قضايا وجودية - مقالاتمقالات

القبول والتسليم

من أخطر ما يدمر حياة الإنسان الموازنات الحياتية، حينما يوازن الإنسان بينه وبين غيره، يوازن بين ظروفه وحياته وعمله وحياة غيره، آنئذ يصاب بالقلق والإحباط، لأنه في الغالب لا يتخير إلا من هو أعلى منه، فيجد نفسه يعيش حالة من الألم سببه عدم الرضا.

الشعور بالقلق ورفض الواقع الحياتي شيء قاتل لكل معاني السعادة، لأن الرفض يولد التمرد والسخط، وكل هذا يؤهل الإنسان للعزلة والتوتر وربما ما هو أسوأ من ذلك.

الخروج من هذه الشبكة المربكة لا يكون إلا بالرضا والتسليم والقبول.

تأملوا قول الإمام أحمد بن حَنبَلٍ إمام أهلِ السُّنَّةِ: “أجمع تِسعونَ رَجُلًا من التابعين وأئمَّةِ المُسلِمين وأئمَّةِ السَّلَفِ وفُقَهاءِ الأمصارِ على أنَّ السُّنَّةَ التي تُوفِّيَ عنها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَّلُها الرِّضا بقضاءِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، والتسليمُ لأمرِه، والصَّبرُ على حُكمِه، والأخذُ بما أمرَ اللهُ به، والانتهاءُ عمَّا نهى اللهُ عنه، والإيمانُ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، وتركُ المِراءِ والجِدالِ في الدِّينِ…”.

الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره ذروة سنام العبادة، هو المؤشر لاكتمال الإيمان، إن عدم الرضا عن النفس والواقع لا يغير من حياة الإنسان شيئًا، إلا أنه يصيبه بحالة من القلق والضجر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا ريب في أن من أهم أسباب الرضا الشعور بالنعمة، شعور الإنسان بالنعيم الذي يعيش فيه ولا يقدره، والنعيم ليس شرطًا أن يكون مالًا أو عقارًا، فولدك المعافى من المرض ومن الفساد من النعيم، وزوجك التي تصون عرضك من النعيم، وعملك الذي يتمناه غيرك من النعيم، ومعافاتك في بدنك من النعيم، وتوفيقك لرضا الله –عز وجل– من النعيم، ومحبة الناس لك من النعيم، وأعظم نعم الله علينا جميعا نعمة الستر، فلو حرمت نعمة فاحمد الله على باقي النعم.

إن التصالحَ مع النفس السببُ الرئيسي لقبول الآخرين ومعايشتهم بسلام، وهو أساس الراحة والسلام النفسي.

لن يصل الإنسان إلى هذه الحالة من التصالح والرضا إلا إذا استعان بالله وراقبه وعمل على شكره، وقد حسم ربنا –جل وعلا– القضية حينما قال: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)”، طه، وهذه المعيشة الضنك سببها الإعراض عن ذكر الله، الإعراض عن الرضا بالقضاء والقدر، الإعراض عن التسليم والتفويض والاستعانة.

تقبل حياتك كما هي دون موازنات مع أحد، تقبل عملك وشكلك وأسرتك وبيتك، واحمد الله على ما أنت فيه، لأنك لو أنصفت ستجد من هو دونك، ويتمنى ظروفك وعملك وأسرتك.

لعلك تغالط نفسك وتقول: “لا يوجد من هو أسوأ مني”، ربما لأنك تفتقد جزءًا من السعادة في جانب من هذه الجوانب، والحقيقة التي لا يجب أن تغفلها أن الله عوضك بأشياء أخرى أنت غافل عنها، أو تتغافل عن ذكرها، فكن منصفًا حامدًا راضيًا، ستجد الراحة التي تملأ قلبك، واليقين الذي يضيء حياتك.

مقالات ذات صلة:

الرضا عن الحياة (مفتاح للسعادة الشخصية)

نصف الكأس الفارغ!

إن الماء لا يقتل وكذلك الحياة فلا تخف

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ ماهر فؤاد الجبالي

 أستاذ الأدب والنقد ووكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر