محمد صلاح وسط صفوف المنتخب، حقق نجاحات كبيرة في آخر موسم له مع فريقه.

استعدادات كبيرة رافقها تعلق كبير، وحلم بدى ممكنا تحققه وقريبا!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الخسارة الصادمة

انطلقت شرارة البداية للبطولة، وكانت أولى مواجهات منتخب مصر أمام منتخب الأوروجواي، ليخرج المنتخب المصري خاسرا بنتيجة 1-0 لكن مقدما أداءً مشرفًا، حسب آراء المتابعين لكرة القدم والمختصين بالتحليل الرياضي.-

في الحقيقة ليس فقط مشرف، لكن دافع لتعلق الآمال بشكل أكبر للتأهل للدور الثاني، خاصة وأن تلك المباراة لم يلعب فيها محمد صلاح، اللاعب الذي تعلقت عليه الآمال العريضة، فكانت التوقعات أن يكون الأداء في المباراة التي تليها؛ مع المنتخب الروسي، أفضل من المبارة مع منتخب الأوروجواي وبالتأكيد تحقيق الفوز, وإلا فمن الصعب جدا جدا على المنتخب المصري التأهل للدور الثاني.

يتحدد موعد مبارة مصر وروسيا، ينتظر الجميع في قلق واهتمام كبير.

تبدأ المباراة فتبلغ القلوب الحناجر، يتابع الجميع، يجتهدون في الدعاء والابتهال إلى الله، تتسارع دقات القلوب والأنفاس، تبدو المبارة وكأنها نهاية العالم للمصريين، وكأنهم ينتظرون مصيرهم النهائي.

يتابع اللاعبون اللعب، وتستمر المباراة، تسعون دقيقة من القلق والتوتر, والترقب والدعاء, وقضم الأظافر والانفعال.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تنتهي المباراة بخسارة المنتخب المصري أمام نظيره الروسي بنتيجة 3-1، ليسقط كل شيء.

الآمال الكبيرة إذا خذلت، يتبعها إحباط كبير بالتأكيد!

سقط كل شيء، الأمل والحلم، والفرحة والشغف، والاهتمام وحب الوطن، عند غير القليل.

سقط كل شيء، حتى أن أحد المشجعين بعد نهاية المباراة، كان يرجو الله أن تنتهي حياته في تلك اللحظة!

إذا كنت مصريا، فإنك بالتأكيد إما عايشت تلك الحالة مع العائلة كلها، أو أحد أفرادها، أو عشتها بنفسك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تلك الحالة من المبالغة الشديدة جدا في التعلق بالفوز، للمبالغة الشديدة جدا أيضا في تصور نتيجة الخسارة.

عشت تلك الحالة، من الانتقال من تمجيد اللاعيبين وتعظيمهم، واعتبارهم أبطالا قوميين، للدعاء عليهم وسبهم واتهامهم بالتقصير الشديد وذبحهم بالانتقادات!

عاطفة أعمت عيوننا

تلك الحالة العاطفية الشديدة، التي للأسف أعمت عيوننا عن التفكير بمنطقية، والنظر للأمور بواقعية تسمح لنا بمعرفة قدرات منتخبنا، وأوجه القصور والخطأ والعيوب عند اللاعبين والاعتراف بها، والعمل على تصحيحها وتطويرها، حتى أنه في حوار بسيط دار مع أحد أفراد العائلة مهتم بكرة القدم، كان رأيه أن مدرب المنتخب لا يملك أي خطة للعب في الملعب، ومع ذلك تتعلق عليه آمال عريضة بأن يقود مصر للتأهل، لا أدري لأي حد علق المصريين الأمل، ربما حلموا بأن تفوز مصر بكأس العالم، وهو ليس مستحيلا، لكن كل خطوة تحتاج لمجهود، وقبل بذل المجهود تحتاج لدراسة ومعرفة كافية باحتياجات تلك الخطوة، وعوائق تنفيذها وكيفية التغلب عليها، ومدى احتمالية نجاح تلك الوسائل في التغلب عليها.

كل خطوة تحتاج لتفكير منطقي صحيح لكيفية التعامل معها، ولا تكفي العاطفة الشديدة، والحب الكبير، والآمال العريضة.

التفكير المنطقي الصحيح يحمينا من المبالغات في تصور قيمة بعض الاشياء، كأن يحمينا من تصور أن كرة القدم، وهي رياضة ووسيلة للترفيه، هي وجه الارتقاء الحضاري الوحيد، والنجاح فيها يعني النجاح كمجتمع في تحقيق الحلم المنشود.

ما هو الإنجاز الحقيقي ؟

لسنا ندعو لعدم الاهتمام بكرة القدم وغيرها من الرياضات المفيدة بالتأكيد، ولا نقلل من قيمة الإنجازات الرياضية، وما تمثله من رفع لشأن البلد واسمه، لكن ندعو للتفكر قليلا في معنى الإنجاز الحقيقي، ومعنى الحلم الحقيقي للمجتمعات وللإنسان، والغاية الحقيقية لكل سلوك نقوم به.

الإنجاز الحقيقي للإنسان أن ينتصر على نفسه، أن يكون إنسان أخلاقيا فاضلا تحكم سلوكياته القيم والمبادئ، ويكون العدل ميزان أفعاله، إنسانا عاقلا قادرا على التمييز بين الصواب والخطأ، والحق والباطل، يسعى لاستنقاذ إخوانه في المجتمع من الجهل وسوء الخلق، والظلم وضياع الهدف والغاية.

والإنجاز الحقيقي للمجتمعات، أن تكون أفرادها عاقلة، فاضلة، أخلاقية،عادلة.

وهذا ليس دربا من الخيال، الإنسان يميل لصاحب الخلق الحسن والمتسم بالحكمة، حتى في عالم الرياضة وعالم كرة القدم، اللاعب الخلوق الذي ينتصر للقيمة والمبدأ يصير أميرا للقلوب.

في النهاية، كلنا أحزننا خسارة منتخبنا في كأس العالم ، لكن ربما كانت تلك الخسارة جرس إنذار لنا لنعيد حساباتنا، ونراجع طريقة حكمنا على الأمور وتصورنا لها، ومكانها في أولوياتنا. ونتعلم أن نتجنب أن تحركنا العاطفة الشديدة والمبالغات.

ونتعلم أيضا أنه يمكن أن تجمع مجتمعا ما وشعبا ما حول حلم وهدف، وهذا ليس بالأمر المستحيل، لكن فقط يجب أن نختار بدقة هذا الحلم في المرة القادمة!

اقرأ أيضا :

صفقة القرن واتجاه العالم .. حول كرة القدم وما تشكله لنا من أهمية!

راموس ومحمد صلاح – عقدة النقص والتحايل على المنطق – هل هي مؤامرة ؟

السياسة والرياضة – هل نستطيع خلط الرياضة بالسياسة ؟ وما علاقة الفكر بالسلوك ؟

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة