مقالاتفن وأدب - مقالات

الشهرة والمال .. عندما يسير الإنسان على الطريق الخطر!

الاحتياج وطريق الشهرة والمال!
في أحد الأيام كنت مع بعض الأصدقاء، لكي نمرح قليلًا، وكنا نختار بين أن نلعب (بلاي ستيشن) أو نشاهد فيلمًا، ثم اتفق أغلبنا على أن نلعب (بلاي ستيشن)، لكننا شاهدنا فيلمًا، وأظن أن الغرض من هذا الفعل، هو أن أحدنا لا يعرف اللعب على هذا الجهاز، فشاهدنا الفيلم وكان يُسمى ب “Nerve”، وتدور أحداث الفيلم حول مسئولة ذات شأن بمدرسة ثانوية، تنغمس تمامًا في لعبة (حقيقة أم جرأة) على الإنترنت، حتى تتعرض كل حركة تصدر منها للتلاعب من قِبَل مجتمع مجهول يُسمّي نفسه “المراقبون”.

ولعبة “حقيقة أم جرأة” عبارة عن لعبة يتم التسجيل بها، ثم يتم إصدار مهمة معينة لكي تقوم بفعلها، وأثناء القيام بفعلها يجب عليك أن تصور نفسك “فيديو” ثم ترفعه عبر الإنترنت، لكي يُشاهده الناس، وعندما تقوم بهذه المهمة تحصل على قدر معين من المال وتنتقل إلى المرحلة التالية.

فيبدأ الفيلم بوجود فتاة محاطة ببعض الأصدقاء الذين يلعبون هذه اللعبة، ثم يقنعونها باللعب معهم، فتبدأ الفتاة بالتسجيل في اللعبة، وكانت أول مهمة لها هي “تقبيل رجل غريب في 5 ثوانٍ” لكي تحصل على 100 دولار فدخلت مطعمًا مع صديق لها، ورأت شابًا يجلس وحده ثم قامت بهذه المهمة بالفعل، وقام صديقها بتصويرهما “فيديو”.

وكانت ثاني مهمة لها “الذهاب معه إلى المدينة” لكي تحصل على مائتي دولار، واتضح أن الشاب الذي قامت بتقبيله، يلعب أيضًا في هذه اللعبة، فكان عليها لكي تتخطى هذه المهمة أن تحصل على “شريك” فتذهب معه إلى وسط المدينة، وكان الشريك نفسه هو الشاب، وذهبت معه بواسطة دراجته البخارية، وتم تصويرهما “فيديو” وهما يذهبان إلى وسط المدينة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وكانت المهمة الثالثة لها “ارتداء فستان معين” لكي تحصل على 500 دولار، وكانت مُرفقة بالرسالة صورة الفستان، شاهدت الفستان في محل للفساتين، ولاحظت أن سعره باهظ جدًا، فقررت أن ترتديه كتجربة، ثم صورت نفسها “فيديو”، ويُصادف أن شريكها كان موجودًا بنفس المكان لأنه قد حصل على نفس المهمة، لكن بدلًا من الفستان كانت البدلة.

وكانت المهمة الرابعة لها ولشريكها “ترك المتجر” لكي تحصل على 2500 دولار، وبالتأكيد لن تقدر على أن تترك المتجر وهي ترتدي الفستان، فقامت بخلعه، كما قام شريكها بخلع بدلته، ثم قاموا بالخروج بسرعة شديدة من المتجر وهم يرتدون الملابس الداخلية فقط، وقد قام أحدهما بالتقاط “فيديو” وهما على تلك الحالة! وبهذا الفيديو بالتحديد أصبحا مشهورين جدًّا بين الناس.

وآخر يُطلب منه أن يضع نفسه بين قضبان القطر وكأنه نائم أثناء مرور القطر، وأخرى يُطلب منها المشي على قطعة خشبية تربط بين شقتين علويتين في عمارتين مختلفتين، وأثناء تنفيذها لهذه المهمة، تقع على الأرض من الأعلى بين أنظار أصدقائها بكل بساطة.

في الحقيقة لا شك أنه في أثناء قراءتكم لبعض المهمات التي سردتها في الفيلم، فإن كثيرًا منكم -إن لم يكن جميعكم- حكم بالجنون على هذا الفيلم وعلى هذه المشاهد وعلى كل من يقومون بمثل هذه الأفعال. نعم، فالذي يقوم بمثل هذه الأفعال لكي يحصل على بعض المال أو الشهرة هو مجنون بالفعل، لأنه أبعد عقله بالكلية، واتبع شهواته.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولا أُخفي عليكم أني لم أتعجب من هذه المشاهد، فهذا طبيعي من الساعي خلف المال والشهرة، فطالب الشهرة وبريقها لا يضع في حسبانه أي اعتبارات أخلاقية، لمَ لا؟ والغاية أصلًا غير أخلاقية.

فكل ما يُريد هو أن يُصبح مشهورًا بين الناس، ألا يمر عليه يوم إلا ويتهافت عليه الناس ليأخذوا معه الصور وليأخذوا منه إمضاءه، لا يذهب إلى مكان عام إلا ويجد معجبين كثر، ويُريد أن يكون حديث المجالس، أو أن يُسمع قوله أو يُكتب عنه، فيسعى إلى ذلك بكل الوسائل الممكنة حتى لو اضطر إلى أن يكذب وينافق ويتصنع ويخدع غيره، أو إلى أن يمشي عاريًا بين الناس، أو أن يُعرض نفسه للموت.

طالب الشهرة لا يوجد أي مانع يردعه طالما أن هذا يُساعد في الوصول إلى مبتغاه، فتغيب عن أفعاله القيم الحقيقية التي لا تُنتج الإبهار، ظانًا منه أن الشهرة وحب الناس هما معيارا النجاح، وأن كل مغمور عبارة عن فاشل أو متأخر.

كل ذلك لا يُنتج إلا الإعجاب بالنفس لدى الإنسان، فهذه هي آفة الشهرة، فيُعجب الإنسان بنفسه كثيرًا ويتناسى ويتغاضى تمامًا عن أنه أصبح إلى ما أصبح عليه بفضلٍ من خالقه، فينسب الفضل لنفسه لا إلى الذي أعطاه كل ما يتباهى به.

وطالب المال حاله لا يختلف كثيرًا عن حال طالب الشهرة، بل هو أحوج إلى الحيطة والحذر ومراقبة نفسه، لأنه يُبرر سعيه خلف المال بأنه يسعى إلى ما يسعى إليه لكي يقدر على العيش، وإن لم يستطع الحصول عليه إلا عن طريق فعل الأفعال غير الأخلاقية، فلا بأس في ذلك على الإطلاق لأنه مضطر! فهذا بالتأكيد أفضل من أن يموت!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لكن هل سيموت إن لم يأكل كل يوم من مطعم مختلف؟ وهل سيموت إن لم يرتدِ كل يوم رداءً مختلفًا؟ وهل سيموت إن لم يغير محموله كل عام؟ وهل سيموت إن لم يغير سيارته كل عام؟ هل سيموت بدون أن يأكل كل يوم ثلاث وجبات؟ وهل سيموت بدون أن يأكل ويشرب نوعًا معينًا من المأكل والمشرب؟ وهل سيموت إن لم يسكن في شقة بمساحة معينة أو في مكان معين؟ وهل سيموت إن لم يُدخل أطفاله في مدارس معينة؟

الكثير والكثير من الأمور التي نظن أنها احتياج، وهي ليست بذلك على الإطلاق، فما هي إلا أمور نرغب فيها فقط ونعتبر أنها ضروريات ويستحيل العيش بدونها، فالفرق بين الاحتياجات المادية والرغبات المادية يظهر عندما لا تقدر على العيش بحق بدون الحصول على شيء معين، فتتوقف حياتك عليه، وعدم حصولك عليه سيضر بك ولا تقدر حينها على العيش بدونه، فانتبه كثيرًا من أن توهم نفسك بأنك تحتاج لشيء فتنفق عليه العشرات من الساعات كي تحصل على ثمنه، وأنت في الحقيقة غير محتاج له على الإطلاق.

لكن ماذا لو لم تستطع الحصول على احتياجاتك المادية إلا بفعل الأفعال غير الأخلاقية، كالسطو مثلًا، هل حينها سيتم تبرير هذه الأفعال بأنك لو لم تفعلها ستموت بالفعل؟ وأن فعلها أفضل بالتأكيد من الموت!

لا شك لدي أن كل إنسان ما زالت فطرته سليمة وما زال عقله سليمًا، سيقول إن الموت أفضل وأهون عليه بكثير من أن يفعل أي شىء غير أخلاقي لكي يعيش بسببه، لكن هذا لا ينفي إطلاقا أن هذه الاحتياجات حق أساسي لكل إنسان، وواجب على الآخرين وعلى المجتمع أن يعطوه حقه هذا إن عجز عن الحصول عليه وحده، ويجب عليهم ألا يضطروه إلى التفكير في فعل غير أخلاقي من أجل الحصول على حقوقه، فكما أن الفرد مطالب بالتحلي بالأخلاق فواجب على المجتمع التحلي بالعدل.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً :

 المعاناة والألم … هل من سبيل للخلاص من المعاناة ؟ ولماذا نعاني من الأساس ؟

لم أجد السعادة إلا في عيون البسطاء .. ما علاقة البساطة بالسعادة؟ وكيف نسعد؟

كيف نرفض ما يحدث في الواقع دون أن ننفصل عنه ؟

خالد حسام

عضو فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة

مقالات ذات صلة