مقالات

للفظ الزهد والتصوف مفاهيم وأشكال مختلفة – فما هو التصوف الحقيقي؟

مفهوم التصوف

ليس بجديد على مسامعنا لفظ التصوف ، ولكن نجد للفظ الزهد والتصوف مفاهيم وأشكال مختلفة عند الكثيرين. فمن منهم صاحب المفهوم الصحيح؟

ولكى نحكم حكمًا صائبًا؛ علينا في البداية معرفة التصوف الحقيقي ومن ثم نعرف الذاتي فيه وبعد ذلك يتضح لنا من صاحب الشكل الصحيح  للزهد و التصوف دون أن نغرق في مقارنات كثيرة بين الناس.

ونحن لا نعرف في الأساس الشيء الذاتي فيه.

تجلي المنعم

فطر الله الإنسان على طبيعة مختلفة بحيث يتميز عن غيره من المخلوقات بالعقل الذي يجعله قادر على إيجاد القيمة من خلال إعمال العقل والتعامل مع سائر جنسه فى الوسط المادي من فقد وكسب ووصولاً كذلك بأن الله هو العادل الحيكم الذي يوجد ويضع السبُل التي تتيح للإنسان الارتقاء عن إرادة حرة مفطورة على الاختيار.

وأرسل له الرسالات التي تمكنه من ذلك بحيث تكون آداته المعرفية للتعرف على كيفية التصرف في الأمور الجزئية والغيبية؛ فيتم له أدوات معرفته؛ بمنحه حواس يدرك من خلالها الطبيعة، يمكنه ذلك وفق القوة العقلية التي لديه فيستطيع أن يتأقلم ويتعرف على علوم تلك الطبيعة، بل ويطوعها لاستخدامه وراحته وهذا ما أدى إلى ما نراه في عالمنا الحالي من تكنولوجيا عبقرية تمكن الإنسان من جعل عالمه قرية صغيرة .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وليس هذا فقط بل الكثير والكثير ولكن هذا ليس موضوع حديثنا. وهنا نجد أن الإنسان وفق عدل الله وحكمته التي شاءت أن تمنح البشر سبُل ارتقائهم فوفر لهم أدوات معرفية تساعدهم للوصول لكامل الارتقاء حيث فطره بحواس تدرك المحسوسات. فوضع العلوم التجريبية وآداة العقل لترصد المعاني الكلية كالعدل والحكمة والجمال ووجود الخالق وأرسل الرسالات ليكمل تلك الأدوات فيصبح للإنسان نص يعينه على وضع قوانين تحكم الجزئيات الحياتية وأيضًا طرق شكر المنعم .

التجرد والاقتراب

فبذلك العارف الحقيقي لماهيته وما هو واجب عليه فعله في هذا العالم يعي أنه لا شبع من شهوة المادة وأنه إن أسرف فيها غرق؛ أصبح أسيرها. وإنه من الأفضل له أن يبحث عن حد الاكتفاء وسد الحاجات؛ حتى يتمكن من السعي وراء سبُل ارتقائه الحقيقية وهى تعلم العلوم العقلية وتربية النفس على القيم والمبادئ بتلك القوة العقلية وترسيخها في نفسه؛ لتستقي من كمال خالقها وتقرب منه ويبدأ في الارتقاء في منازل الكمال والجمال وتتجرد نفسه عن كل سوء فيها فلا يغرق في شهوة ولا يتملكه غضب.

وتسقط تلك الأمراض من نفسه واحدة تلو الأخرى باجتهاده وعمله ومحاسبة نفسه ومراقبتها، فهو إنسان طبيعي يعيش وسط الناس لأن الله خلق وحدة تكوين المجتمعات حيث يتدافع الناس فيها بعضهم ببعض فيؤثرون ويتأثرون و يتناقلون المعارف والقيم فتتربى نفوسهم بذلك، فبمعرفته لذلك يكن نافع لمحيطه ناقلاً للعلم ومتراحمًا بالناس ولينًا للجاهل قادرًا على إظهار الحق ومواليًا بذلك أمر الله،

يكوّن أسرة ويعي أنها أحد خطوات طريق ارتقائه، ينجب أطفالاً يرسخ فيهم قيم وأخلاق وكل ما تعلمه وكأنه يعي أنه حلقة من سلسلة لابد له أن يحسن صناعة نفسه وكذلك من يليه فيكملون بعده طريقه ونهجه من الإصلاح ونشر الوعى فينشئ أسرة واعية تكمل بعده رحلة العرفان فتدفع الجهل وتعين المحتاجين.

إنما الزهد والتصوف الحقيقي عملاً وتقربًا

فليس كل احتياج مادى وإنما أشد الاحتياج هو احتياج العقول للتحرر، احتياجها للنور ليستطيعوا أن يسيروا وسط العالم المليء بالظلام . حتمًا ليس الزهد شيء يُرائي به الناس بل هو نتيجة لهذا الوعى فلن نعرف الزاهد إلا في المواقف التي تُظهر معدنه النفيس.

فالزهد و التصوف الحقيقي ليس ادعاءًا وإنما عملاً وتقربًا؛ فلن تعرف الصوفي الحقيقي. ولن يقول -هو- ذلك،  فأول خطواته عقلاً واعى مدرك ما يحتاجه في سبيل كماله ومتيقن أن الله مَنَّ عليه بكل خير ومنحه كل شيء في أوانه فتجده صابرًا راضيًا، فلا يجب أن نصنف الزهد و التصوف إلا في شروط لا تتعارض مع طبيعة وفطرة الإنسان أو النص المرسل له، بل سنجده متوازيًا معهم ، وكأن الصوفي الحقيقي يربى نفسه لتصفى لله فيصطفيها الله.

 

اقرأ أيضا:

الله خلق آدم على صورته … كيف يكون الإنسان إلهي؟

النص والعقل، يتكاملان أم يتعارضان؟ .. الرفيق قبل الطريق (الجزء الأول)

القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط