الزم حدودك .. من القضايا الأهم والأكثر وضوحاً منذ سنوات: قضية فلسطين
هناك بعض القضايا التى تكون حاسمة فى ذاتها، لا مبرر للوقوع فى تشويشات خاصة بها ولا شئ يمكن القول بأنه مانع من تكوين رؤية صحيحة عنها وبالتالى لا عذر يبرر الانجراف خلف دعاوى الخصم فى هذه القضايا.
هذه القضايا لن نقول أنها تحتاج لبصيرة؛ بل هى البصيرة ذاتها، هى السراج الذى يضئ الطريق لعقولنا، هى البوصلة التى تقودنا للمسار الصحيح. هى قضايا بالنسبة لنا النقاش حولها منتهٍ وموقفنا منها محسوم.
ولكن بما أننا نعيش فى عصر كَثُر فيه الكلام ووسائل نقل الكلام، الكل يتكلم بما يحب لا بما ينبغى، وليس من حق أحد مصادرة حق الآخر فى الكلام وهكذا، فأصبحنا نتصادم بالكلام والأقاويل والآراء المختلفة شئنا أو أبينا، وبما أنه ولابد من الاصطدام فلا بأس من محاولة استخدام المنطق والبرهان فى تفنيد ما نسمع وخاصة عندما يكون ما نسمعه كثير ومتعلق بقضية فارقة، سنحاول التفكير فيما يقولون ومحاولة النظر فيه بشكل عقلانى.
القضايا الفاصلة: قضية فلسطين
من هذه القضايا “قضية القدس” وقضية فلسطين بشكل عام، القضية المحسومة، والقضية التى يشق على نفوسنا أن نثير أى نقاش أو جدال حولها، فلو تحررنا من الاعتقاد الدينى، ومن الاعتقاد العرقى، ومن تعلق القلوب بهذه البقعة من الأرض وميل الهوى، فهى قضية الإنسانية كيف نتحرر من هذا!! هى قضية الحق.
وعند محاولة استخدام العقلانية فى بعض ما يُقال حول هذه القضية نجد أن ما يقال يأبى أن يكون شيئًا يصلح للعقلانية بأى حال من الأحوال. فهناك مقولة انتشرت على مواقع التواصل وهى “من حق إسرائيل تعمل أى شئ لمنع التعدى على حدودها”.
إن مفهوم الدولة يعنى تجمع أو كيان مكون من الحكومة والشعب والأرض، وإسرائيل صنعت الحكومة وجمعت الشعب واغتصبت الأرض؛ فهل هذا أيضًا يدخل ضمن نطاق مفهوم الدولة؟! ثم أن إسرائيل حتى هذه اللحظة وبعد أكثر من 70 سنة لم تُعين حدودها!! إسرائيل هذه لم تعلن حدودها الرسمية بالكامل منذ إنشائها عام 1948؛ فأى حدود كانت تدافع عنها حتى نعلم إلى أى حد مسموح لصواريخها أن تصل وتقتل دون أن نتكلم. ثم أليس من حق الفلسطينيين عملًا بنفس المنطق الدفاع عن حدودهم وأرضهم، أليس من واجب العالم أجمع الدفاع عن الفلسطينيين الذين يدافعون عن الإنسانية؟!
قوانينهم ذاتها تُنتهك!
ومما يثير العقل أيضًا فى الآونة الأخيرة هو إصرار الولايات المتحدة نقل سفارتها للقدس لإعلانها عاصمة لإسرائيل مخالفين بذلك حتى قرار الأمم المتحدة (الذى قسم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى عبرية وجعل القدس تحت إدارة دولية) وقد بدأ هذا الأمر بقرار الكونجرس الأمريكى عام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وبناءها على أرض الأوقاف الخيرية الإسلامية، وفى مقدمة القرار “أن القدس هى الوطن الروحى لليهودية”.
فهل صلاة أبناء دين ما أو جنس ما تجاه مدينة ما يمنحهم بها حقوقًا سيادية وسياسية؟! هل ارتباط دين ما بمكان معين يحمل مقدساته يعطى الحق لكل من اعتقد هذا الدين بانتزاع هذا المكان من أهله؟؟! إن المسلمين والمسيحيين يرتبطون دينيًا وروحيًا بالقدس لدرجة كبيرة. إن الروس واليونان والمصريين وغيرهم يصلون فى اتجاهها، ويحب القدس ويقدّسها كل الأمم والديانات.
إننا حتى لو حاولنا التعاطى مع القرارات “الباطلة” التى تم اتخاذها بشأن القدس والتى أساسها باطل ولكنهم صنعوها ووضعوها بأنفسهم، نجدهم ينسفونها نسفًا؛ فعندما قررت الأمم المتحدة فى نفس ذات القرار المنشئ لدولة إسرائيل سنة 1947، والذى تبنى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني عليها، وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، هي دولة عربية وهي دولة فلسطين، ودولة يهودية وهي إسرائيل، ونص على أن تبقى القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية. ولكن ما حدث واقعًا بعد ذلك أن إسرائيل وعقب حرب 1948 احتلت الجانب الغربى من القدس مخالفة بذلك قرار الأمم المتحدة المنشئ لها والخاص بإقامة دولتها، وعقب حرب 1967 احتلت الجانب الشرقي من المدينة.
واعتبر مجلس الأمن أن جميع التدابير التشريعية والإدارية والإجراءات التي تميل إلى تغيير الوضع القانوني للقدس باطلة.
فحتى قانونهم لا يحترموه وحتى عقلهم لا يتسق مع عقلهم!!
الإعلام النائم
ومما لا نستطيع فهمه هو طبيعة تناول الإعلام للقضية الفلسطينية، فناهيك عن التناول الموسمى للقضية الذى يتصاعد عند الأزمات أو عند تحرك الناس أو عند وجود ما يستدعى التغطية من وجهة نظرهم، أما فى معظم الأوقات فهى أخبار تقليدية تمر على الشريط أسفل الشاشة لا يبالى بها أحد ولا تصنع فارقًا لأحد مثل “مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى”، وغيره من الأخبار العادية غير الجديرة باهتمام الإعلام.
نجد الإعلام يستخدم مصطلحات لا يفحص دلالاتها. كمصطلح “القدس الشرقية” للإشارة إلى ذلك الحيز الذي يمكن لأصحاب نهج التسوية القبول به كعاصمة للدولة التي ينادون بها، وهذا لا ينم فقط عن ضعف في إدراك دلالات تلك المصطلحات، ولكن فى الأغلب يَنُم عن تبنٍ واعٍ لخطاب انهزامي ما زال يرى الحل فى حلّ الدولتين والتنازل عن القدس والاكتفاء بجزئها الشرقى. ولكننا سنأخذ جانب شعارات الشارع “لا شرقية ولا غربية، هذه القدس عربية”. سنسمى الشهيد شهيدًا، والاحتلال احتلالًا، والمعبر حاجزًا.
إن قضية القدس قضية مجموعة من الصراعات المعقدة، صراعًا استعماريًا علمانيًا صهيونيًا يُوظف الأكاذيب والأوهام ليجعلها دينًا يُنفَّذ به مشروع استعمارى استيطانى.
القدس كل القدس هى عاصمة فلسطين وجزء من عقيدة أمة يتعدى تعدادها المليار وثلث المليار، ولا يمكن وغير مقبول أى محاولة لتمليص القضية من أبعادها العقائدية والقومية والتاريخية.
فلنحفظ جيدًا حدود القدس، حدود الحق، وحدود ممتلكاتنا، ولنحفظ حدود الكلام وحدود ألسنتنا.
اقرأ أيضًا :
“فلسطين حرة.. ستبقى قضيةً حية”