إصداراتمقالات

الغاية لا تبرر الوسيلة

مقدمة

سبق وأن رأينا جميعًا معلمًا منوطًا بتربية الأطفال وتنشئتهم نشأةً سويةً يقوم بضربهم ضربًا مبرحًا. فهل كان يظن حينها أنه يقوم بارتكاب جرمًا أو حماقةً لا تغتفر؟ لا أظن. لكن يظل هذا التشوه الإنسانى الذى قد يصيب بعضنا محلأ للدهشة والتساؤل.

 كيف تحول ذاك الذى – من المفترض- يقوم على تربية الأولاد وغرس القيم والمبادىء بهم كى يصيروا مستقبلاً أسوياءً وأفرادًا فاعلين فى المجتمع نافعين لأنفسهم ولغيرهم من مختص بالتربية إلى وحش كاسر؟!

تأتى الإجابة على مثل هذا السؤال بذكر عدة أمور تتعلق بظروف الزمان والمكان والإمكانات والموارد ولكنها أيضا تتعلق بالمبادىء والأفكار الصلبة الراسخة فى أذهاننا التى تتحول فيما بعد لمواقف وسلوكيات حياتية.

“الغاية تبرر الوسيلة “

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اشتهر مكيافللى (يونيو21 1527  -مايو 3   1469  )  بهذه المقولة.  ويقول أكرم مؤمن فى ترجمته لكتاب الأمير لمكيافللى .”لذلك فقد ترددت قليلًا قبل الإقدام على ترجمة كتاب “الأمير” لنيقولا مكيافللى. وذلك لأن اسم مكيافللى فى حد ذاته لا يرتبط بأى معنى طيب فى ذهن القارىء العربى العادى، بل إن كثيرًا من القراء العرب والمسلمين لا يعرفون عنه سوى أنه صاحب مقولة “الغاية تبرر الوسيلة” وهى عبارة وردت في الفصل الثامن عشر من هذا الكتاب، ومعناها واضح وصريح، أى الوصول إلى ما نريد بأى طريق حتى وإن كان طريقًا غير شريف. فهى عبارة تجرد معنى الانتهازية فى أخس صورة”[1].

 وبدراسة التاريخ ومشاهدة العالم نجد تبلور فلسفات نفعية تقدس هذه الفكرة. ومما قد نلتمسه بيننا حتى فى أوساطنا المحيطة بنا ونجده فى أنفسنا وأقاربنا وذوينا، أنه إذا كانت لديك غاية معينة نبيلة فافعل ما شئت أو كما يقول البعض -أيضًا- مغالطين أو جاهلين “الضرورات تبيح المحظورات .”

المشكلة هنا ليس فى الجملة ذاتها ولكن فى تعميمها ثم ترسيخها كفكرة كلية صلبة أو بديهية يمكن الاحتكام إليها والقياس عليها. فإذا كنت تريد العدالة الاجتماعية؛ فلا ضير أن يصبح روبن هود نبيًا ومرشدًا حينها. وإذا كنت تسعى لزيادة الأرباح فلا ضير أن تمارس نشاطًا يؤذى أخاك الإنسان.

ولكن شتان بين الغاية والوسيلة! فالغاية تمثل المقصد النهائى من فعل أو عدة أفعال والوسيلة تتعلق بآلية التنفيذ.

مثال: يخرج الأب من بيته يذهب لعمله كى يأتى بأموال؛ فينفقها على ذويه.كانت الوسيلة هنا  هى البحث عن فرصة عمل والالتزام بها للحصول على أجر.أما الغاية فهى العدل مع الأبناء ورحمتهم وتعليمهم كى يكونوا سعداء.

انشغالنا بالوسائل والجزئيات ينسينا كليات الغاية

إلا أنه فى طور خوض كل تجربة فردية نجد الإنسان يتناسى وينسى ويتشتت بالجزئيات عن الكليات وبالوسائل عن الغايات فعندما يذهب طالبًا لدراسة الطب بهدف العلم والتعلم ومساعدة المرضى التى تصب فىي النهاية إلى غاية نبيلة وهى الرحمة، ثم يتحول سلوكه بسبب الروتين اليومى وغياب نظام الرقابة سواء كانت خارجية من بلده أو ذاتية بمراجعة النفس من فترة لفترة إلى سلوك يختلف تمامًا مع غايته في رحلته لتعلم الطب وممارسته ندرك حينها ذلك جيدًا.

فنجده قد لا يبال إن ارتفع سعر الفحص الطبى عنده دون النظر إلى مقدرة من أمامه على الدفع. نجده لا يبال بتعليم من هم أصغر منه ومن هم يجهلون ويتوقون أيضًا لتعلم كيفية مداواة أمراض الناس فبدلاً من أن كانت الرحمة هى غايته أصبح ذا أنياب ومخالب لا تسعى لرحمة المريض ولكن تسعى لاكتناز أساليب الطب واحتكارها من أجل اكتناز الأموال فيما بعد.

 والكثير من الأمثلة اليومية التى لا حصر لها والتى بمجرد تحليل بسيط لسلوكيات الناس لماذا يفعل فلان كذا وما هدفه وهل وسيلته تتفق مع هدفه؟ سنجد انشغالنا بالوسائل عن الغايات نفسها وسنجد مع الوقت تغير الغايات نتيجة لفساد الوسائل وغياب الرقابة الذاتية بالأخص.

فهل سنصل للعدل بوسائل ظالمة؟

وهل سنصل للرحمة باللامبالاة وعدم والاكتراث والقسوة؟

لا أظن.

————-

[1] كتاب الأمير لمكيافللى ترجمة أكرم مؤمن

حازم خالد

طبيب امتياز – كلية الطب جامعة المنصورة
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة