أسرة وطفل - مقالاتمقالات

أنا عايزك معايا في رحلة عميقة، عميقة لأنها “جُوّاك”

بسم الله الرحمن الرحيم: “وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا ۝٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ۝٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ۝٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ۝١٠” [الشمس ١-١٠].

يعني إيه دَسَّىٰهَا؟ الدس هو الإخفاء، أي تُخفيِ شيئًا. ما تيجي أوريك أنتَ أخفيت إيه؟

أنا جاي أدخُل جُوّاك ولعُمق شخصيتك وأقولك إن هُناك فارق ضخم ما بين نفسك الحقيقية ونفسك المُزيفة.

الفطرة السوية في الصغر

وأنتَ صُغير يا رفيق كُنت على الفطرة، بتتعامل بشكلك الفطري وشخصيتك الفطرية ومُتقبل شكلك وهيئتك، النمش إللي في وشك، شعرك الطويل، وقابل نفسك بنفسك.

بعُمر صغير جدًا كان بدأ يظهر عندك ملامح شخصيتك الحقيقية، وإللي غالبًا صفات بتُميزك عن غيرك، عاملة زي البصمة كده مفيش شبهها، لها قُدرة على التعبير عن إللي حواليها بسهولة شديدة مُتسقة مع رأيها ورفضها لشخصيات أو قبولها لغيرها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

طفل نقي تمامًا مفيش في نفسيته شائبة زي ما خلقه رب العالمين في أحسن تقويم مفيش منه مُشكلة، استجاباته طبيعية وردود فعله الطفولية في ظاهرها هي ردود فعل مُميزة ومُختلفة عن غيره من البشر وبتُمثله هو بنفسه.

في عُمق الشخصية دي بيكون فيها بقى “الموهبة” أو “المهارة” إللي بيتمتع بيها الإنسان ده، بتكُون جليّة وواضحة جدًا زي الرسم والتعبير أو الطرب وغيرهم.

دور أساليب التنشئة الوالدية في تكوين الشخصية

الشخصية في علم النفس

زي أي إنسان عندك “احتياجات”، صحيح هي بسيطة، زي اللهو واللعب أو مساحات من المرح، احتياجاتك دي قدر ما أنتَ شايفها دلوقتي شيء تافه وبسيط، إلا أنها في الحقيقة كانت بتُمثل جُزء كبير جدًا من مساحة احتياجاتك وأنتَ صُغير.

بعض الأهالي باتباعهم أساليب خاطئة في التنشئة من أبواب كتيرة، زي “أنتَ لو عملت إللي عليك هنديك لعبة”، أو “لو خلصت الواجب قبل الساعة كذا هنخرجك في المكان الفُلاني”، ترسيخ غير مقصود لأفكار “المُقابل”، إنك دايمًا بتعمل حاجة عشان حاجة،

أو دفعهم ليك لتحقيق أحلامهم زي “ادخُل كُلية الطب” أو حقق نجاح في السياق المُعين ده، مش مُهم الحاجات دي تكون مُتسقة أو مُتفقة مع أهدافك، المُهم أنها مُتفقة مع أهدافهم هُمه والصورة الذهنية للطفل الناجح في المُجتمع،

وإللي مُمكن جدًا يكُون عكس طبيعتك تمامًا! وبدل ما يتقبلوا طبيعتك ويتعاملوا معاها، بيحاولوا يخلّوك نُسخة جديدة من نُسخ سابقة لأطفال سابقة، ويمكن نُسخ من طفولتهم هُما أو نُسخة من طفولتهم غير المُحققة.

المُهم..

الشخصية المزيفة

كُل الضغوطات دي بتولد مُحفزات، عشان تغيّر شخصيتك، أو تخلق شخصية بديلة “مُزيفة” بحسب عُلماء النفس، ودي بتكون أول صدمة نفسية بيمُر بيها الطفل في اللا وعي بتاعه، إنه محتاج يخلق شخصية مش حقيقية ومُزيفة عشان يتم قبوله، ويقدر يحصُل على مُقابل لأي حاجة بيعملها مش مُتسقة مع طبيعته إللي مُمكن تكون ضد كُل إللي بيعمله تمامًا!

أنتَ متخيل “الطفل” بيحتاج يبذل مجهُود قد إيه وهو بقُدراته المحدودة من أجل بس خلق شخصية وهمية مُزيفة تساعده على التأقلُم والتكيُّف مع الوضع المطلوب منه؟

شوية.. ويُرغم الطفل إللي كبر ده على أنه يلتحق بكُلية اختارها ليه الأهل أو التنسيق، ويكون مُجبر على خلق شخصية جديدة تمامًا مُتسقة برضه مع مُتطلبات المرحلة.

أو مثلًا “عريس” جديد فيه كُل الطلبات المادية بس نفسيًا مش مُتسق مع الطفلة إللي خلقت دلوقتي بدل الشخصية عشرين، وعايشة تحت قناع واحدة منهم وبقى مطلوب منها أنها تعيش بشخصية جديدة تخترعها عشان تعجب وترضي العريس الجديد.

ففي إللي اضطر يدفن “رجولته”، وفي إللي اضطرت تدفن “أنوثتها”، وفي إللي اضطر يدفن “حُريته” وبقى خانع خاضع لكُل سُلطة أكبر.

اقرأ أيضاً:

الإنسان والمسئولية الشخصية

نحو عناية أشمل بصناعة الإنسان

عملية التربية بين الرب والإنسان وقداسة من يحملها

الشخصية في علم النفس

ومع كُل تحوّل بيتعرض له الطفل بيتعوّد على خلق شخصية جديدة في كُل حاجة بيتعرض لها، وبكده بتتراكم مجموعة من الأقنعة الكتيرة على طبقات سميكة من الشخصية.

وكُل طبقة مُمكن تكُون بتحتوي على عُقد خاصة بيها، زي عُقد كراهية السُلطة أو زي “عُقدة أوديب” وخلافه من العُقد النفسية، أو حتى وجع مكتوم تعرضت ليه واحدة من الأقنعة دي واضطرت لدفنه مع شخصية من الشخصيات أو الأقنعة المُتراكمة،

وبنلاقي إن شخصيته المدفونة وإللي هي الأصلية مُصابة في الأصل بالإحباط، إحباط نفسي عميق لأنها مقدرتش تعبر عن نفسها واتدفنت وسط مئات الأقنعة من الشخصيات.

بيروح علماء النفس لأن القناع الـMaster أو الرئيسي هو قناع بيسمّوه الـpersona، وإللي بيكون عبارة عن الشخصية الأكثر ظهورًا والقناع الأكثر استخدامًا، ودي بتكون دُرة التاج لكُل الأقنعة إللي تم كبتها ودفنها وهي عبارة عن معجون هجين من الشخصيات أو الأقنعة المُتراكمة دي.

وإللي هي الـpersona دي بتكُون مضغوطة جدًا بفعل المُتطلبات من حواليها والواجبات إللي عليها واحتياجاتها هي نفسها، فبيكون لها طُرق للتعبير عن نفسها أو التفاعُل مع أمور مُعينة وردود فعل برضه مُعينة.

أسرار الشخصية المؤثرة

الشخصية في علم النفسالقُدرة بقى على التواصُل مع الشخصية الأصلية (فاكرها) إللي مليانة نقاء وموهبة هي إللي بتفرق شخصية عن التانية في منطقة القُدرة على الإلهام والتأثير.

دومًا هتلاقي الشخص المُؤثر حقيقي بيكون له سمة نقية، ودومًا ما بيتجه أغلب الكُتاب ورواد صناعة القصص حتى الأسطورية لصناعة البطل على صورته النقيّة، إيماءً لقُدرته الفريدة على التواصُل مع الشخصية الأصلية وعدم التأثُر بالمُجتمعات.

كذلك تقدر تشُوف في الشخصيات الصالحة إللي أنتَ بتوصفها بالخيالية دلوقتي بيكونوا “أنقياء” جدًا وقادرين على تحمُل ما لا يُمكنك تحمُله مُطلقًا، لأنهم مش متأثرين بالضغوط إللي متأثر بيها البشر، إللي اضطروا إلى خلق أقنعة كتيرة وفوق منهم الـPersonsa عشان تُمكنهم من التعامُل مع الآخرين.

انحراف الفطرة

يعني عارف الراجل إللي ماشي يزعق ويعلّي في صوته ويستعرض في قوته، ده غالبًا دفن جُوّاه ذكورته إللي مليانة حنان وشهامة، والبنت إللي ماشية تتعرى وتلبس هدوم مبهرجة وتتعرف كُل يوم على راجل،

دي غالبًا دفنت جُواها البنت الحقيقية إللي مليانة أنوثة وحياء، هُمه نفسهم نفس الأطفال إللي شوفتهم ماشيين وهُما صغيرين مطأطئين الرؤوس مُنكسرين دافنين طفُولتهم.

قُدرة الاتصال مع أعمق نُقطة داخلية جُوّة الإنسان هي قُدرة جوهرية بتُمكن الإنسان من الإبقاء على الطفل النقي إللي جُواه، الإنسان المطفي أو شخصيات الذهب “الفالصو” الناس دي غالبًا دفنت شخصيتها الحقيقية.

قولبة المجتمع

كُل ده كوم، وغير احتياج الإنسان أنه يتوافق مع مُتطلبات المُجتمع للصورة الذهنية المُزيفة للراجل والست في المُجتمع. ست يعني “فاتن أمل حربي” مذلولة ومحتاسة، راجل يعني “الكبير” إللي صوته عالي ومُتحرش ودمه خفيف.

الوأد إللي كان بيمارسه الناس أيام الجاهلية، لسّه مُستمر، مُستمر بس بصورة ذهنية.

المُجتمعات ظالمة يا رفيق، لأنها مُنمطة، بتقلب الأفراد جُوّاها لأنماط مُحددة هي مُستعدة لقبولها وبترفُض باقي الأنماط.

حاول تطمن نفسك، حاول تتواصل مع نفسك الطبيعية كُل شوية..

حاول تُزيح عنك الزيف واقبل نفسك..

ومتحاولش تاني أنك تُدِس نفسك..

كل حد فينا دفن على الأقل جزء واحد من نفسه الحقيقية فى إحدى مراحل حياته لسبب أو لآخر، إللي دفن تلقائيته، إللي دفن شعوره بالحرية، إللي دفن بعض قدراته وإمكانياته. للأسف بنعيش حياتنا كلها بشخصية مزيفة طافية على السطح ونفسنا الحقيقية مدفونة في القاع.

اللهم ساعدنا على تزكية نفسنا، اللهم اعفُ عنّا واغفر لنا وارحمنا.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. مصطفى محمود حسن

باحث وكاتب روائي