علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

الطب النفسي الإيجابي .. الجزء الأول

يعرف الطب النفسي الإيجابي بأنه “نظام علمي تطبيقي ضمن التيار العام للطب النفسي، يستهدف مباشرة تبني نموذج التدخلات العلاجية الإيجابية التي يمكن بموجبها تنمية طيب الحياة وتعزيزها والهناء فيها والصحة النفسية الإيجابية بالاستفادة من العوامل النفسية الاجتماعية وتعظيمها”، ومن ثم فالطب النفسي الإيجابي وفي تحليله النهائي انتقال من محض التركيز على تمكين المضطربين نفسيًا من تحقيق التعافي الإكلينيكي بدلالات النموذج المرضي أو الباثولوجي إلى تحقيق التعافي الشخصي والازدهار في الحياة وفقًا لدلالات نموذج “التمكين والارتقاء”، بتقييمات نفسية وتدخلات إكلينيكية وتحسين العافية السلوكية والنفسية. ويتوجه أنصار الطب النفسي الإيجابي إلى دمج مبادئ علم النفس الإيجابي وقضاياه مثل: الصمود والحكمة ومعنى الحياة لمساعدة الأفراد، ليس فقط على إدارة الاضطرابات النفسية بل أيضًا تحقيق الازدهار ومستوى مرتفع من الأداء النفسي الوظيفي الإيجابي.

ما هو علم النفس الإيجابي؟

علم النفس الإيجابي فرع من علم النفس يركز على الدراسة العلمية الموضوعية لمكامن القوة والفضائل الإنسانية والسلوكيات الإيجابية، التي تساعد الناس على عيش حياة هادفة بناءة ومرضية. وعند تطبيق علم النفس الإيجابي في بيئة العمل فإنه يستهدف أساسًا تمكين الناس من “التحرك” فيما يتجاوز مشاعر حسن الحال وراحة البال والرضا الوظيفي إلى “الازدهار” في بيئة العمل، بما يعبر عنه بالارتقاء الوظيفي وزيادة معامل الإثمار والإنتاجية، وفي الوقت نفسه الرضا والطمأنينة والارتياح والعلاقات بين الشخصية الإيجابية، الأمر الذي يفضي بالتبعية إلى تحسين الأداء الفردي والتنظيمي.

وقيل من زمن طويل إن العاملين السعداء أكثر إنتاجية وإثمارًا في بيئة العمل، ومع ذلك لم نفهم دائمًا مدى تأثير الرضا عن العمل على أداء الموظفين وإنتاجيتهم. والحقيقة أن للرضا تأثيرًا كبيرًا: فقد وجدت دراسة حديثة أن العمال السعداء أكثر إنتاجية بنسبة تصل إلى 20% من أولئك الأقل رضا.

وعلم النفس الإيجابي فرع حديث نسبيًا من علم النفس لم ينشأ إلا في أواخر القرن العشرين، يُعترف فيه بإسهام أحد علماء النفس وهو مارتن سيليجمان على نحو كبير في تأسيس هذا المجال وتطويره، وبخاصة عن طريق نموذج واحد طوره يعرف باسم نموذج بيرما (PERMA)، وهو نموذج علمي للسعادة تحدد بموجبه العوامل والعناصر المطلوبة لعيش حياة هادفة وبناءة.

ويلقي المقال الحالي الضوء على ماهية علم النفس الإيجابي بمزيد من التفصيل، وكيف يمكن أن يؤثر على الأداء في بيئة العمل، مع وصف نموذج (PERMA) وفوائد علم النفس الإيجابي، فضلًا عن مناقشة أمثلة علم النفس الإيجابي وتدخلاته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وعلى ذلك يتضمن المقال الحالي العناصر الأساسية:

  1. ماهية علم النفس الإيجابي.
  2. أمثلة لموضوعات علم النفس الإيجابي.
  3. نموذج بيرما: تعريفه وأبعاده.
  4. فوائد علم النفس الإيجابي.
  5. تدخلات علم النفس الإيجابي.
  6. علم النفس الإيجابي: تدريبات وفنيات.
  7. استخدام علم النفس الإيجابي لاكتشاف معنى الحياةوالغرض منها.

وفيما يلي تناول موجز لهذه العناصر:

ماهية علم النفس الإيجابي:

علم النفس الإيجابي “الدراسة العلمية للجوانب الإيجابية في الخبرة الإنسانية والوجود البشري”. وتجدر الإشارة إلى أن علم النفس الإيجابي لا يحصر دراسته في نطاق موضوعات السعادة والإيجابية، بل يتعلق بجميع جوانب الخبرة الإنسانية لتكوين حياة مرضية وجديرة بأن تعاش، مثل الاهتمام بدراسة قضايا الرضا عن الحياة وتحقيق الذات والابتهاج في الحياة.

يفيد مارتين إلياس بيتر سليجمان أب علم النفس الإيجابي ومؤسسه بأن علم النفس الإيجابي يأخذنا في مكانة عاليًا في الحياة، إذ يعبر بلغته عن هذا المعنى بقوله: “يأخذك علم النفس الإيجابي عبر ريف المتعة والرضا، إلى أعلى بلاد القوة والفضيلة، وأخيرًا إلى قمم الوفاء الدائم والمعنى والغرض”.

تجدر الإشارة إلى أن أهمية علم النفس الإيجابي تأتي من أن التركيز على دراسات الشعور بالرضا عن الحياة وعيش حياة ذات معنى أمر بالغ الأهمية لجميع البشر. فإذا لم نشعر بالرضا أو الإنجاز، فمن المرجح أن نشعر بالغضب والقلق والاكتئاب، وغالبًا ما تؤدي هذه المشاعر إلى نتائج صحية سلبية.

ففيما يتعلق بالعمل على وجه الخصوص فإن الشعور بالرضا يشكل أهمية خاصة، نظرًا لأن الناس يقضون ثلث حياتهم على الأقل في العمل. وطُبِق في السنوات الأخيرة علم النفس الإيجابي ومورِس على نحو متزايد في بيئات العمل بسبب مجموعة من الفوائد، بما في ذلك زيادة مشاركة الموظفين في عملهم وقلة احتمالات غيابهم. كما أن الموظفين الأكثر سعادة أقل عرضة لترك العمل.

ومن بين الفوائد الخاصة لعلم النفس الإيجابي في بيئة العمل أنه يعزز الأداء الفردي، ومن ثم الأداء التنظيمي، ويرجع السبب في ذلك أن الموظفين كلما زاد رضاهم، زادت إنتاجيتهم عمومًا وزادت الجهود التقديرية التي يبذلونها. ومن المرجح أيضًا أن يكونوا أكثر ابتكارًا وأفضل في حل المشكلات.

يتبع…

مقالات ذات صلة:

علم النفس الإيجابي في مخططات عامة

تعريف التفكير في علم النفس وأنواعه وخصائصه

الرضا عن الحياة (مفتاح للسعادة الشخصية)

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د . محمد السعيد أبو حلاوة

اختصاصي الصحة النفسية والإرشاد النفسي، كلية التربية جامعة دمنهور