مقالات

العولمة (الجزء الأول) – ثقافة التبعية وخلخلة المجتمع

سمعت هذه الكلمة أول مرة في حوار أجراهُ المحاور “مفيد فوزي” مع عدد من الفنانين كاشفًا من خلاله مدى ثقافة الفنان واطلاعه،

وكان ممّن طرح عليه سؤال عن معنى العولمة الفنان “محمد هنيدي” غير أنه طرح عليه السؤال بشكل يَنُم عن سخرية وكان جواب الفنان “محمد هنيدي” بشكل ساخر ولا أعلم هل هذا حقا جوابه؟ أو أنه اكتشف فعلا سُخرية “مفيد فوزي” وجاوبه بما يليق به قائلا له؛ “العولمة مش قصدك العالمة اللي بترقص في الأفراح؟!”

وبعدما سمع منه هذه الإجابة اندهش ثم انتقل بحواره في مشهد آخر للفنان “يحيى الفخراني” موجهًا له نفس السؤال عن معنى العولمة، فأجابه الفنان عن معناها من وجهة نظره، ثم علَّق المحاور “مفيد فوزي” عن الفرق بين الفنان المثقف والفنان الجاهل، وأن الفنان “يحيى الفخراني” من الفنانين المثقفين في الوسط الفني.

العولمة

العولمة أسلوب حياة من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، إنها تفرض على الإنسان أن يرى الحياة ويفسرها بمنظورها -هي -فقط لا بمنظوره هو المستمد من ثقافته وحضارته، العولمة بحق أسلوب حياة يفرض على الجميع على ظهر هذا الكوكب دون استثناء لنكون تبعا لمظاهر ثقافة وحضارة محددة سلفا.

من الناحية الثقافية

لو تكلمنا عن العولمة من الناحية الثقافية لكانت أفلام هوليوود خير دليل لمن يتابعون الأفلام الأمريكية -وأنا من المتابعين لها- تجد في غالبية أفلامها سخرية من ثقافات الشعوب الاخرى، وأن هذه الثقافات هي منبع شرور وموبقات هذه الشعوب غير السخرية من لغات هذه الشعوب ولا أكون مبالغا إذا قلت أنه لا يوجد فيلم إلا ويسخر من ثقافات ولغات الشعوب الأخرى،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فالصيني عندهم أبله، والروسي غشيم خشن في معاملاته لا يتمتع بلياقة الإنسان الغربي المتحضر، وأما العربي فحدث ولا حرج هو مرادف للجبن والغدر والخيانة والبربرية. وحتى الأوربيين لم يسلموا من سخرية “الكاوبوي الأمريكي” في أفلامهم.

كل دول العالم بالنسبة للسينما الأمريكية من ثقافات ناقصة حتى أنه ليخيل لك بعد مشاهدة هذه الأفلام؛ أن الرجل الأمريكي بثقافته منبع العقلانية والتحضر والتسامح وقبول الآخر، كما يصور نفسه في أفلامه أنه مركز هذا الكون! إنه يريد أن يرسخ فكرة عالمية الثقافة الأمريكية عن طريق الفن ويجعل منها أسلوب حياة.

من الناحية الاجتماعية

العولمة من الناحية الاجتماعية تعتبر من النوع الخطير لأنها تستهدف الأسر في الشعوب الأخرى؛ تستهدف تلك الكيانات الصغيرة التي تُشكل المجتمعات، والتي بدورها تستمد قيمها وأخلاقها وأسلوب حياتها من ثقافتها.

العالمية الاجتماعية التي تستهدفها العولمة لا تعترف بخصوصية الثقافات لهذه الشعوب. لا تعترف بحق هذه الثقافات في تشكيل أخلاق هذه الشعوب. هي لا تعترف إلا بالثقافة الواحدة؛ ثقافة العالم المتحضر الراقي والذي يقع على عاتقه كرسالة أن يتغلب على ثقافات الشعوب الأخرى المتخلفة ويرحل

مؤتمر السكان كأحدى مظاهر العالمية الاجتماعية

ومن مظاهر العالمية الاجتماعية ما يسمى بمؤتمر السكان الذي انعقد في القاهرة عام 1994 تحت رعاية المجلس القومي لحقوق المرأة والذي رفضه الأزهر الشريف والذي كان يريد إلزام الأسر المصرية بأمور مخالفة لثقافتها عن طريق قوانين في صورة اتفاقيات مُلزمة؛ كإباحة الإجهاض لكل الأعمار مما يكون وسيلة من وسائل التنمية؛

إذ يؤدي الى قلة عدد السكان وبالتالي ارتفاع مستوى المعيشة، والسماح بالحرية الجنسية للمراهقين والأطفال حرية مطلقة، وحق المراهقين في أن تكون لهم حياة خاصة وسرية مطلقة بعيدة عن رقابة الوالدين.

وأعطى المؤتمر الهمام مثلا لذلك بحرية البنت في أخذ حبوب منع الحمل بدون موافقة الأبوين ولا أدري أية تنمية مستهدفة من مثل هذه الكوارث إلا أنه السّم في معسول الكلام، ثم يعاون المراهقين والأطفال على تحقيق هذه الحقوق والمحافظة عليها من جانب الحكومات الموقعة على هذه الاتفاقيات.

هذان مظهران من مظاهر العولمة؛ تكلمت عليه في هذا المقال وبينت عن طريقهما أن العولمة أسلوب حياة تُفرض بقوانين واتفاقيات دولية، الويل كل الويل لمن يحيد عنها ويرفضها!  يُطرد من المجتمع الدولي ولا حق له في الحياة، وفي المقال القادم سوف أتحدث عن البقية من مظاهر العولمة.

 

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة