العقل الجمعي… رأيك أم رأي مجتمعك؟
فقط نريد أرضًا ثابتة للوقوف عليها، عندما تلتبس على العقل الأمور؛ فصوت الجموع لا يستطيع أن يعطينا الإجابة عندما تأكلنا الحيرة بشأن أمر ما، ولكن هناك صوت يصارع بداخلنا ويقول “إنك إن خالفت آراء الجموع تهلك!” إن صفّق الناس فصفق مثلهم، إن هتفوا للزعيم فكن مع الهاتفين، وإلا بلعتك دوامة الصمت الطويل، هم يمشون على هذه الطريقة لسبب لا تعلمه، ولكن عليك أن تواصل مسيرتهم لأنه لا يعقل أن يضل كل أولئك وتصيب أنت! وإن رأيت بأم عينيك أن ما قالوه لك ما كان غير زييف فلا تصدق عيناك، أتحتكم لجموع أعينهم أم عيناك؟!”
هذا الصوت الذي يملي عليك أن تكون مثل الجميع، وتجعل رأيك مماثلًا للرأي العام، من دون أن تبحث عن العلة وسبب هذا الرأي أو الفعل الذي تقلده، فهذا ما يُعرف “بتأثير العقل الجمعي على الفرد” وهو ما يتم في الكثير من القضايا والأمور!
كم مرة شعرت بالخوف بأن تقول رأيك لأنه كان عكس رأي أغلب الناس!
كم مرة ترددت في قرار ما، ثم في النهاية حسمت أمرك بناء على معيار ما يراه الناس، بغض النظر عن دراسة القرار نفسه إذا كان صوابًا أم خطأ؟ فهذه الأمور تحدث مع معظمنا، وذلك يرجع نتيجة لتأثير “العقل الجمعي” على سلوك الفرد.
ربما يكون أغلبنا قد سمع بذلك المصطلح من قبل، ولكن هل ندرك إلى أي مدى تؤثر تلك الظاهرة في حياتنا؟
ولتوضيح مفهوم العقل الجمعي بشكل عملي، نستعرض باختصار تجربة تم إجراؤها في عيادة ما لكي يتم توضيح مدى تأثير العقل الجمعي على الأفراد…
كان هناك مجموعة من الأشخاص، قد تم الاتفاق معهم للجلوس في غرفة انتظارالعيادة، وكانوا قد اتفقوا معهم سالفاً أنهم إذا سمعوا صوت جرس معين، فعليهم أن يقفوا فور سماعهم لذلك الجرس، ثم يأتي شخص واحد حقيقي يدخل إلى غرفة الانتظار، ويجلس وهو لا يعرف شيئا عن التجربة، في البداية عندما وجد جميع الأشخاص يقفون مع صوت الجرس تعجب لذلك! ولكن مع الوقت بدأ بالوقوف معهم عندما يرن الجرس مع أنه لا يعرف لماذا يقفون بالأصل!
ثم يقوم القائمون على التجربة بإفراغ غرفة الانتظار من الأشخاص المتفق معهم على الوقوف ويتركون الشخص الذي لا يعلم شيئًا عن التجربة بمفرده، إلّا أن ذلك الشخص يستمر بالوقوف مع كل رنة جرس! وعندما انضم له أشخاص جدد لا يعرفون شيئًا عن التجربة، ورأوه وهو يقف بدؤوا أيضًا بالوقوف معه عندما يرن الجرس ومن دون أن يعلموا سببًا لذلك!
قد يبدو الأمر في ظاهره مضحكًا، لكن تفسيراته واقعيًا لو قمنا بالتركيز عليها لوجدناها مخيفة!
فالعقل الجمعي هو عبارة عن ظاهرة نفسية تجعل الشخص يقلد المعايير السلوكية المتفق عليها من قبل جماعة ما أيًا كان مصدرها.
قد يكون للأمر جانب إيجابي، عندما تكون تلك المعايير سليمة، ولكنه أيضًا له جانب كارثي عندما تكون تلك المعايير خاطئة.
ولكن الفكرة هنا أيضًا ليست في المعايير فقط ومدى صحتها، بقدر ما هي أن الشخص عليه أن يُعمل عقله بشكل فردي عندما يتعامل مع معايير الجموع؛ لأنه لو أوقف عقله بقصد أو بدون قصد سيسير تحت مخطط لم يخطط له بنفسه.
ولأنه و مع الوقت وتحت تأثير العقل الجمعي، يتحول السلوك من مجرد تقليد، إلى سلوك شخص مقتنع به ويشعر بالأمان وهو يفعله.
ونجد الأمثلة الواقعية على الأمور التي يتم فيها استغلال الناس عن طريق العقل الجمعي كثيرة، سواء في الحروب أو في الإعلام والتسويق لأفكار معينة وأمور أخرى.
وتبقى الفكرة الأهم أنه لزامًا علينا دائمًا، عندما نأتي لنكوِّن رأيًا عن أي شيء، فعلينا أن نسأل أنفسنا هل هذا الرأي يمثل أفكارنا وقناعاتنا نحن من داخلنا، أم أن ذلك رأي مجتمعنا ولكننا غير مدركين لذلك؟!
اقرأ أيضا:
القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)
لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه
حرب بين عقله وقلبه.. هل من سبيل لحل الصراع ؟