الشهداء لا يسقطون… حق المقاومة وإيجاد المعنى
أزمة المعنى :
“أنا جيد، أعاني قليلًا من الوحدة والاغتراب كالعادة، يبدو أنه أصبح مألوفًا عندي لدرجة أنه لم يعد غريبًا علي، القرارات الصعبة تحتاج يا عزيزي إلى حزم وجزم، لكن بإمكاني أن أدلك على شيء يخفف عندك بعضًا من ألمك، الأمر فيه ألم بكل تأكيد، حاول أن تتذكر أن أزمتك الوجودية فعلًا ترتبط بقضية سامية أكبر من أي صراع آخر، دع هذا الأمر في رأسك سيساعدك على تخطيه، دع فلسطين أمام عيونك”
هكذا كتب المقاوم الفلسطيني باسل الأعرج الذي تم اغتياله على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في السادس من مارس عام 2017، فربما يقرر الكثير من الأشخاص تحت وطأة الاحتلال أن يغالبوا الاغتراب بنسيان ما حدث لوطنهم وعدم الخوض في ما يحدث له لأنه لا فائدة من ذلك ولا طائل، لكن باسل كان من أولئك الذين قرروا بأن يجدوا معنًا لحياتهم ليساعدهم على تحمل ذلك الاغتراب، وكان ذلك المعنى كامنًا في التعلق بأن معركة الوطن لا تتلخص في نزاع على الأرض بقدر ما هو نزاع على المبادئ والحقوق والمعتقدات، وأن المقاومة هي حق أصيل لا بدائل عنه، وأن الفلسطيني عليه أن يتأقلم مع الوضع لا أن يتكيف عليه فيعرف من خلال تأقلمه أن يفهم طبيعة العدو ونقاط قوته وضعفه، دون التطبيع معه والذي يؤدي إليه التكييف مع العدو، كما حدث مع بعض من الفلسطنيين والعرب.
وتزامنًا مع ما حدث في ذلك الشهر من استشهاد الفلسطينيين أشرف نعالوة وصالح البرغوثي، فإن هذا المقال محاولة لفهم كيف لا يفقد مثل هؤلاء وغيرهم الكثيرين الأمل في المقاومة وفي إيجاد المعنى لمعاناتهم.
وأول ما يلزمه إيجاد المعنى هو الوعي الحقيقي، وثاني ما يلزمه هو اشتباك ذلك الوعي مع الواقع، وآخر ما يلزمه ايجاد المعنى وهو الأهم هو صدق ذلك الوعي والاشتباك.
الوعي الحقيقي:
إن أسوء ما يخوضه الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني هي محاولة “تزييف الوعي”، فبعد أن كان الفلسطيني يعتز بثقافته ومرجعيته، يبدأ مع مشاهد العنف والظلم المتكرر يشعر بالاضطهاد والقهر الذي قد يجعله يهزم عقليًا، فيشعر أن عقل المضطهِد أو الظالم هو من يتحكم في مجريات الأمور، وفي ذلك يقول باسل الأعرج في إحدى مقالاته عن ما يحدثه المحتل في عقلية الشعوب التي يضطهدها
“إن أول ما يقوم به الاستعمار هو تعريف الممكن والمستحيل للشعوب المضطهدة، ويعاونه في ذلك عادة بعض أفراد الشعب ويتم ذلك عبر تقنيات تدخل مباشرة وغير مباشرة، فلا تصدقوا ما يتم قوله ونقله ومحاولة زرعه في عقولنا، وحاكموا المقولات وفق المنطق وقوة التحرر لدى الشعوب”.
ويُعرف أحدهم الوعي في ظل الاحتلال بأنه “الالتزام بالمسؤولية الفردية في الانحياز المطلق للحق والأفكار النبيلة والالتزام بقضايا وحقوق البشر والدفاع عنها”
فالوعي الحقيقي بطبيعة المحتل والوضع هي أول خطوة للمقاومة الحقيقية، وأيضًا الوعي بحقيقة الاضطهاد ولماذا علينا أن نقاومه؟ فأول الانتصار يكمن في انتصار المرء على الاحتلال في داخل نفسه أولًا، فمتى وصل الاحتلال إلى عقولنا وتدخل في أبسط تفاصيل حياتنا اليومية يكون قد بدأ في الانتصار علينا، ولا يتم ذلك دون تدميره لوعينا بأنفسنا وبالواقع المحيط بنا وما ينبغي أن يكون عليه ذلك الواقع.
فقد لا يحتاج الاحتلال إلى البنادق كي يهزمنا إن استطاع أن يهزمنا من الداخل!
ثقافة الاشتباك:
بعد امتلاكنا للوعي فإن جلوسنا بمعزل عن أرض الواقع هي أكبر جريمة من الممكن أن نرتكبها في حق أنفسنا وأوطاننا، فلا بد أن نشتبك بذلك الوعي مع الواقع ونحاول قدر الإمكان تطبيقه واقعيًا، فالاشتباك مع الواقع لا يعني بأن نتوافق معه كلية بقدر ما هو يكمن في قدرتنا على تجاوزه وإدراكه، و المعنى المحدد للاشتباك هنا هو قدرتنا على تحويل كلماتنا وشعاراتنا لأفعال، فالشعارات من دون الأفعال تغدو بلا معنى، وكما يقول باسل الأعرج “بدك تصير مثقف لازم تكون مثقف مشتبك، غير هيك لا منك ولا من ثقافتك”، فلا فائدة من الثقافة أو الوعي إن لم يساعدنا في القدرة على تجاوز وفهم الواقع والاشتباك معه.
ولأن الوعي الحقيقي لا يكتمل بالأصل من دون العمل والتجربة في أرض الواقع
ولكن هذا لا يمنع أن الاشتباك من دون وعي هو كارثة أيضًا، فالأمر يتم بشكل تكاملي.
صدق الوعي والاشتباك “الشهداء لا يسقطون”:
إن الشهداء الذين يموتون من أجل معتقداتهم وأوطانهم مثل باسل الأعرج وأشرف نعالوة وصالح البرغوثي وغيرهم الكثيرون لهم مثال حقيقي على صدق الوعي وصدق الاشتباك، فقد أثبتوا أن وعيهم كان قادرًا على إدراك لماذا عليهم أن يقاوموا، والاشتباك تجلى عندهم في أصدق صوره بأن جعلوا أجسادهم فداءً لمعتقداتهم، وهؤلاء الشهداء لا يسقطون لأنهم وإن سقطت أجسادهم تبقى أفكارهم وما دافعوا عنه عالقًا بنا للأبد.
اقرأ أيضاً:
أنا لا أتذكر فلسطين ! – ما مدى أهمية القضية الفلسطينية حتى أتذكرها ؟
الفكر الصهيوني الظالم – فلسطين حرة وستبقى قضية حية في نفوس الأسوياء
القضية الأهم في عالمنا اليوم.. كيف ننصر فلسطين؟