مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

العقل والغريزة .. والقائد المسيطر

حينما نتعرض للكلام حول العقل والفرق بين الإنسان والحيوان فى نعمة العقل يتبادر إلى ذهن البعض أسئلة حول كيف يكون الحيوان بلا عقل مفكر وهو يستطيع أن يعرف أطفاله وأن يعرف الطريق وأن يتزاوج وأن يعيش فى جماعات، أو أن يخطط للصيد والهجوم على الفريسة بشكل دقيق بل إنه فى بعض الأحيان قد يتعلم منه الإنسان بعض التقنيات كالصيد وغيره، ولكننا نجيبهم بأن ما يملكه الحيوان هو ما يسمى بالغريزة وليس عقلا مفكرا مثل عقل الإنسان، فيعتقد البعض أنها جزء من العقل أو أنها تماثل العقل ولكننا فى مقالنا هذا سنستوضح الأمر معا.
إن العقل والغريزة يختلفون من جهات عدة:-

أولا: من جهة إدراك الواقع:

إن العقل لكي يدرك الواقع يحتاج إلى الاستعانة بالمقدمات لاستخراج النتائج وقد يخطئ وقد يصيب بحسب صحة أو خطأ تلك المقدمات، هذا غير تأثيرات أخرى على العقل مثل الغضب والشهوة والموروثات وغيرهم من موانع تتعرض للعقل وتؤثر فى نتائجه الصحيحة وقد تنحرف به عن الصواب وإدراك الواقع.
أما الغريزة فهى تعتبر السلوك الفطرى وهى هداية فطرية فى جميع بنى الحيوان بما فيهم الإنسان وهى لا تخطئ أبدا ولا تدرس ولا تمارس ولا تكتسب بالتعلم.

ثانيا: من جهة الأسلوب العملى والأسلوب الغريزى:

فى العقل نجد الإنسان يمتلك أفكارا وأساليب مختلفة فى إدارة شؤونه وتنظيم حياته فنجد نظما تعليمية وحكومية مختلفة لكل بلد، وتفكيرا خاصا لكل شخص بحسب أفكاره.
بينما بالغريزة نجد مثلا النحل فى كل العالم له نظام واحد فى اختيار الملكة وفى تكوين منازلهم على شكل سداسى محدد، أو النمل الذى يعتمد التعاون فى بناء منازله كما يعتمد نفس النظام بدقة فى كل العالم، وإذا نظرنا إلى كل نوع مختلف من الحيوانات نجد أن نفس النوع فى كل العالم له نفس الطرق فى التعايش والأسلوب ونمط الحياة والتناسل.

ثالثا: العواطف والمشاعر بين العقل والغريزة:

هى علاقة تكامل لأن الأصل فى سعادة الإنسان أنها ليست معتمدة على عقله فقط، والعقل له دوره المرشد والدليل إلى الكمال والسعادة التى ينشدها الإنسان ولكن العاطفة تعمل كدافع ومحرك، فلو أن العقل هو أساس السعادة فمثلا المحبوب الذى يسبب لنا السعادة والعاطفة هى التى تقوم بدور الداعم لقرار العقل وتعطى الطاقة والحيوية للعلاقة وتساعد على الترابط العميق مثل التضحيات والحب والحنان  والإيثار والوفاء وغيره.
فتدعم  القرار العقلى بالاتجاه صوب الفعل لجلب وتحقيق السعادة واستمرارها.

أما الغريزة فهى مخلوقة كذلك تعطى من الحب والحنان والرعاية بلا  احتياج لداعم  ولا تفكير او تخطيط مسبق  فهى تنطلق صوب الفعل لأنه من طبيعتها  مثال غريزة القطط فى الحفاظ على اطفالها  او حمايتهم وكذلك هذا دور الغريزة فى الانسان تجاه اطفاله يحميهم ويحبهم بلا تفكير مسبق  فالعطف والمشاعر  هنا لا يحتاجها الانسان لتعمل كداعم او غيرة لأنها جزء من عمل الغريزة فبطبيعة الحال  يحب اطفاله  وبطبيعة الغريزة حتى وان لم يكن عاقلا كالحيوانات فهو يحمى اطفاله من المخاطر .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

رابعا : الأوامر والنواهى الربانية :

إن العقل لديه الحرية فى الاستجابة لما يؤمر به أو يرفضه حتى إن ثبتت صحته نصا؛ لأن العقل مربوط بحرية الفرد فى التنفيذ، وهذا ما يميز الإنسان كمخلوق عن باقى المخلوقات؛ فالحيوانات التى خلقت معتمدة على الغريزة ليس لديها اختيار فى أن تنفذ تلك القوانين الغريزية التى خلقت عليها وإنما هى جزء من جبلتها التى جبلت وخلقت عليها.

خامسا: حدود التكامل بين الغريزة والعقل:

إن للتكامل المختص بالغريزة حدودًا ثابتة لا تتعداها مهما تطورت الحيوانات
فمثلا بعض نوعيات الحيوانات الراقية القابلة للتعلم والتربية قد تظهر تطورا ملحوظا فى بعض الغرائز بالتربية، ولكن لا شك أنه لن يأتى اليوم الذى نستطيع تربية الحمار مثلا على حضور مؤتمرات علمية، أو أن تتطور القردة لدرجة إنشاء كوكب خاص وتتكلم وتتفكر كما تخيلت أفلام هوليوود، أو أن تصل لاختراع نووى ليجتمع بعدها العالم الإنسانى من أجل وقف خطر كوكب القرود النووى علينا!

وأما التكامل العقلى فله مراتب مختلفة يسعى فيها الإنسان وليس لها حد معين؛
فكلما تقدم وجد المجال مفتوحا أكثر فأكثر ولذلك يخطو الإنسان فى مجال التقدم والتطور خطوات واسعة على شتى الأصعدة العلمية والفكرية وفى شتى المجالات من يوم وجوده على الأرض وإلى وقتنا هذا، ولم نرَ الحيوانات تفعل مثلما فعل
بل نراها ما زالت على نفس الحد الذى وجدت عليه ولم تترقَّ بعيدا عن غريزتها المحدودة منذ قرون بل منذ بدأت الحياة على الأرض.

سادسا: التنمية والتربية بين الغريزة والعقل:

إن العقل يتطور ويترقى فى مراتب الكمال بالتربية والتنمية الفكرية،
فتتعدد مواهب الإنسان وتتغير وتختلف وتتنوع ثقافات وأفكار الشعوب والأفراد
بينما الغريزة لا تستطيع فعل ذلك، بل تنمو مع نمو الحيوان بشكل طبيعى دون احتياج للتربية ولا للتعليم.
ونستطيع أن نستخلص من مقالنا هذا أن الفرق بين العقل والغريزة هو:
أن الغريزة بالنسبة للحيوان هى الدليل والمرشد، وأن درجة كمالها ثابتة وهى على وتيرة واحدة، لا تترقى ولا تتطور ولا تحتاج للتربية والتنمية.
وأما العقل فهو قائد الإنسان ودليله، ويسعى بالإنسان إلى الترقى فى مراتب الكمال ويعتمد فى ذلك على التربية الصحيحة والتنمية الفكرية السليمة.

اقرأ أيضا:

القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)

القلب والعقل – كيف نحل الصراع بينهما ولمن تكون الحاكمية على الأخر ؟

العاطفة والعقل .. حرب لا تنتهي وصراع يصعب على الكثيرين حسمه

رحيل محمد

عضوة بفريق بالعقل نبدأ بالقاهرة