الفاعل مستتر، ولكن تقديره… ؟!
في اللغة العربية تتكون الجملة الفعلية من فعل وفاعل ومفعول، أحيانا يكون الفاعل ظاهرا فنعلم أنه الفاعل كأن تقول (شرب محمدٌ اللبنَ) فقد علمت هنا بأن من قام بالفعل “أي الشرب” هو محمد ولا اعتراض في ذلك؛ فقد أظهرت الجملة أن محمدًا فاعل .
وأحيانا يكون الفاعل مستترًا ويعني أن هويته غير معروفة ويمكن تقديره، مثال ذلك أن تقول (شُرِب اللبنَ) فمن غير المعقول أن يكون من قام بفعل الشرب هو اللبن حيث أنه من المعروف أن اللبن جماد لا يملك حرية الفعل أو الحركة فكان من البديهي أن تعلم أن من قام بالشرب هو كائن يملك القدرة على الشرب حتى وإن اختلفت في تقديره بأن كان إنسانا مثلا أو قطة لكنك متأكد من أن هناك شيء أو مجهول قام بالشرب وأن من المستحيل أن يكون اللبن هو الشارب لعلمك بجموده.
استتار الفعل
ومما سبق يمكننا القول بأن استتار الفاعل ليس دليلا على عدم وجوده، بل هو موجود لكنه غير معلوم لنا لافتقارنا المعلومات التي ترشدنا إليه، فإذا كانت عملية التفكير “الفعل” قائمة فلا بد لها من “فاعل” مسئول عنها وهذا ما نتفق عليه جميعا، إلا أننا نختلف في ماهية الفاعل… هل هو فاعل ظاهر محسوس أم مستتر غير مرئي أو محسوس؟
يقول العلماء الماديون بأن المخ هو المسئول عن عملية التفكير، فمن خلال الوصف التشريحي للمخ وجدوا أنه يتكون من ملايين الخلايا العصبية المسئولة عن تخزين كل ما يمكن رؤيته أو سماعه أو الإحساس به بالشم أو اللمس ثم يقوم باستذكار ما يريده عند الحاجة إليه وربط كل ما له علاقة بما يريده للحصول على النتائج والاحتمالات إلى جانب القدرة على الإبداع أحيانا عند تعلم بعض المهارات التي تساعد على الإبداع.
وقد ربط أيضا العلماء المشاعر بالمخ وفسروا كيف أن الإنسان عندما يتأثر بأحد مسببات الفرح أو الحزن أو أي من المشاعر الأخرى فإن الجسم يرسل بعض الإشارات التي من خلالها يقوم المخ بإصدار أمر بإفراز بعض الهرمونات التي تؤثر على حالة الشخص فمثلا في حالات القتال يقوم بإفراز هرمون الأدرينالين الذي يسرع ضربات القلب ويزيد قوة العضلات فيشعر الشخص بالقوة التي يحتاجها في هجومه، وبذلك يتحكم المخ في مسألة الشعور أيضا.
هل المخ هو المحرك الأصلي للتفكير؟
لا يعترض عاقل على كون المخ قادرًا على تحليل المعلومات وربطها والتحكم بالمشاعر، لكن وبالرغم من كل ذلك إلا أن المخ ليس هو المحرك الأصلي والمتحكم في العملية التفكيرية، بل هو أداة تعمل وفقا لما تُبرمج له، ولنضرب مثلًا في ذلك: جهاز الكمبيوتر الذي يحتوي على كم هائل من المعلومات التي يستطيع جمعها وربطها والحصول على نتائج واحتمالات، فالكمبيوتر هنا وإن بدا أنه الفاعل إلا أنه تصرف طبقا لبرمجيات وبيانات أُدخلت إليه وطُورت ليستطيع الكمبيوتر أن يقوم بالربط والاستنتاج، ونستطيع القول بأن هناك شخصًا قد قام بالبرمجة والتطوير طبقا لقواعد وأساسيات في علم الصناعة أو البرمجة ثم أعطى الكمبيوتر الطرق التي يقوم فيها بالجمع والتحليل، فالكمبيوتر هو أداة مخصصة للحصول على نتائج واحتمالات بغض النظر عن سلامتها أو مطابقتها للواقع.
وبالمثل فإن المخ وبالرغم من كونه قادرا على القيام بالعمليات والنشاطات الفسيولوجية إلا أنه لا يخرج من إطار التفسير المادي للأشياء، فالمخ-كأداة مادية- يمكن التحكم فيه من خلال بعض الأدوية أو العمليات التي تؤثر على طبيعة عمله إما بالإيجاب أو السلب، فكيف يكون المخ هو المسئول عن العملية التفكيرية إذا أمكن التحكم فيه.
لذا كان لا بد من وجود قوى أخرى مجردة تسمو بذاتها عن كينونة المادة فتفسر ما لم تستطع العلوم المادية تفسيره، هذه القوى هي الفاعل الحقيقي المستتر الذي لا يمكن التحكم فيه أو التأثير عليه..
العقل هو الفاعل
الفاعل الحقيقي في هذه العملية هو ‘العقل’ تلك القوى التي تخرجنا من جزئيات المخ المعقدة للوصول إلى كليات الأمور وأصل الجزئيات، هي الشعور الفطري بالرحمة ورفض الظلم أو القسوة.. أو كما عرفه ابن رشد بأنه ‘ القوة النفسية المدركة للمعاني الكلية.
أنا لا أفرق بين كلمة “مخ” و “عقل” ولا أخلق صراعًا بين #التجريبيين”أصحاب الفكر المادي” والعقلانيين ولكني أوضح أن هناك ما يستحق الاهتمام أكثر، وأن معرفة الغرض من الوجود الإنساني تبدأ من معرفة حقيقته ..
لا تتبعوا الفكر المادي البحت ولا تهملوه تماما، ولكن اتبعوا الفكر السليم الذي يتحقق باستخدام كلٍ في محله.
للمزيد من المقالات طالع:
لم أجد السعادة إلا في عيون البسطاء .. ما علاقة البساطة بالسعادة؟ وكيف نسعد؟
العاطفة والعقل .. حرب لا تنتهي وصراع يصعب على الكثيرين حسمه
حمزة نمرة .. فنان ولكن ما تأثير أغنيته الأخيرة “داري يا قلبي ” ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.