الصبر مواجهة – الجزء الثاني
ختمنا المقال السابق بسؤال حول واقعية الصبر بمعنى المواجهة، فقد يرى البعض أن هذا الطرح لمفهوم صبر المواجهة غير واقعي معللا ذلك بعدم تحقق نتائج وأهداف الإنسان الصابر بالمفهوم الإيجابي، بينما في المقابل قد يحقق المحتل بعض من أهدافه أو كل أهدافه، أو قد لا يستطيع الإنسان التغلب على مشكلاته المختلفة بالمواجهة.
المواجهة ليست سهلة والنتائج ليست مباشرة
الإنسان المفكر الصابر يمتلك وعي واقعي لا يغتر بنفسه ولا يقلل من خطر عدوه ومواطن القوة التي يمتلكها، سواء كان هذا العدو محتل أو بعض العادات التي يصعب التغلب عليها بسهولة نتيجة تعود النفس عليها، وقد يكون العدو هو الموروث الاجتماعي الخاطئ من عادات وتقاليد سلبية مثل عادات الزواج المبالغ فيها، نمط المعيشة الاستهلاكي دون تدبر، أو تأثير وسائل الإعلام على سلوكيات الأبناء والعلاقات بين أفراد المجتمع.
فهو يدرك أن المواجهة ليست سهلة، والنتائج فيها ليست مباشرة بل تراكمية، وذلك لعدة أسباب منها عدم إدراك البعض لأصل الكثير من المشاكل وارتباطها الوثيق مع بعضها البعض، أو قلة الإمكانيات وصعوبة توافر المناخ المناسب للتغيير وقد تكون الصعوبات في إيجاد الوسائل والطرق المناسبة للتعامل مع مشكلة بعينها نتيجة غياب الخبرة وقوة المشكلة نفسها.
لذلك في تلك المعركة غير المتكافئة الجوانب في أغلب الأحيان يكون تحقيق النصر تراكمي وليس مباشر.
كما ذكرنا في المقال السابق أن إدراك مسببات الاستسلام والخضوع على مستوى الإدراك لتلك المسببات والانتقال للعمل المناسب للمواجهة، يكون الإنسان قد حقق نصرًا جزئيا بسيطًا في مقابل عدوه، ومن الطبيعي أن يكون هذا النصر غير واضح للكثير، غير أن الإنسان الصابر الواعي يدرك أن تلك هي البداية فقط، ويجب أن يتبعها خطوات ثابتة وإن كانت بسيطة أو ضعيفة.
مواجهة عادات الزواج
نجد مثلا عندما يقرر الإنسان مواجهة عادات الزواج من اختيار شريك الحياة والتغلب على المتطلبات المبالغ فيها والتي غالبا ما تفوق إمكانيات شباب اليوم.
في تلك المواجهة يجب أن يحدد الهدف الأساسي من الزواج وهو بناء حياة تساعده وتقويه ويكون أفضل على المستوى الإنساني، لذلك فإن اختيار شريك الحياة يجب أن يكون أساس الزواج والجانب المحوري فيه، فيجب عليه الصبر وحسن الاختيار ولا يجعل الظروف والوقت عامل ضغط عليه،
كذلك يجب أن يكون من سلامة الاختيار اتفاق الطرفين في رؤيتهم للحياة الزوجية بنسبة كبيرة، أو على أقل تقدير إمكانية تقريب وجهات النظر بينهم بحيث يستطيع الطرفان التأكد من إمكانية البدء في حياة مشتركة تجمعهم ومواجهة صعوبات الحياة معا، ومعرفة كل طرف المسؤوليات والواجبات التي ستفرضها الحياة الزوجية.
في المثال السابق نجد أن تحديد أصل المشكلة في أن الاختيار هو الأساس والعمل على تقريب وجهات النظر وتحديد المسؤوليات والتغلب سويا على المشكلات المادية وغيرها يعد نموذج واضح لمفهوم صبر المواجهة ، والتحرك خطوة خطوة والصبر عليها والتأكد من سلامتها هو انتصار تراكمي على مشكلة تكوين أسرة قوية واعية عاقلة، متغلبا بذلك على كثير من المشكلات التي يقع فيها أغلب شباب اليوم في فشل الحياة الزوجية
الطريق الحقيقي للفوز
قياسا على ما سبق؛ فإن التغلب على الصعوبات بمفهوم صبر المواجهة هو الطريق الحقيقي للفوز وتحقيق الانتصار، وقد يفشل البعض منا في بعض جوانب المواجهة تلك نتيجة أسباب متنوعة ، لكن الاستمرار والسعي هو مفتاح الانتصار الحقيقي.
لذلك نجد أن تلك المواجهة لا تظهر نتائجها بسهولة أو في وقت قصير، مما يدفع البعض لعدم التصديق بالقدرة على التغلب على ما يظهر لنا من مشاكل وصعوبات.
كما أن البعض لا يمتلك القوة والعزيمة لخوض تلك المعركة والصبر على تحقيق نقاط متتالية للوصول للهدف النهائي ، فيجد أن طريق الاستسلام هو الأسهل والتأقلم على السائد سواء كان عادات وتقاليد غير سليمة أو الرضوخ وقبول الاحتلال الفكري والثقافي وحتى احتلال الأرض أسهل عليه من المواجهة.
صبر المواجهة يجب أن يكون أسلوب حياة، يتعلمه الفرد بمرور الوقت، يكتسب منه خبرات للمواجهة يتعرف من خلالها على مواطن قوته، والطرق المناسبة لحل كل مشكلة، فالتوصية بالصبر هي من أهم التوجيهات التي أمرت بها الديانات السماوية وهي توصية الأنبياء والصالحين لما لها من تأثير عظيم في حياة كلا منا.