في مترو الشهداء – فلنلحق المترو قبل أن تغلق الأبواب!
المترو
محطَّة المترو الشُّهَداء، أو رمسيس كما نُحب أن ندعوها، ذلِكَ الازدحام الشديد، آلاف البشرِ الذين يتقابلون يوميًا دونَ موعدٍ سابِق، يَصِلُ القِطارُ إلى المحطَّةِ مُحمَّلًا بآلافِ الركَّاب، يّدُقُّ الجرَسَ مُعلِنًا أنَّ الأبوابَ سَتُفتَح، تُحبَسُ الأنفاس، تتسارَعُ دقَّاتُ القلب ويُفرَزُ الأدرينالين لِتهيئَةِ الجَسَد لذلِكَ الخَطَرِ القادِم، الآنَ، والآنَ فقط، يَجب أن تخترِق صفوفِ عشراتِ المنتظرين أمام الباب وتخرج بأقل الخسائِر قبلَ أن يُغلَق الباب فتخسَر كثيرًا من الوقت.
“تمامًا كما تحينُ لَحظات الانتخابات في الأحزاب السياسيَّة، سَتُفتَحُ أبواب الترشُّحِ بعد أقلَّ من شهر، كم رَجلًا لدينَا لنملَاَ القوائِم؟ هَل وافَقَ فُلان ذائِعُ السيطِ في مُحافَظَةِ كذا على الترَشُّحِ ضِمنَ قوائِمِنا؟ هل دَعمَتنا عائِلةُ كذا؟ كم من المالِ ستَدفَعُ لنا شَرِكةُ كذا كي نَسُنَّ قوانينًا لصالِحِهم في حالةِ فوزِنا، تُغلَق أبوابَ الترشُّحِ ثم تُفتَح أبوابُ الاقتراع، تُحبَسُ الأنفاس، تتسارَعُ دقَّاتُ القلب ويُفرَزُ الأدرينالين لِتهيئَةِ الجَسَد لذلِكَ الخَطَر القادِم، فإمَّا أن تَكونَ حِزبًا حاكِمًا أو أن تتأجَّلُ أحلامُكَ لأربَعةِ أعوامٍ أخرى”.
إذا كُنتَ من الناجين الذين خرجوا من باب المترو دونَ خسائِر فإنَّكَ ستضطَرُ لانتهاج بعضَ التكتيكات التي قد تُساعِدُكَ في الوصولِ إلى وجهَتِكَ في الموعِدِ المحدد، يَجبُ أن تتخطَّى من أمامَك دونَ أن تَلمِسَه، ستفشل في ذلِكَ أحيانًا فلا بأس بابتسامَةٍ و اعتذار لكن احرِص على ألَّا يكونَ هذا الفَشَلُ أثناءَ مُحاوَلَتِكَ لِتَخَطِّي امرأة فقد لا يفيد اعتذارُك وتقضي ليلَتَك في قسمِ الشُّرطَة، قد تُضطَر لآن تسير على حافَة الرصيف حيث أنَّ الأعداد أقل بكثير من مُنتَصَفِ الرصيف رغمَ أنَّ ذلِكَ يُخالِفُ الإرشادات وقد يعرِّضُكَ للخَطَر، لا داعي للسلم الكهربائي فقد يستغرِق منكَ ذلِك بضع دقائِقٍ كي تَطَأ قَدَمُك السلم.
التكتيكات هي ما يشغل الساسة
“في عالمِ السياسة الإجرائية، ليس هُناكَ الكثير من الوقتِ لكي تتفكَّر في التصميم الأنسب للنظام القائِم، فقط يَجِبُ عليكَ أن تُحاوِل التأقلُمِ عليه، مهما دَفَعَكَ ذلِكَ التصميم لارتِكابِ الأخطاء فليس في استطاعَتِكَ تغييرُ أيَّ شيءٍ أو ابتكارِ تصميمٍ جديدٍ يُعالِجُ أسبابَ تِلكَ الأخطاء نَظَرًا لانشِغالِكَ الشديد بخلقٍ تكتيكاتٍ مُناسِبَه لكي تَربَحَ الصِّراع، فتضطَرُّ للخَطَأ ثم تكتفي بالاعتذار.”
“الشًّهداء” هو الاسم الذي يُطلَق على محطَّة رمسيس منذ خمس سنواتٍ فَقَط، أما قَبلَ ذَلِكَ فقد كانَ يُطلّقُ عليها اسم “مبارك”، هي المَحطَّةِ نفسها لكن باسْمين مُختَلِفين، بل باسْمين مُتناقِضين.
“كثيرًا ما يضطَر الساسَةُ إلى النفعية –البراجماتية- السياسية لكي يُحافِظوا على بقائِهِم في السُّلطَة لأطوَلِ فترةٍ ممكِنَة، فصديقُ اليوم هو عدو الأمس، وعدو اليومِ هو صديق الأمس، كما ينطَبِقُ ذلِكَ على الأفكارِ نفسِها، فشعاراتُ اليومِ هي ما حاربوهُ بالأمس، و شعاراتُ الأمسِ هي ما يُحارِبونهُ اليوم.”
على الجانِبِ الآخر سَتَجِدُ خط المترو الثالث، حيث عرباتَ المترو الفارغة تقريبًا، تستطيع الجلوس أو الوقوف أو النوم أحيانًا، سيروقُكَ كثيرًا تكييف الهواء و سيدفَعُكَ الهدوءُ دفعًا للتأمُّلِ في أي قرارٍ سَتُقدِمُ على اتخاذِه.
الفلاسفة وانشغالهم بالكليات
“إن الفلاسِفَة ليسوا على عَجَلةٍ من أمرِهِم، لا تشغَلُهُم الإجراءات الجزئية الصغيرة بقدر ما يَشغَلُهُم التصميم الأمثل للنِظامِ الذي يَجدُرُ بِنا الاحتِكامُ إليه، سَتَجِدُهم يتحدَّثون كثيرًا عن القيم الحاكِمة للمجتمعات، عن الفضائِل المدنية التي يَجبُ أن يتحلَّى بِها كل فردٍ لكي يكتَمِلَ ويُكمِّلُ سائِرَ أفرادِ المُجتَمَع، عن السعادة وما هو العقد الاجتماعي الأمثَل للوصُولِ إليها.”
خط المترو الثالث “
المعارِض نموذجا”
“يتزوَّدُ الفلاسِفَةُ بالمعارِف، يزِنونَ الأفكارَ بميزانِ المنطِق قَبلَ أن يؤمِنوا بِها، يدعَمونَ أفكارَهُم بالبُرهانِ لا الشعارات الزائفة، سَتَجِدُ ميراثُهُم في الكُتب العابِرَةِ للقارَّاتِ والأزمِنَة لا على الشاشاتِ أو صَفَحاتِ الجرائِد.”
فضع شعارات الساسة جانِبًا وانصرِف عنها إلى أفكارِ الفلاسِفة، لعلَّك تَجِدُ فيها ما يوقِف جنونَ ساسة هذا العالم الذي يزدادُ يومًا بعدَ يوم، أو لعلَّها تكونُ أفكاركَ أنت هي التي سَتُنقِذُ هذا العالَم.
اقرأ أيضا:
صفقة القرن واتجاه العالم .. حول كرة القدم وما تشكله لنا من أهمية!
الكوميديا ودورها الهام والمؤثر في الغزو الثقافي والفكري في المجتمعات
ذئاب الجبل.. هل المسلسلات القديمة فقط هي من تدعو للحكمة و القيم الفاضلة؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.