الرجل الراكض .. رواية ستيفن كينج
هي رواية الكاتب الأمريكي العالمي ستيفن كينج الشهيرة “الرجل الراكض” (the running man)، المنشورة عام 1982 والمسماة بالهارب في ترجمتها إلى العربية، وهي طبعًا غير رواية الهارب للروائي الروسي فالنتين راسبوتين ولنا معها موعد لاحق إن شاء الله.
من هو ستيفن كينج
عُرف ستيفن كينج بأنه من أهم رواد أدب الرعب في العصر الحديث، لكنك تجد رواياته فلسفية تتضمن كثيرًا من العمق الفكري والحس الإنساني، وهو محسود على غزارة إنتاجه إذ يتمتع بمقدرة مذهلة على إنتاج رواية كل أسبوعين أو ثلاثة، وعندما نقول رواية نقصد رواية ناجحة توزع نسخًا بالملايين في أمريكا وخارجها، ولدرجة أن دخله الأسبوعي منها –بناء على قوله– يتخطى العشرة ملايين دولارًا، من إعادة بيع كتبه القديمة فقط بخلاف رواياته الجديدة.
هذا الكاتب الذي نشأ في بيئة بائسة، لدرجة أن والده تعلل ذات يوم بالخروج لشراء علبة سجائر فذهب ولم يعد تاركًا الأم تتولى أمور الأسرة وحدها، فاضطرت للعمل طاهية لدى مؤسسات إنسانية، بينما تفرغ ستيفن للقراءة، وبخاصة قراءة روايات الرعب، التي عشقها حتى تمنى أن يصبح كاتب روايات رعب، وهو ما استطاع تحقيقه بنجاح باهر، رغم إصابته في شبابه بعديد من الأمراض، منها ضعف البصر وارتفاع الضغط وثقب في طبلتي الأذن، لكن ماذا لو علم أبوه الغيب وما سيكون عليه نجاح وشهرة وثراء ابنه ستيفن؟ هل كان ليقدم على التخلي عن أسرته بهذه الطريقة؟
نبذة عن رواية الرجل الراكض
قبل أن نتحدث عن الرواية نفسها التي تقع أحداثها في المستقبل –عام 2025– دعنا نطرح سؤالًا: ماذا بإمكانك أن تفعل لتوفير نفقة علاج ابنتك من مرض خطير إذا تجاوزت هذه النفقة حدود إمكانياتك بكثير؟ أنت فقير، ولدت فقيرًا ولم تفلح في تغيير ذلك، ليس لأنك فاشل، لكن لأن قواعد اللعبة الطبقية القاسية تحصن نفسها بقوة ضد محاولتك التمرد على طبقتك، وهي لا تترك لك أي خيار للحصول على مزيد من النقود إلا بمقدار ما تريد هي أن تتلاعب بك لتلهو قليلًا وتتسلى، فعلى الفقير أن يبقى فقيرًا لكي يحتفظ الغني بكامل ثرائه، وهو مبدأ يدافع عنه الأثرياء حتى الموت، فهل يمكنك مع ذلك أن تتمرد على قواعد اللعبة لكي تعالج ابنتك دون أن تتسبب لهذا العالم في كثير من الفوضى والموت والدمار؟
هذا باختصار السؤال الذي تطرحه الرواية ولكن بصورة رمزية غير مباشرة، وعبر قصة خيالية مثيرة وخطيرة ومليئة بالأكشن السنيمائي، حتى أنك مع أحداثها المتلاحقة لا تكاد تتمكن من التقاط أنفاسك.
الرواية تصور مجتمعًا قاسيًا يصنف الناس إلى غني وفقير، ويسمح للغني بالإمعان في حرمان الفقير البائس والتلاعب به وإذلاله وتعذيبه، لدرجة اختراع لعبة يقوم فيها الأغنياء بتطميع الفقراء في الحصول على كثير من المال، بشرط خوض مغامرة محفوفة بالمخاطر وتسبب الموت.
بطل الرواية
بطل الرواية “ريتشارد بنيامين” رجل فقير معدم في مجتمع مادي فقد إنسانيته، له زوجة ضعيفة وابنة تعاني مرضًا عضالًا، والحصول على المال بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت، وهو موظف بائس يتنقل من وظيفة إلى وظيفة سعيًا وراء النقود لعلاج البنت.
لكنه رغم بؤسه رجل لا يستطيع أن يسكت عن الظلم، سواء كان هو أو غيره ضحية هذا الظلم، لهذا فهو دائمًا بلا عمل، فصاحب كلمة الحق في مجتمع فاسد شخص لا يطاق، وخصوصًا إذا ركل رئيسه في مؤخرته مثلما فعل ريتشارد، لكنه –وبذلك الدافع النبيل إلى علاج ابنته– سيضطر إلى قبول تعريض حياته للخطر في مقابل الحصول على المال في تلك اللعبة اللا إنسانية، مع أنه يعلم أن كل الذين سبقوه إلى خوض هذه المغامرة قد ماتوا بسببها، وأن احتمال النجاة منها قد لا يتخطى الواحد بالمئة، لكن ماذا يفعل وهو ليس لديه وسيلة أخرى لإنقاذ حياة ابنته المسكينة؟
نهاية الرواية
هكذا تبدأ المغامرة التي سيكتم القارئ أنفاسه وهو يتابعها، إذ يقوم منظمو اللعبة بإعلان ريتشارد مجرمًا خطيرًا يجب على الشرطة إطلاق النار عليه حال رؤيته، والمغامرة يشترك فيها المتابعون عبر شبكة الإنترنت، إذ علقت بالمغامر أدوات اتصال تتيح للجميع متابعة تحركاته في محاولته للهروب، فيقوم المشاهدون بالإبلاغ عن مكانه كلما حاول الاختباء، فتأتي الشرطة لتطلق النار عليه، فإما أن يموت أو ينجح في الفرار، وهو لديه فرصة زمنية مقدارها ثلاثين يومًا، فإن استطاع الإفلات من الموت فيها تنتهي اللعبة ويحصل على مليار دولار مرة واحدة، وإن فشل سيموت، وهكذا يستمتع الأثرياء باللعبة ويتعرض الفقراء للموت الذي لا يكاد ينجو منه أحدهم.
لكن ريتشارد يشحذ كل تركيزه وكامل شجاعته وثباته الانفعالي على أمل أن يقهر المستحيل من أجل ابنته، فتتسع نتيجة لذلك دائرة العنف داخل أحداث المطاردة المثيرة، ويسقط كثير من رجال الشرطة قتلى أثناء ملاحقته، وتُستخدم وسائل عدة من قبل الطرفين في المطاردة وفي التخفي والهروب، وتنتهي الرواية نهاية مروعة للأغنياء قبل الفقراء، والمعنى المراد أن انعدام العدالة كفيل بتدمير المجتمع بالكامل وأن نهايته دائمًا مأساوية للجميع.
رواية فلسفية إنسانية في إطار مرعب
يستخدم ستيفن كينج أسلوبًا دراميًا في الحكي وفي الحوارات داخل الرواية، يقول مثلًا: “عرضوا صورته على الشاشات، ولعبوا بها ليبدو وحشيًّا مرعبًا، فصاحت الجماهير تطالب بقتله وإراحة المجتمع من هذا العضو الفاسد، انطلق ريتشارد في الشوارع لتبدأ رحلته الرهيبة، وركب “تاكسي”، وذهب إلى أحد معارفه كان يزور أوراقًا وهويات، وبعد انتظار خمس ساعات كان معه رخصة قيادة، وبطاقة خدمة عسكرية، وبطاقة تقاعد اجتماعي، واشترى منه كذلك أسنانًا صناعية، وعوينات، وشعرًا مستعارًا”.
هكذا تجد أن رواية الهارب أو الرجل الراكض لستيفن كينج في حقيقتها رواية فلسفية إنسانية، بل واجتماعية هادفة تحت مسمى رواية الرعب.
مقالات ذات صلة:
مذلون مهانون .. رائعة دوستويفسكي الخالدة
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا