علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

رباعيات المكاشفة

مفهوم ازدواجية الشخصية من المفاهيم النفسية المعقدة والتي تخضع لنظريات كثيرة تفسرها تفسيرات متنوعة، إذ تعود إلى مرض نفسي متأصل، أو تعبر عن قدرة خارقة على تقمص الأدوار، أو يعود أصلها إلى رسوخ مكونات الإبداع الشخصي الكامن في قدرة الشخص على أن يتقمص أكثر من شخصية في آن واحد، أو غير ذلك من التأويلات المتنوعة المعتمِدة على مقاييس نفسية معتمَدة متفَق عليها.

لكن “التساؤل المُلِحّ” والمهم والأهم الآن: كيف يمكن أن يتقمص الإنسان أكثر من شخصية في آن واحد ومع أي شخصية منها نتوافق باعتبارها الأصل وليست الفرع المزيف؟!

أنماط الشخصية الازدواجية

بداية أقول لك:

نماذج من الناس تبهرك، إذ تراها تُنوّع شخصياتها وتتفنن في تقمص الأدوار باحترافية شديدة وعبقرية فريدة وإبداع لا حدود له، وأستعرض معك هنا رباعية عجيبة من رباعيات البشر في زمن الفهلوة، وبيان هذه الرباعية على النحو التالي:

المتسلط المغرور

نوع أول من البشر تراه وقورًا هادئًا ناصحًا أمينًا، تأبى الحكمة أن تغادر شفتيه ويأبى النور أن يرحل عن قسمات وجهه المطرز بابتسمات الثقة، ويأبى البهاء أن يفارق رأسه المتوج بوشاح الرزانة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هو نفسه بعد لحظات تراه فاسدًا مفسدًا عاشقًا للذات، متسلطًا على من لا يُرضي غروره ويمنحه الإطراء والتبجيل ولو نفاقًا، فالحنظل المر لن يمنع نموه أن يسقى بالماء العفن!

هنا تجن! كيف تحول الرزين الوقور إلى عاشق مخبول للذات المتورمة المنتفخة المريضة؟!

متقلب الود

نوع ثان من تلك الشخصيات تراه ملازمًا لك متعاونًا معك مخلصًا، في اعتقادك أنه كذلك، تعامله بود وتقدير واحترام، ولم يخطر ببالك يومًا أن يكون محل شك في أمر من الأمور التي تحزنك، إذ تراه دائمًا سندك وعونك ومساعدك الثاني بعد الله عز وجل، لكن تأتيك الصدمة يا ولدي عندما تجد أن من منحته ثقتك ليس أهلًا له، إذ تحولت شخصيته تمامًا، فغدا “خنجرًا مسمومًا” طعنك في ظهرك، وأبشع ما يؤلم أن يتحول الصديق الصدوق إلى عدو فاجر الخصومة، وحقًا كما قيل “متقلب الود لا يؤتمن”، فاللهم نجنا من زوابع التغير وكوارث التحول وخيبات الثقة فيمن لا يستحقها.

الحاقد الغضوب

نوع ثالث من البشر تراه مهملًا نفسه كامل الإهمال، إذ تراه مشغولًا بأمور غيره، تراه “ميكرسكوبًا عصريًا”، يتتبع دقائق غيره ويرصد كل ما لا يخصه حاشرًا أنفه فيما لا يعنيه، حاقدًا ناقمًا غاضبًا يصب جام غضبه ليل نهار على غيره من المفسدين والظالمين في اعتقاده هو، وما هو إلا خيال مريض استسلم للوهم العفن، فغدا ضحية ذاته الفاسدة ونواياه السيئة على الدوام، وهذا النمط المتتبع لغيره والمهمل لنفسه يستدعي أن نلاحقه بتدخل نفسي علاجي فوري، إذ إن وجوده يمثل خطرًا عليه وعلى غيره من المحيطين به!

العاشق لذاته

نوع رابع من البشر تراه عاشقًا لذاته فقط بجنون، يرى أن حياته مكرسة لتدليل الأنا والعمل من أجلها، ولذلك تراه:

  • آكلًا على كل الموائد دون حرج!
  • مجاملًا لمن يعرف ومن لا يعرف دون تمييز!
  • متجردًا من رأيه الذاتي الذي لا يملكه، متبنيًا وجهة نظر غيره القائمة على المنفعة الذاتية البحتة!
  • باحثًا عنك باستماتة ما دام معك مصلحة تخصه، وبعد قضائها لن يمنحك شرف إلقاء السلام عليك إن جمعتكما الصدفة البحتة يومًا في مكان واحد!

علاج الشخصية الازدواجية

الشخصية الازدواجيةوأخيرًا.. هل نحن في مأمن من تلك الازدواجية العجيبة؟!

بالطبع لا ومخطئ جدًا من يدعي النقاء الكامل، فكلنا بشر ولسنا ملائكة، وكلنا يجب أن نقيّم ذواتنا الآن تقييمًا موضوعيًا عادلًا لنصل إلى لحظات صدق ومكاشفة ويقين.

أما من يرون أنفسهم فوق النقد وفوق الخطأ وفوق العتاب وفوق المصارحة فعليك أن تترك أمرهم إلى الله، فبعض الأمراض لا علاج لها ولا شفاء منها يا صديقي!

مقالات ذات صلة:

إضطراب الشخصية النرجسية

النفاق من المسرح إلى الحياة العامة

السلام مع النفس

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب