مقالات

العولمة (الجزء الثاني) – ثقافة التبعية وخلخلة المجتمع

في المقال السابق أوضحنا أن العولمة هو السيف المسلط على العالم من قبل الثقافة الغربية التي ترى في نفسها الريادة على فرض رؤية واحدة للحياة على كل المستويات الثقافية والاجتماعية وأيضا الناحية الاقتصادية والسياسية والإعلامية، أي جعل العولمة أسلوب حياة لكل سكان المعمورة وغير مسموحا لهم بتبني رؤية مغايرة،

اليد الناعمة

وعلمنا أنه بالعولمة يتحقق للدول الكبار السيطرة على العالم وعلى مصائر سكان هذا العالم، فالدول الغربية والتي كانت في التاريخ الحديث تُسمى بالدول الاستعمارية كان أسلوبها في السيطرة على الدول الأخرى هو الأسلوب العسكري والاحتلال وأُسميه “باليد الحديدية” لهذه الدول الغربية،

ولكن لنفس هذه الدول يد أخرى مخملية ناعمة لتحقيق نفس السيطرة دون استخدام القوة العسكرية وهى العولمة والتي تستخدمها في تاريخنا المعاصر لتحقيق السيطرة بأقل تكلفة ودون خسائر في الأرواح، إنها العولمة يا سادة “اليد الناعمة المخملية” للدول الغربية لتمرير ثقافتها للسيطرة على بقية الدول وسنتكلم عن مظاهر العولمة الأخرى الاقتصادية والسياسية والإعلامية.

من الناحية الاقتصادية

لو تكلمنا عن العولمة من الناحية الاقتصادية سنتذكر منظمة التجارة العالمية ” الجات ” وفكرتها تتمثل في فتح دول العالم أسواقها لبعضها البعض أمام مختلف السلع، وعلى الدول الموقعة على اتفاقية الجات “منظمة التجارة العالمية” الالتزام بشروط هذه الاتفاقية، ومنها  منع “نظام الحصص” فعلى الدولة المستقبلة للسلعة من دولة أخرى أن لا تحدد حصة معينة أو كمية معينة من السلع المستوردة من دولة أخرى كحماية لمنتجها الوطني حتى لا يزاحمها في السوق المحلي،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اتفاقية “الجات”

فإن ذلك من شأنه أن يمنع المنافسة بين الدول بالنسبة لمنتجاتها ،فالمنافسة هي المرجو تحققها من اتفاقية ” الجات ” ، كذلك يشترط في هذه الاتفاقية ألا يجوز العمل “بنظام التعريفة الجمركية” “الرسوم” فلا يجوز للدولة المستقبلة للسلعة المستوردة من دولة أخرى أن تفرض عليها رسوما جمركية وإن ذلك من شأنه رفع سعر السلعة المستوردة،

وبالتالي لا تباع في أسواق الدولة المستوردة رغم أن من شأن هذا الإجراء حماية المنتج الوطني من مزاحمة المنتج المستورد له ولكن في اتفاقية “الجات” هذا ممنوع حتى يتحقق المنافسة بين الدول في الاقتصاد وهذا ما تنشده اتفاقية “الجات”،

كذلك من شروط اتفاقية “الجات” المحافظة على “حقوق الملكية الفكرية” فلا يجوز لدولة تقليد صنع سلعة معينة من دولة أخرى وهذا موجه للدول النامية التي لا تمتلك التكنولوجيا لتطوير سلعها الصناعية فلا يحق لها الاستفادة من التكنولوجيا الغربية لتطوير سلعها فيما يعرف “بحق الملكية الفكرية” والمظلوم فيها الدول النامية. على كلٍ الدول النامية مظلومة ظلم بيّن في هذه الاتفاقية.

وعلى الرغم من عدم استعداد الدول النامية لهذه الاتفاقية؛ لأنها لا تملك التكنولوجيا اللازمة لتصنيع سلعها كما أن المنافسة ستكون في صالح سلع الدول الصناعية المتقدمة لجودتها العالية كما أنها ستتفوق على السلع الوطنية؛ لأنها ستكون بسعر أقل لأنها غير مفروض عليها رسوم جمركية وفوق ذلك ستكون بجودة عالية.

على الرغم مما سبق؛ على جميع دول العالم التوقيع على هذه الاتفاقية قبل البدء في سريان هذه الاتفاقية بشكل رسمي عام 2025 ويهدد من يمتنع من الدول عن التوقيع على الاتفاقية أنها ستُعزَل تجاريا ولن يتم التعامل معها اقتصاديا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كانت الدول الاستعمارية تحتل البلاد عسكريا لنهب ثرواتها وجعل هذه الأسواق سوقا لمنتجاتها، لم يعد هذا الأسلوب هو المُتبع الآن بل المُتبع هو الأسلوب الناعم اتفاقية “الجات” لإخضاع أسواق الدول النامية التي كانت مستعمرة من قبل لمنتجات الدول الصناعية الكبري التي كانت الدول الاستعمارية فيما سبق، إنها نفس الأهداف ولكن تحققها في المتناول بالعولمة.

“صندوق النقد الدولي والبنك الدولي”

من مظاهر الناحية الاقتصادية “صندوق النقد الدولي والبنك الدولي” وسياسة الإقراض المتبعة من هذه المؤسسات للدول المقترضة مقابل برنامج التقشف المفروض على الدول المقترضة لتحصل على القرض، ومن مظاهر التقشف إلغاء الدعم بكل مستوياته والخصخصة “بيع القطاع العام” وتقليل النفقات وزيادة الضرائب بهدف زيادة الإيرادات وتقليل المصروفات وغير ذلك من مظاهر برنامج التقشف،

هذه روشتة صندوق النقد الدولي والذي يخرج علينا بتقريره مدَّعيا أن الدول التي تتعامل معه يتحسن نموها الاقتصادي بفضل روشتته الاقتصادية ،وما هذا إلا دجل من صندوق النقد الدولي ولا ننسى إفلاس دول مثل البرتغال واليونان والأرجنتين التي تعاملت مع صندوق النقد الدولي.

لقد تكلم مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي قائلا؛ إن صندوق النقد الدولي يهدف إلى إرهاق الدول المقترضة بالديون ليسهل التحكم فيها والسيطرة عليها، مظهر من مظاهر العولمة لتحقيق السيطرة الاقتصادية. لقد ولى زمن الحروب وحل زمن السيطرة الناعمة للعولمة.

اتفاقية “بريتون وودز”

لا ننسى اتفاقية “بريتون وودز” والتي كانت بعد الحرب العالمية الثانية والتي جعلت الدولار الأمريكي عملة التجارة العالمية. الآن الدولار يتحكم في تسعين بالمائة من حجم التجارة العالمية ليتحقق للدولار وصاحبته الولايات المتحدة الأمريكية نصيب الأسد من الاقتصاد العالمي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وسنتكلم في المقال القادم عن باقي مظاهر العولمة.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

 

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة