العنصرية المُستحقة .. عقدة الخواجة والعرق المتميز
فخ العنصرية
كنت اُتابع أخبار الرياضة بشكل عام، وبالتحديد كرة القدم كعادتي، حتى شاهدت خبر الاعتزال الدولي للاعب الألماني صاحب الأصول التركية “مسعود أوزيل” في بيان أصدره على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، وتوقفت عنده كثيرًا، لأن الخبر كان مفاجأة كبيرة من جهة أنه لاعب موهوب ولا يوجد مثله كموهبة في مركزه مع المنتخب، وأيضًا أنه لم يصل إلى الثلاثين من عمره إلا منذ شهرين تقريبًا، أي أنه في أوج عطائه، لكنه كان متوقعًا من جهة أخرى بسبب صورته هو واللاعب الألماني الآخر وهو أيضًا من أصول تركية إلكاي جوندوجان –أحد أهم لاعبي خط الوسط في المنتخب الألماني- مع رئيس جمهورية تركيا (رجب طيب أردوغان) منذ أكثر من أربعة شهور، وهذه الصور أغضبت كثيرًا رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم (راينهارد غريندل) حيث قال “إن اللاعبين سمحا لنفسيهما بأن يُساء استغلالهما لصالح حملة أردوغان الانتخابية”، مع أنهما لم يقصدا على الإطلاق هذا الأمر، وهذا ما أكده “إلكاي جوندوغان” بعدما رد قائلًا “لم تكن نيتنا إطلاق بيان سياسي مع هذه الصور، ناهيك عن القيام بحملة انتخابية”.
ومع تدهور العلاقات التركية الألمانية في العام الماضي بسبب أحداث كثيرة، لكنها لا تهم في هذا المقال لكي أسردها –وأنا لا أقصد الدفاع عن أحد بعينه على الإطلاق-، جاء رد الكثير من الشعب الألماني على هذه الصور حيث أبدى غضبه من تلك الصور وقالوا بأن على يواكيم لوف (مدرب المنتخب الألماني) ألا يستدعيهما إلى كأس العالم، وأنهما لا يستحقان ارتداء قميص المنتخب الألماني بعد الآن، بل حتى لا يجب عليهما أن يحملا الجنسية الألمانية، ناهيك عن صافرات الاستهجان من الجماهير الألمانية كلما لمسا الكرة في المباريات الودية قبل كأس العالم، كل هذا بسبب افتخارهما بأصولهما التركية التي جعلتهما يقبلان دعوة أردوغان عندما كان في لندن، والتقاط الصور معه.
وجاء البيان من مسعود أوزيل بعدما صمت كثيرًا على الهجوم العنصري الفج من الشعب الألماني عليه، وأهم ما قال فيه مع إعلانه الاعتزال الدولي “خلال طفولتي علمتني والدتي أن أكون محترمًا ولا أنسى أبدًا من أين أتيت، وما زلت أمشي على هذه القيم حتى يومنا هذا”، وقال أيضًا: “لم تدعني أمي أغفل عن سلالتنا وتراثنا وتقاليد عائلتي، بالنسبة لي كان امتلاك صورة مع الرئيس أردوغان لا يتعلق بالسياسة أو الانتخابات، بل كان يتعلق بي! باحترام أعلى منصب في بلد عائلتي، وظيفتي هي لاعب كرة قدم وليست وظيفة سياسية، ولم يكن اجتماعنا مصادقة على أية سياسات، في الواقع تحدثنا عن نفس الموضوع الذي نقوم به كل مرة نجتمع فيها “كرة القدم” لأنه كان أيضًا لاعبًا في شبابه، على الرغم من أن وسائل الإعلام الألمانية صوّرت شيئًا مختلفًا، إلا أن الحقيقة هي أن عدم الاجتماع مع الرئيس كان سيؤدي إلى عدم احترام جذور أجدادي، الذين أعرف أنهم سيفخرون بما أنا عليه اليوم”.
وقال أيضًا -بتصرف بسيط-: “منذ نهاية كأس العالم وغريندل (رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم) يحملني مسؤولية الأداء السيء للفريق، رغم أنه قد قال لي إن الموضوع انتهى، أنا أتحدث الآن لأنني أرفض أن يتم وضعي ككبش فداء لكل ما حصل، ولأن غريندل فشل بإنجاز مهامه، أعرف أنه أراد طردي من المنتخب بعد صورتي مع أردوغان، وقد أعلن ذلك عبر “تويتر”، بنظر غريندل أنا ألماني حين نفوز، وحين نخسر أصبح لاجئًا”.
وقال في معرض حديثه أيضًا: “رغم أنني أدفع الضرائب في ألمانيا، وأقوم بأعمال خيرية في ألمانيا وفزت بكأس العالم 2014، ما زلت مرفوضًا من قبل المجتمع الألماني، يعاملونني كأنني غريب، مثلت ألمانيا في مناسبات عديدة وفزت بجوائز باسم ألمانيا وما زالوا يعتبرونني غير ألماني، هل هناك معايير خاصة ومحددة كي أكون ألمانيًا وأنا غير مطابق لها؟ أصدقائي بودولسكي وكلوزة –وهما من أساطير المنتخب الألماني– لم يتم أبدًا تذكيرهم بأنهما ذوا أصول بولندية، لماذا أنا؟ هل لأني تركي؟ هل لأني مسلم؟ أظن أن هذه هي المشكلة، ولدت ودرست في ألمانيا، لماذا لا يتم اعتباري ألمانيًّا؟”
واستطرد قائلا: “هناك سياسيون أيضًا مشابهين لغريندل (رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم) هناك سياسي ألماني وصفني بالماعز المقيت، وهناك مسرحي ألماني طلب طردي إلى الأناضول حيث يتمركز عدد من المهاجرين، كما قلت انتقاد وتجريح عائلتي وجذوري هو خط أحمر، والاعتماد على العنصرية في التعاطي السياسي يجب أن يؤدي إلى استقالة هؤلاء الأشخاص، وهناك مشجع ألماني قال لي بعد مباراة السويد “ارحل أيها الخنزير التركي” هؤلاء يمثلون ألمانيا القديمة التي لا تتقبل أحدًا والتي لا أفتخر بها، أنا واثق أن هناك بعض الألمان المنفتحين الذين يتفقون معي”.
وقال في آخر بيانه –بتصرف بسيط-: “أما أنت ياغريندل فأنا محبط من تصرفاتك ولست متفاجئًا؛ في 2004 حين كنت عضوًا في البرلمان قلت إن تعدد الحضارات كذبة، كما قلت إن الإسلام بات منخرطًا كثيرًا في المجتمع الألماني وهذا أمر لا يمكن مسامحتك عليه، المعاملة التي تلقيتها جعلتني لا أرغب بارتداء زي المنتخب الألماني بعد اليوم، لهذا قررت اعتزال اللعب مع منتخب ألمانيا، كنت أرتدي زي ألمانيا بفخر في الماضي أما الآن فلا، هذا قرار صعب لكن التعدي على جذوري التركية وادخالي في بروبجندا سياسية هو أمر مرفوض، لا للعنصرية”.
الغريب أنني رأيت أحد مشجعي المنتخب الألماني من العرب -المُصاب بعقدة الخواجة- يتضامن مع المعاملة التي تلقاها مسعود أوزيل ويرى أنه يستحقها! بسبب مستوى المنتخب المتدني في كأس العالم وفي بعض مباريات التصفيات على حد قوله، وكأن مسعود أوزيل يتحمل الخسارة والإخفاق وحده! حتى وإن كان كذلك، هل يستحق أن يُعامل بعنصرية بسبب مستواه؟! وكأن هذا المشجع يُريد أن يقول بالخط العريض “إنها عنصرية مستحقة” –لأنها نابعة من الغرب- وكأن هناك عنصرية مستحقة! أقول لهذا المشجع العربي والسياسي والمسرحي والمشجعين الألمان الذين ذكرهم مسعود أوزيل في بيانه -أقول لهم- إن العنصرية قبيحة بشكل مطلق حتى باختلاف الزمان والمكان، فإن كانت العنصرية موجودة عند الشرق أو الغرب فهي قبيحة، وإن كانت منذ قرن مضى أو بعد قرن سيأتي، فهي قبيحة.
وما أكثر المصابين في مجتمعنا العربي بتلك العقدة –عقدة الخواجة-، فيُشاهد موضة ملابس وطريقة للرقص على أغنية معينة –تحدي “كيكي”- وأسماء معينة لتسمية الأبناء، أو يعتبر الشيء القبيح قبيحًا لأنه في مجتمعنا، لكن إن كان في المجتمع الغربي فهو حسن بالتأكيد، ويُنشِئ العشرات من المبررات لكي يُبرر لهم أكثر مما ينشِئ المجتمع الغربي للتبرير لنفسه!
والعنصرية الرياضية في الغرب كثيرة جدًا ومن كثرتها لا يوجد حصر حقيقي لها، فعلى سبيل المثال لا الحصر على الإطلاق، منذ بضعة شهور فاز منتخب فرنسا بكأس العالم، ومن المعروف أن أغلب لاعبي منتخب فرنسا هم من أصول أفريقية وعددهم خمسة عشر لاعبًا، وهؤلاء اللاعبون هم من الأفضل في منتخب فرنسا، كأمثال اللاعب نغولو كانتي وهو من أصل مالي، واللاعب بول بوجبا وهو من أصل غيني، واللاعب كيليان مبابي وهو من أصل كاميروني، وبعد مجهوداتهم التي كانت من أهم الأسباب في الفوز بكأس العالم، نرى صورًا كثيرة لهم في “باريس” عاصمة فرنسا، وهم في الخط الخلفي عند التصوير، لأنهم أصحاب بشرة سمراء!، وبعدها بعدة أيام تأتي المجلة الفرنسية “شارلي إيبدو” بكاريكاتير تسخر فيه من اللاعبين الفرنسيين أصحاب الأصول الإفريقية برسمهم على شكل قرود، وأحدهم يمسك كأس العالم بيده ويقول هو والبعض بأنها “موزة”! وآخرون يقولون بأنها “برتقالة”!، وكأن لهم عقولًا صغيرة لا تفهم أو كأنهم حيوانات ليس لها عقل أصلًا.
وفي خبر آخر صاعق أكثر قبحًا مما قبله، وفي تطور للأساليب الغوغائية العنصرية، فئة من جماهير توربيدو موسكو (درجة ثانية) تتظاهر ضد تعاقد فريقها مع لاعب صاحب بشرة سمراء، وتطالب بإبقاء العرق الأبيض فقط!، وبعدها بثلاثة أيام وفيما يمكن وصفه بانتصار مؤلم للأفكار العنصرية المتخلفة، أعلن هذا النادي أنه فسخ عقد لاعبه إيرفينج بوتاكا صاحب البشرة السمراء، وبرر النادي ذلك بقوله “خفض التكاليف”!
وما أكثر اللاعبين أصحاب البشرة السمراء الذين تعرضوا للعنصرية بشكل بشع في ملاعب أوروبا، وعلى رأسهم اللاعب الإيطالي صاحب الأصول الغينية ماريو بالوتيلي الذي كان صاحب الفضل الأساسي في تأهل منتخب إيطاليا لنهائي كأس أمم أوروبا بعد أن سجل هدفين بمجهود فردي في نصف النهائي ضد المنتخب الألماني، ومن بعدها لا يذهب عامُ قبل أن يُعاني ماريو بالوتيلي من العنصرية! ويُرمى عليه الموز في الملاعب، وكثيرًا ما ترك الملعب في وسط المباريات بسبب تلك العنصرية! دائمًا ما نرى في بداية المباريات الشعار الذي يقول “لا للعنصرية” لكن من الواضح أننا لا نرى هذا الشعار إلا على هيئة بضع كلمات في التلفاز فقط!
أنا لا أقصد على الإطلاق أن العنصرية موجودة عند الغرب كلهم، ولا أقصد على الإطلاق أن الغرب كلهم سيئون وكل صفاتهم سيئة ولا يأتي منهم إلا القبيح، حتى النظرة التي تسيء فقط للغرب في سبيل إعلاء قيمة الشرق، فأنا ضدها لأنها نظرة عنصرية وغير عادلة، لكني بالطبع ضد عقدة الخواجة وضد كل تفكير يقود إلى وصف كل شيء غربي بأنه ملائكي لمجرد انه غربي! وأن كل ما يأتي منهم هو بالتأكيد حسن وأنه يجب تطبيقه ولا يقبل التعديل أو حتى النقاش فيه!
اقرأ أيضاً:
كن مثل بلال – أزمة الفوضى الفكرية في عقول شبابنا.. كم بلال يعيش بيننا اليوم ؟
تنشئة الأجيال الجديدة وعملية التعليم – المعلم الفاضل يبني إنساناً للمجتمع